لا يمكن أن نفتح نقاشًا حول عمل وتوجهات منظمات وجمعيات حقوق الإنسان الدولية والمحلية - التابع منها لمؤسسات العولمة أو المستقلة - بمعزل عن الواقع والظروف والملابسات سواء تلك التى تعمل من خلالها، وفى إطارها تلك المنظمات، أو واقع وظروف الدولة محل التقييم، وكل دولة لها واقعها وظروفها المختلفة، التى يجب أن توضع فى الاعتبار ويتم الأخذ بها عند بحث ملفها من خلال تلك الآلية، ومن الواضح أن هذا لا يحدث.
(1)
وإذا كانت المنظمات غير الحكومية تعتمد فى وجودها واستمرارها، على الأموال التى تأتيها من المنح والهبات والتبرعات يمكننا أن نفهم لماذا يتم إغماض العين عن جرائم قطر فى مسألة حقوق الإنسان، وهى كثيرة، بينما تٌهاجم مصر بالحق والباطل؟!.. لأنه ليس لديها أموال قطر التى تسمح لها أن تشترى حكومات ودول وليس أفراد ومنظمات حقوق الإنسان فقط، وإذا ما قلت إن آلية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التى سوف تفحص الملف المصرى خلال الأسبوعين القادمين ليست ملكًا لأشخاص يتحكمون فيها ويوجهونها حسبما تقتضى مصالحهم، أقول لك إن القائمين عليها هم فى النهاية أفراد، وهم أسرى توجهات وأفكار وصور ذهنية كونّوها من إطلاعهم على تقارير ورقية تصل إليهم وليس واقعًا معاشًا، وفى النهاية هم يدورون فى فلك ودائرة أكبر هى الأمم المتحدة التى تتحكم فيها أيديولوجيات وسياسات دول كبرى، ولا تقل لى إن آلية حقوق الإنسان المنبثقة عنها سوف تتعامل فى ملف حقوق الإنسان الأمريكى مثل نظيره الصينى، أو تفحص ملف قطر التى تدفع بسخاء مثلما تفحص ملف مصر!
(2)
بداية من نوفمبر الحالى وعلى مدار الأسبوعين القادمين – تقريبا - يخضع ملف حقوق الإنسان فى مصر لآلية الاستعراض، والفحص الدورى الشامل التى تجرى على الدول بالتناوب كل 5 سنوات، ومعاييرها مواثيق حقوق الإنسان، والمعاهدات، والقانون الدولى الإنسانى، والالتزامات الطوعية التى وقّعت عليها مصر، مثل الدول التى تحمل عضوية الأمم المتحدة، هذه المنظمة التى اخترعها الغرب منذ ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن ليسيطر من خلالها على العالم.. هذه قصة أخرى.. أما آلية حقوق الإنسان التابعة لها فقد انطلقت فى عملها عام 2006 ضمن الإصلاحات التى طرأت على تلك المنظمة أو هكذا اعتبروها، لكنها فى الممارسة العملية – للأسف – انتقلت إليها كل الفيروسات المرضية للمنظمة الأم فصارت تعانى من أمراض، الازدواجية، والانتقائية، والكيل بمكيالين، مع الدول، وأخطر من هذا مرض «قالوا له» فهى تعتمد فى الحكم على حالة حقوق الإنسان فى الدول على تقارير تصلها من منظمات غالبها أهلية، منها ما يأخذ الطابع الدولى مثل منظمة العفو الدولية «أمنيستى» أو«هيومن رايتس ووتش» ومنها المحلى، ومن الأخيرة هناك 11 منظمة أطلقت على نفسها مجموعة العمل المصرية من أجل حقوق الإنسان فيها 9 منظمات أعلنت عن هويتها، وامتنعت منظمتان، وهذه المنظمات وضعت تقريرًا قدمته لآلية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى شهر مارس الماضى التزامًا بآخر ميعاد محدد للتقديم، وعدد كلمات التقرير 5800 كلمة التزامًا بالحد الأعلى لعدد الكلمات، ولو سُمِح لها لزادت وأفرطت مثلما فعلت فى نسخة التقرير المترجمة للعربية، وكله بثمنه.
(3)
أول القصيدة كفر – كما يقولون – حيث طالبت التوصية الأولى لتقرير مجموعة العمل المصرية بالآتى: «على رئيس الجمهورية تفعيل سلطته، ووقف أحكام الإعدام النهائية على 74 شخصًا على الأقل، واستبدالها بعقوبات أخف بموجب المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية، سواء بالنسبة للأحكام التى لم تعرض عليه بعد أو الأحكام المستقبلية التى ستصدر عن المحاكم المصرية، وبوجه عام على الحكومة وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام تمهيدًا لتعليق العقوبة، ومراجعة القوانين التى تسرف فى إقرارها».
كم خطأ فى التوصية السابقة؟!.. سؤال يستحق جائزة لمن يصل للإجابة على سهولتها.. لكن دعونا من الألغاز ولنقول مباشرة إن المنظمات التى تتهم الدولة المصرية بتسييس أحكام القضاء هى التى تدعو صراحة للتدخل فى أحكام القضاء وبشكل سافر من رئيس الجمهورية.. ورد على توصيتهم لماذا لا تخاطبوا أنتم الإرهابيين وتطلبوا منهم وقف تقتيل أفراد الجيش والشرطة والمدنيين وتدمير الممتلكات؟
.. ولماذا لا ترون أن مصر فى حالة حرب بالفعل وأن القوانين لابد أن تفعّل بشدة وفى حدها الأقصى حتى لا تسقط الدولة فتدخل فى حالة فوضى أو حرب أهلية.. لماذا تطلبون الرحمة لأيد ملطخة بالدماء وتغفلون حقوق ضحايا الإرهاب والعنف والتقتيل والترويع؟!
أما على مستوى العقوبة ذاتها التى تطالبون فى توصيتكم بتعليقها فهذا ليس بجديد، ولكنه طلب مطروح من الغرب منذ سنوات، وسبق أن تم تمويل عدد من الجمعيات لتتبنى برامج تضغط من خلالها على الدولة لإلغاء عقوبة الإعدام أسوة ببعض دول الغرب.. وهذه حكاية أخرى فانتظرونا.