كتب: على طه
أكد الكاتب الصحاقي التركي إرغون باباهان أن حكومة الرئيس التركي رجب أردوغان جعلت من تركيا دولة “منبوذة”، وأن أردوغان يطبق النموذج الباكستاني.
جاء ذلك في مقال للكاتب نشره موقع أحوال تركيا تحت عنوان (تركيا أصبحت النموذج الباكستاني في المنطقة).
إرغون باباهان حذر من تنامي علاقة تركيا مع الجماعات الجهادية في سوريا، وعلى رأسها داعش، التي قتل زعيمها قبل أيام، كما كانت تفعل باكستان في أفغانستان.
وجاء في المقال:
تتسارع خطوات تركيا، بحكومتها الحالية، التي صمت آذانها وعصبت أعينها عن القضية الكردية، ومعها المجتمع التركي، نحو مستنقع سيكون خروجها منه بعد ذلك مستحيلاً. وهي في تقدمها باتجاه ذلك المستنقع تزداد عزلة يوما بعد يوم، حتى صارت دولةً وحيدةً منبوذةً من دول العالم.
لم يتوان أردوغان، الحالم بتكوين إمبراطورية إخوانية على أنقاض حكم الرئيس السوري بشار الأسد، عن تقديم كافة أشكال الدعم؛ من تزويد بأسلحة ومنح التسهيلات إلى الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.
وعندما هاجم مسلحو داعش، الذين طالما تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، مدينة رأس العين “كوباني”، لم يحرك أردوغان ساكنا، وكأن الأمر لا يعنيه، في ذات الوقت الذي كان فيه الأكراد يخوضون حربا شرسة، برجالهم وشبابهم ونسائهم، بما لديهم من سلاح، بداية من السكين ضد مسلحي هذه المنظمة الإرهابية الدموية، الذين اغتصبوا النساء واستعبدوا الرجال وقطعوا الرؤوس، كانت العبارة الوحيدة التي قالها أردوغان حينذاك، هي صراخه “سقطت كوباني. كوباني تسقط”.
لم يبدِ أردوغان انزعاجه يوما من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على المنطقة الحدودية مع تركيا، أو من أن تصبح تركيا جارا لهذا التنظيم. لقد تجاهل تماما حقيقة أن ما لا يقل عن 20-25% من سكان تركيا هم من الأكراد، وتغافل عن قيام هذا التنظيم الإرهابي بتشريد أقارب هؤلاء، الذين يعيشون على الجانب الآخر من الحدود.
تابعنا جميعا كيف كان أردوغان ينقل الأسلحة إلى داعش والجماعات الإرهابية الأخرى المشابهة في الحاويات الشهيرة التي نعرف قصتها، وعندما افتضح أمره أخذ يكيل الاتهامات إلى الذين تناقلوا هذه الأخبار، واستمر في كذبه حتى بعد أن نُشرِت صور للأسلحة الثقيلة التي زوَّد بها تلك الجماعات، وزعم أن الحاويات كانت تنقل “المساعدات الإنسانية إلى التركمان في بايربوجاق في شمال غرب سوريا”.
أما الآن، فقد أصبح الهدف الوحيد لنظام أردوغان، بعد أن فقد الأمل في الإطاحة بنظام الأسد، هو تطهير المنطقة الحدودية بين البلدين من أي وجود للأكراد، وإقامة حزام عربي بديلا عنهم حتى لو كان هذا على حساب تشريد مئات الآلاف من المواطنين السوريين وإرغامهم على ترك ديارهم الأصلية إلى الأبد.
تقوم خطة أردوغان الخيالية كذلك على التلويح بورقة اللاجئين في وجه أوروبا حتى يغدقوا على أنقرة أموالا بالمليارات؛ ليقوم ببناء “فيلات” بحدائق لهؤلاء اللاجئين على أراضي وممتلكات الآخرين بشكل يتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولي. وبذلك يضمن أردوغان إقامة الحزام العربي الذي أراده على الحدود من ناحية، ويعطي قبلة الحياة إلى الشركات والمقاولين المقربين منه بإسناد هذه المهمة إليهم من ناحية أخرى.
المحزن في الأمر أننا لم نسمع أصواتا من داخل المجتمع التركي مناوئة لمخطط أردوغان، اللهم إلا قلة قليلة عارضت خطته، التي تتنافى مع أبسط قواعد القانون والأخلاق والمنطق معا. وفي المقابل رأينا كيف تكتلت خلفه شرائح من المجتمع التركي؛ ظنا منها أنه يسير على درب أتاتورك، منفصلين بهذا عن الحقيقة التي مفادها ما يلي:
لم تعد القوات المسلحة التركية، كعهدها في الماضي، تلك المؤسسة التي تحمي مبادئ العلمانية، وتحول الجيش التركي في المقابل إلى “جيش محمد” بما يذكرنا بالنموذج الباكستاني. وانحسرت مهمة الجيش القومية في الحفاظ على الإسلام كما يراه أردوغان وحده. ومن ثم سيكون جميع أفراد القوات المسلحة وقادتها، وفق هذا النظام، من أتباع مؤسسة “سادات” التي أنشاها الجنرال المتقاعد ومستشار أردوغان عدنان تانري فيردي؛ تلك المؤسسة التي تقوم بأعمال مشبوهة كتدريب عناصر بعيدا عن الجيش والدولة، تحت زعم المساعدة في تبوّؤ العالم الإسلامي مكانته بين دول العالم المتقدم. وهذا يعني أن القوات المسلحة التركية سوف تتحرك حتما بعيدا عن الناتو.
إن اعتماد القوات المسلحة التركية على هذا النهج في عملها، سيجعلها أكثر تداخلا مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، كما هو الحال في باكستان. وكانت العملية العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة على الأراضي السورية أصدق دليل على ذلك. وبالتالي ستؤدي علاقة تركيا المعقدة والمتشابكة مع تلك الجماعات إلى ارتباط اسمها، بشكل دائم، بالجرائم اللاإنسانية التي ترتكبها أي من تلك الجماعات المتطرفة في المنطقة.
ستكرر تركيا، في علاقتها بالجماعات الجهادية في سوريا، نفس تجربة باكستان في أفغانستان، وبالتالي ستظل تركيا تقدم كافة أنواع الدعم لشتى الجماعات الإسلامية المتطرفة الموجودة على حدودها. وينطبق هذا الأمر بالطبع على المنطقة الموجودة على جانبي الحدود.
لقد كشفت العملية التي نفذتها القوات الأميركية ضد زعيم داعش البغدادي، بالتعاون مع الأكراد، بمنأى عن تركيا هذه الحقيقة بشكل كامل؛ إذ قامت القوات الأميركية بمحاصرة البغدادي وقتله في قرية تبعد خمسة كيلومترات في ذات المنطقة التي تسيطر عليها تركيا، التي تزعم صداقتها بالولايات المتحدة. ويصعب التسليم بأن أنقرة، التي تملك 12 نقطة مراقبة في هذه المنطقة، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الأذرع الاستخباراتية هناك، لم تكتشف وجود البغدادي في هذه المنطقة. وما يؤكد الشكوك كذلك حول علاقة البغدادي بتركيا ما تردد من معلومات عن تردد الأول على مدينة “الريحانية” داخل الحدود التركية أكثر من مرة.
وبغض النظر عما تقوله أنقرة، فقد تحولت الريحانية بالفعل إلى معسكر تدريب، ومركز لإيواء عناصر تنظيم داعش الإرهابي.
وهذه حقيقة بات يعرفها العالم أجمع. وكان حضور الداعشي عبد الباسط الساروت مراسم تشييع جنازة، في يونيو الماضي، داخل مدينة الريحانية، متدثرا بغطاء مكتوب عليه “بلدية هطاي”، ومشاركته في الصلاة هناك بحضور مئات آخرين، وتصريحه “سنقتلع جذور العلويين”، هو دليل آخر يؤكد صحة هذه الشكوك.
كانت المخابرات المركزية الأميركية والبنتاغون على علم كامل بطبيعة العلاقة بين أنقرة وداعش وهذا يفسر عدم إبلاغ تركيا بأية معلومات عن عملية تصفية البغدادي؛ الأمر الذي يذكرنا، من جديد، بعملية تصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن عندما تعمدت الولايات المتحدة عدم إبلاغ حكومة باكستان بأمر هذه العملية. لقد وثقت القوات العسكرية الأميركية وجهاز استخباراتها كثيرا بالقوات الكردية في كل من العراق وسوريا، وفي المقابل من ذلك لم تثق في أنقرة ولم تبلغها بأمر تحركها للقضاء على البغدادي.
كما لم تنسق معها بشأن استخدام المجال الجوي في الوقت المحدد للعملية. كما كان قرار أميركا استبعاد قاعدة إنجيرليك من المشاركة في هذه العملية وحده دليلا كافيا يؤكد عدم وثوق الولايات المتحدة في تركيا.
إن عملية تصفية زعيم تنظيم داعش هي عمل نفذته دولة أميركا، وليس الرئيس ترامب؛ لأن ترامب، إن عاجلا أو آجلا، سيترك الرئاسة، لكن عقلية هذه الدولة وذاكرتها هي التي ستبقى هناك إلى الأبد. وأعتقد أن توجّه تركيا الحالي، واتجاهها نحو “الأسلمة” بهذا الشكل، لن يكون في صالحها في المرحلة المقبلة.