نادية صبره تكتب: جيل ما بعد الطائفية
نادية صبره تكتب: جيل ما بعد الطائفية
"شيئًا ما يحدث في الشرق الأوسط لإعادة مفهوم الوطن أو الأمة مكان الطائفية التي أدت إلى السرقة والفساد يقوم به شباب سئموا ابتزازهم بالترهيب والخوف."
هكذا وصفت جريدة النيويورك تايمز الاحتجاجات الشعبية في العراق التي دخلت أسبوعها الرابع ومازالت تشهد يوميًا مواجهات دامية بين قوات الأمن والمحتجين ووصلت أعداد القتلى إلى 319 قتيلاً وأكثر من ثلاثة آلاف مصاب.
وهي أرقام مخيفة ومفزعة حتى إن مفوضية الأمم المتحدة طالبت السلطات العراقية بوقف حملات القتل الممنهج والاعتقال والتحقيق في حالات خطف الناشطين كما وصفت منظمة العفو الدولية ما يحدث في العراق بأنه حمام دم.
حتى الآن لا يدرك قادة العراق قراءة المشهد السياسي بصورة جيدة، ويدركوا أن المعادلة السياسية في العراق قبل (1) أكتوبر 2019 كانت تعتمد على ثلاث قوى فقط على الساحة هى: مرجعية النجف وطهران وواشنطن وبعد (1) أكتوبر2019 أضيفت لهذه المعادلة قوة رابعة ألا وهي الشارع العراقي.
وللأسف لا يوجد إدراك حقيقي للعنصر الرابع أي للمطالب التي يطالب بها الشارع العراقي الذي تحرك بعد أن فقد ثقته بالحكومة وبأية وعود حقيقية بالإصلاح واستقلال القرار السياسي ورغم التعتيم الإعلامي والإجراءات الأمنية المشددة عادت وبقوة الصحوة الشعبية العراقية البعيدة تمامًا عن أي جهة سياسية أو تيار حكومي.
رئيس الوزراء [عادل عبد المهدي] لم يقدم ضمانات للشارع حول حزمة الإصلاحات فكل الوعود لم تكن مقنعة للشارع العراقي فهذه ليست التظاهرات الأولى ولكن الحكومة لم تستطع التعامل معها بشكل واضح لذلك كان الخروج المكثف من محتجين أعمارهم تتراوح من 15 إلى 25 سنة، وهم فاقدي الأمل والعمل فهناك أزمة ثقة ما بين المواطن والرئاسات الثلاث، والمشكلة أن قياسات الحكومة لا تنطبق على قياسات الشعب والشارع العراقي الآن غاضب وناقم وغير مقتنع فبرغم التعليمات التي صدرت للأمن بضبط النفس سقط شهداء.
ولم تكن أسباب الوفاة بين المتظاهرين والقوى الأمنية بل بين المتظاهرين والقناصة الملثمين التابعين للميلشيا الموالية لإيران، الذين قاموا بإطلاق الرصاص الحي وبعمليات طعن حيث سقط الأعداد الأولى من الشهداء في المنطقة ما بين السفارة الإيرانية ونقابة الصحفيين فمن يتحمل مسئولية هؤلاء؟
ومن الملاحظ أنه كلما زاد النفوذ الإيراني كلما زاد الاحتجاج والقتل وهذا ما حدث في محافظات الجنوب حيث قام الجمهور الشيعي الغاضب بحرق مقرات الأحزاب في الناصرية والبصرة والديوانية وذي قار وغيرها مما يؤكد أن هناك نقمة جماهيرية على فريق الأحزاب السياسية واستخدامها السلطة في الاستحواذ على المناصب وعلى المال.
وبالطبع لست مع الحرق والاقتحام ولكن من الواضح أن المواطن يسأم هذه الأحزاب فهي من تقوم بعملية رسم الخارطة السياسية على مدار الستة عشر عام الماضية فشلت فيها في التعبير عن المواطن الذي كسر حاجز الخوف رغم اختطاف الناشطين يوميًا عراقيين وعراقيات إنها انتفاضة الشارع الشيعي على رموزه كما يسميها البعض فالاحتجاجات الشبابية في العراق تعكس تحولاً لافتًا داخل المجتمع الشيعي لتعيد بناء المجتمع فالشباب العراقي سئموا التخويف والرصاص ومصريين على استعادة وطن سلبت إرادته.
"ماكوا عراقي يحكم العراق الآن".. هذا ما قاله أحد المتظاهرين وهو ما يعني أن جوهر الانتفاضة الشعبية هو ضد التدخل الإيراني السياسي والاقتصادي والعسكري في العراق ضد الإرهابي [قاسم سليماني] الذي أقام خلية أزمة ويتصرف وكأنه المندوب السامي ولا شك أن تدخله يؤجج الشارع العراقي ولكن للأسف قرارات [سليماني] نافذة على القرار الحكومي والبرلماني والرئاسي هذا هو الواقع المؤلم.
وما زاد الأمور تعقيدًا ما نشرته وكالة أسوشيتد برس عن اجتماع عقده [سليماني] مع [محمد رضا السيستاني] ابن المرجع الشيعي على السيستاني ومقتدى الصدر ممثل التيار الصدري وعدد أخر من الأحزاب السياسية اتفقوا فيه على الإبقاء على حكومة عبد المهدي ومكافحة الفساد وإجراء تعديلات دستورية لتهدئة الشارع وإجهاض الحراك الشعبي بأي ثمن وحصر التظاهرات في ساحة التحرير فقط.
ورغم أن الصدر والسيستاني نفوا الموافقة على الاتفاق لم ينفوا مساعي إيران لرأب الصدع في البيت الشيعي!.
بالطبع مصالح الأحزاب مرتبطة بالحكومة وانكسارها يعني انكسار للنظام السياسي ولذلك فمن مصلحتهم الإبقاء عليها ولكن تعديل الدستور ليس الحاجة الأساسية للإنسان العراقي وإنما توفير الوظائف ومتطلبات الحياة اليومية وعراق تعود سيادته من جديد.
ثم أن هناك ميلشيات وجدت على الأرض رغمًا عن الدستور الحالي وكثير من القرارات لا يوجد التزام أصلاً بها... هناك صراع جماهيري مع النظام السياسي العراقي لتغيير بنية النظام فالجماهير ترفض النظام السياسي الحالي المترهل بالميليشيات والذي أهلك الإنسان العراقي ودمر الاقتصاد.
الحراك الشعبي يطالب بطرد النفوذ الإيراني ودحر أي قوة سياسية مدعومة من إيران وتمزيق صور [خامنئي] و [قاسم سليماني] خاصة في كربلاء أكبر دليل على ذلك، وهذا ما يجب أن يتفهمه الرئيس [برهم صالح] الذي أتمنى أن يكون له رأي حاسم في هذه القضية لإعادة الهدوء إلى الشارع.
أما رئيس الوزراء [عادل عبد المهدي] فأنا لا أعول عليه إطلاقًا فهو يتحمل المسئولية الأكبر التي يحاول تحميلها لرفقائه السياسيين في التحالف الشيعي.. (عبد المهدي) اتكأ على الأحزاب والميليشيات لضمان استمراره على رغم الاحتجاجات ومازال راغبا في البقاء في المشهد السياسي بحجة عدم وجود بديل مناسب.
ما يحدث في العراق الآن هو ولادة جديدة للعراق فإما أن ينتقل إلى مستقبل أفضل أو يظل تحت الوصاية الإيرانية فالنفوذ الإيراني الذي تتباهى به إيران هو الآن في مواجهة مع الشارع في لبنان والعراق في مواجهة مع شباب منتفض أصبح يعرف بجيل ما بعد الطائفية.
فهل تراهن إيران على الوقت أم على قتل المتظاهرين؟
وليعلم الجميع أن الإرادة الشعبية أقوى من جميع الإرادات ولابد لها أن تنتصر.