عاطف عبد الغنى يكتب: ترامادول !!

عاطف عبد الغنى يكتب: ترامادول !!عاطف عبد الغنى يكتب: ترامادول !!

* عاجل13-12-2019 | 12:54

قبل ٨ سنوات تقريبا، وفى مثل هذه الأوقات شتاء ٢٠١١ كان فى ميدان التحرير وسط زملاء مهنته من المحامين، استجاب بعد أن حثوه على المشاركة فى الأحداث التى شهدها الميدان.. كان وقتها يبلغ من العمر الخامسة والثلاثين، وكان قد مر بتجربة زواج فاشلة، لكنها لم تترك له فى نفسه جرحا عميقا، فسريعا ما تجاوز آلامها.

(١)

ولم يكن يهتم كثيرا بالسياسة،  ولا صاحب أيدلوجية أو أجندة، لكنه كان مثل زملائه المحامين يرون ويتعاملون مع شرائح المجتمع المختلفة، معظم الوقت هو فى أقسام الشرطة والنيابات، والمحاكم، والسجون، يخالط رجال القضاء والشرطة، وأرباب السوابق والمجرمين، ومع الآخيرين يرى فئة المجتمع القبيحة، لكنه فى كل الأحوال كان يتميز بالثبات الانفعالى، والهدوء، والتأدب الشديد، إلا فى أيام محددة، يتحول فيها إلى شخص آخر، لا يستطيع السيطرة على أفعاله أو كلامه، ويتحول إلى وحش وجبان فى ذات الوقت حسب رؤيته للشخص الذى أمامه وخبرته عنه، وهو على استعداد للدخول فى معارك لأى سبب تصوره له خيالاته المضطربة من تأثير المخدر، وعلى الإجمال يصبح شخصا آخر منفر لا يتوقف عن الكلام والهذيان، ويتجاوز فى كلامه وأفعاله كثير حدود التأدب، ويقترب من حدود الجريمة.

(٢)

مر بهذه الحالة خلال السنوات الثمانية الماضية ٣ مرات، أحدثها منذ أيام قليلة، وفى كل مرة كنا نقف بقوة إلى جوار أهله، أو بالأحرى أمه المسنة حيث غيب الموت أبوه وانشغل الأخوة كل بحاله، ومنهم من غاب عمدا خشية على سمعته باعتبار أنها حالة من حالات العار.. الله يكون فى عون الأهل فى مثل هذه الحالات. ساعدنا أمه بحكم الجيرة والعلاقات الحسنة السابقة ومعرفتنا بحالة الشخص نفسة الذى يتميز  بالاحترام الشديد فى الأحوال العادية فى إلحاقه بمصحة للعلاج، وكان قد حكى لى نفس الشخص بعد  تعافيه أول مرة من هذه الأزمة، أن السبب فيما يصل إليه هو تعاطيه للترامادول لأول مرة  فى ميدان التحرير، قبل ٨ سنوات، فى هذا الشتاء الذى أغرقت فيه مصر بهذا المخدر وغيره من مغيبات الوعى، مع الترهل الأمنى، وانتشرت المخدرات بعدها حتى كان الصبية والشباب يقفون عل نواصى شوارع رئيسية ويبيعونها جهارا نهارا، وفى حارات العشوائيات.. الآن اختفت هذه المشاهد لكن المخدرات لم تختفى، ويستطيع أى شخص الحصول عليها هذه حقيقة لابد أن نتصارح بها، وألا نخدع أنفسنا. أستطيع أن أسرد عليكم كلام آخر كثير عن الترامادول الذى لا يكتفى بتدمير خلايا مخ المدمن، ولكن باقى أعضاء جسمه، ويصيبه بالإكتئاب والهلوسة، ويضطر المدمن لزيادة كمياته مع غياب الوعى للحصول على التأثير المطلوب. بعض الأسر والأباء والأمهات يتمنون لذويهم الموت عندما يصل لمثل هذه الحالة التى يتحول فيها إلى وحش ولا يسلموا هم أنفسهم منه بل يكونوا أول المتضررين من المعاناة النفسية والجسدية للأهل هذا غير معاناة تدبير مبالغ العلاج التى يعجز عنها الكثرة الكثيرة من أهالى المرضى والمدمنين، وفى مثل هذه الحالات يختلط المرض النفسى بالإدمان، وبعض المصابين معذورون بالفعل.

(٣)

 المعاناة والتضرر تمتدان من الأفراد والأسر إلى المجتمع بأسره الذى يتهدد أمنه من أشخاص يفقدون السيطرة على أنفسهم، إلى أنهم يتحولون إلى خصم من اقتصاد الدولة، ويحسبون بالسلب فى المعادلة الاقتصادية، ولاأتصور أن دولة طامحة فى النمو والتنمية مثل مصر الآن تغفل أو تقل جهودها الرامية إلى معالجة مثل مشكلتى المخدرات، والعلاج المؤسسى للإدمان، وهناك جهود للدولة وخط ساخن للإبلاغ عن المدمنين، وصندوق لمكافحة الإدمان، لكن كل ذلك غائب عن ثقافة المجتمع، والأهالى يدخلون فى دوامة عندما يحتاجون بالفعل اللجوء لمن ينقذ مريضهم، وينقذهم هم أنفسهم.

(٤)

اتصور أننا يجب أن ننتبه بقوة على مستوى الدولة ومؤسساتها لمكافحة المخدرات، وتوفير العلاج بأسعار مقبولة لتلك الحالات. وبصراحة لن تنتفض مؤسسات الدولة، أو تتحمس نحو    حل هذه المشكلة إلا بعد تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسى بصفته وشخصه، وهو مهتم جدا بقضية علاج الإدمان. لماذا لا يكون العام القادم ٢٠٢٠ هو عام إعلان مصر نظيفة من المخدرات؟!
أضف تعليق