دار المعارف
هذه المحاوارات التى دارات فى خيال الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، بين رجل عجوز وشاب على مقهى أيضا خيالى يقع فى نطاق الشارع السياسى، ونشرته مجلة "أكتوبر" قبل ربع قرن ويزيد.. نعيد نشرها اليوم لأنها تناقش مشاكل فى مجتمعنا نعيشها نحن اليوم، بكل تفاصيلها، كأننا شعبا ينظر فى المرآة فيرى نفس التشوهات فى صورته.. نفس التحديات بتفاصيلها نناقشها منذ ما يزيد على ربع قرن، ولم نصل إلى حلول لها .. واقرأ بنفسك واحكم.
قال الشباب كأنه تائه مع نفسه:
كانت قد مضت على سنوات وأنا أعيش دون أن انتظر من دنيا السياسة أى مفاجأت.. أو ما كان يسميه الرئيس السادات صدمات.. يصدم بها الرأى العام لينقله من حالة إلى حالة.. فقد تعودت منذ بداية عهد الرئيس حسنى مبارك على ألا تواجهنى أى مفاجأة.. إنما كل ما يقع يتم التمهيد له حتى يعيش الرأى العام فى انتظاره ثم يتلقاه فى هدوء.. حتى فيما يخص مصير الأفراد الذين يتحملون المسئولية لم أكن أفاجا بأبعاد واحد منهم أو القبض عليه أو تسليط النقمة الديكتاتورية للإطاحة به.. لأن السلطة أصبحت للقانون.. وإصدار الحكم أصبح من اختصاص القضاء.. وأنا دائما أعيش هادئا مطمئنا إلى القانون وإلى حكم القضاء.. وقد حدث فى فترة عابرة أن بدأت الحكومة تفاجىء الناس بقرارات تخص رفع أسعار المواد الاستهلاكية.. ثم وجدت هذه المفاجأت تزعج الناس وتثيرهم.. فعدلت عنها.
وأصبحت الحكومة تكتفى بإطلاق الحديث عن سوء الحالة الاقتصادية.. كتمهيد لما يمكن أن يترتب عليها.. ثم تترك الاسعار ترتفع دون أصدار قرار رسمى برفعها.. وكأنها ارتفعت تلقائيًا نتيجة لسوء الحالة الاقتصادية دون أن يكون للحكومة يد أو تكون مسئولة عن هذا الارتفاع.. والرأى العام يتلقى ارتفاع الغلاء ساخطا ولكن دون أن يتعرض لمفاجأة تدفعه إلى ثورة.. بعد أن أصبح مقتنعا بالأزمة الاقتصادية التى يمر بها البلد.. وهكذا أصبحت أعيش دون أن اتعرض لمفاجأت يصدمنى بها الحكم.. إلى أن صدمت منذ بضعة أسابيع بمفاجأة اذهلتنى ومازلت أعيش حتى اليوم مذهولا بها..
وقال العجوز بلا مبالاة وهو ينفث دخان الشيشة:
أى مفاجأة هذه؟
وقال الشاب كأنه لا يزال يعانى صدمة: مفاجأة تغيير الوزارة.. وإزاحة على لطفى ووضع عاطف صدقى مكانه..
وقالالعجوزبلااهتمام: أن تشكيل الوزارة وتغييرها يعتبر إجراء عاديا تفرضه الظروف..
وصاح الشاب:
ولكن هذا التغيير لم يسبقه أى تمهيد يوضح الظروف التى تدفع إليه حتى يعيش الناس فى انتظاره.. لقد كنت أقضى ليلتى أمام شاشة التليفزيون وأرى على لطفى يترأس حفلات وندوات ويلقى كثيرا من الكلمات التى تعرض أحلامه وتؤكد مسئوليته كرئيس للوزراء.. وإذا بى أصحو فى الصباح التالى لاجد على لطفى قد استقال.. وفوجئت إلى حد إنى لم أصدق إنه استقال ورجحت إنه إقيل.. وشطح خيالى إلى حد إنى تصورت أن رئيس الدولة فاجأته أنباء عن أخطاء خطيرة دفعته إلى إقالة رئيس الوزراء فورا..
وقال العجوز فى هدوء:
لقد كانت الوزارة تواجه معارضة قوية ويمكن أن تعتبر هذه المعارضة كأنها كانت.