ماجد بدران يكتب: هذا العالم المضطرب

ماجد بدران يكتب: هذا العالم المضطربماجد بدران يكتب: هذا العالم المضطرب

*سلايد رئيسى20-12-2019 | 12:02

فى نهاية كل عام تعودنا على حدوث كوارث طبيعية أو حوادث مفجعة تجعلنا نتمنى انتهاء العام ودخول العام الجديد، لكن 2019 تفرض وجودها المختلف عن الأعوام الماضية، فالعالم يشهد موجة من الاضطرابات السياسية تمتد من هونج كونج شرقًا إلى أمريكا اللاتينية مرورًا بإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.

عشرات الدول تشهد عواصف وأعاصير سياسية لا يمكن التنبؤ بتطوراتها أو نهايتها.. هذا هو المشهد العالمى فى نهاية 2019، مشهد غامض محاط بعديد من علامات الاستفهام بل والتعجب أيضًا، فيبدو الوضع العالمى أكثر تعقيدًا، فتحديات الانتقال من عالم أحادى القيادة إلى عالم متعدد الأقطاب تفرض وجودها على الجميع، فيعود شبح الحرب الباردة، روسيا تعلن أنها تمتلك أسلحة نووية حديثة لا يمكن مقاومتها، وأمريكا تعلن برنامج لتطوير أسلحتها النووية بتكلفة تتجاوز التريليون دولار، وتضاعف ميزانياتها العسكرية، وأوروبا تخشى من المخاطر فتعلن أنها ستطور سياساتها الدفاعية منفردة. وتزداد مخاطر حرب تجارية عالمية بعد أن فرض ترامب سياسة حمائية بفرض رسوم على واردات أمريكا من الصين وغيرها من الدول، وردت الصين بالمثل.

ولا يمكن أن تكون الأسباب واحدة فى كل هذه الأحداث الممتدة عبر العالم من هونج كونج إلى العراق وإيران ولبنان والجزائر والسودان وفرنسا إلى السلفادور وبوليفيا وحتى الولايات المتحدة ومحاولة عزل ترامب، هذه الاضطرابات تمتد إلى دول صغرى وكبرى رأسمالية واشتراكية، ديمقراطية واستبدادية، الاضطرابات لا تستثنى أحدًا، فإلى أين يذهب بنا العالم؟ بالطبع هناك صعوبة فى تناول الأسباب الخاصة لكل أزمة على حدة لضيق المساحة، لكن هناك أسبابًا عامة إلى حد ما بين معظم تلك الاضطرابات أهمها تراجع النمو الاقتصادى ونشوب حروب اقتصادية بين قوى كبرى وفرض عقوبات اقتصادية على دول أخرى، ووجود خلل كبير فى الميزان التجارى فى معظم تلك البلدان، وارتفاع معدلات الديون وتجاوزها للخطوط الحمراء وهو مؤشر عدم استقرار لهذه الدول.



وكان القاسم المشترك أن هذه الاضطرابات إما احتجاجات تطالب بإسقاط أنظمة أو إضرابات عمالية تنادى بتحسين الأوضاع الاجتماعية، وشهدت بعض الاحتجاجات أعمال عنف أدت لسقوط عشرات القتلى والجرحى، ففى الجزائر تظاهر الجزائريون منذ فبراير الماضى واستمرت الاحتجاجات قرابة 10 أشهر وكان شعارها «يسقطوا جميعًا» واستقال الرئيس بوتفليقة بعد ضغط من الجيش والشارع واعتقل عددًا من المسئولين وتقديمهم للمحاكمة، وأجريت الانتخابات الرئاسية وفاز بها عبد المجيد تبون، كما خرج السودانيون فى احتجاجات على ارتفاع أسعار الخبز والأزمة الاقتصادية، قوبلت الاحتجاجات بالقمع، وفى أبريل أعلن الجيش الإطاحة بالرئيس عمر البشير الذى استمر حكمه ثلاثة عقود. وشهد لبنان منذ أكتوبر الماضى حركة احتجاج شعبية غير مسبوقة تطالب برحيل الطبقة السياسية التى توصف بأنها فاسدة فى ظل أزمة اقتصادية دفعت سعد الحريرى رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته.

كما شهد العراق مظاهرات ضد الحكومة قوبلت بقمع واستخدام القوة المفرطة ما أسقط أكثر من 420 قتيلاً وآلاف الجرحى دفعت برئيس الوزراء عادل عبد المهدى لتقديم استقالته، وتستمر حركة «السترات الصفراء» فى فرنسا فى الاحتجاج ضد رفع أسعار الوقود والمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للعمال ويخرج المتظاهرون كل يوم إلى الشوارع. وفى إيران أدى قرار برفع أسعار الوقود لاندلاع احتجاجات فى نوفمبر الماضى وسقط عشرات القتلى، وجاءت هذه الاضطرابات بعد نحو عام ونصف العام من عقوبات فرضتها الولايات المتحدة على طهران. وتشهد هونج كونج من منتصف العام احتجاجات هائلة ضد سلطات المدينة المؤيدة لبكين، وشارك فيها الملايين، وتحول بعضها لمواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة.

ومع بداية العام انطلقت فى فنزويلا احتجاجات مناهضة لإعادة انتخاب الرئيس نيكولاس مادورو، أدت لوقوع أزمة سياسية واقتصادية حادة فى البلد وأعلن خوان جوايدو نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد ما أدى لانقسام دولى حول الاعتراف به، وفى بوليفيا اندلعت الاحتجاجات للمطالبة بإعادة الانتخابات الرئاسية بعد فوز إيفو موراليس وحتى بعد استقالته ورحيله لازالت الاضطرابات مستمرة؟

أسوأ ما فى هذا المشهد المضطرب عدم وجود بوصلة تضبط مساره، فمؤسسات التعليم والثقافة والإعلام تساهم فى إنتاج إنسان تائه مشتت، راض وغافل لما يحدث حوله، ولما يُقدم له من أفكار وقيم تؤدى إلى عجز فى إرادته وتراجع فى إنسانيته، فالعالم يختلط فيه الحقائق مع الأكاذيب ليتقبل الإنسان الأكاذيب وهو يحسبها حقائق بسبب السيل الهائل من المعلومات المتناقضة والتأثير اللامحدود لشبكات التواصل الاجتماعى. ومن الضرورى أن يدرك قادة العالم أن السير فى هذا الاتجاه سيؤدى إلى مخاطر أوسع، وأن الحروب غير المباشرة لا تمنع اندلاع حروب مباشرة، على العكس فعند تفاقم تلك الاضطرابات ستتزايد الحروب الاقتصادية أو الحروب بالوكالة والتى تمهد الطريق أمام اضطرابات أوسع تلعب فيها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى وأجهزة المخابرات الدور الأكبر.

أضف تعليق