طارق متولى يكتب: فقرة الساحر

طارق متولى يكتب: فقرة الساحرطارق متولى يكتب: فقرة الساحر

*سلايد رئيسى22-12-2019 | 14:44

إذا قلت لك أن هناك لص يخطط لسرقتك وعازم على أخذ ما فى جيبك من نقود حتى لو كانت قليلة ولكنها كل ما تملك ماذا ستفعل ؟ إذا كان ما معك من نقود قليل سوف تظن أن هذا اللص لن يتكبد عناء السرقة من أجل مبلغ زهيد فالأولى أن يذهب لسرقة من يحملون مبالغ كبيرة لهذا أنت مطمئن أنه لن يقربك ولهذا لا تاخذ أى احتياطات تؤمنك ضد السرقة حتى لو كانت الإنتباه فقط لهذا الكم القليل من النقود وهنا بالتحديد تصبح هدف أسهل للصوص فأصحاب الأموال الكثيرة لديهم حراسات وخزائن تحفظ أموالهم وممتلكاتهم مما يصعب على اللصوص اختراقها لهذا فهم فى الغالب لا يتم سرقتهم ولهذا يلجأ اللصوص لسرقة أمثالك ممن يمتلكون أموال قليلة نعم ولكنها سهلة بدون حراسة وبدون أى عناء حتى أنك لن تبلغ عنهم الشرطة لبساطة قيمة السرقة لذا فلن يتعرضوا لأى مساءلة. إذا قلت لك أن السرقة فى عصرنا الحالى لم تعد سرقة بمفهوم الإعتداء المباشر على المال بل أصبحت تأخذ شكل من أشكال التجارة والأعمال تتم برضى منك وأن الذين يخططون لأخذ مافى حوذتك من نقود قليلة ليسوا لصوص بالمعنى الجنائى ولكنهم أصبحوا الآن شركات كبرى لديهم طواقم عمل كبيرة ترصد كل تحركاتك وإمكانياتك واحتياجاتك وتوقعك فى الفخ فى النهاية وتأخذ مالديك من نقود فقطعا سوف تندهش كن دعنى أوضح لك. نحن نعيش الآن فى سوق كبير وزحام وبالطبع وسط الزحام تزيد السرقة ولكن أذكرك بأنها لم تعد مباشرة بل أصبحت أكثر تعقيداً تحت أسماء متعددة مثل الموضة والتحديث والمتعة والرفاهية الضرورية كلها تقوم بالضغط عليك وتعمل على تشكيل رغباتك وتوجهها حيث يريد من يخطط لأخذ مافى جيبك من نقود. through away civilization هذا المصطلح أطلقه أحد أساتذة الاقتصاد على حضارة العصر الحالى بمعنى حضارة التخلص من الأشياء وإلقائها فى القمامة. وفى رائى أنه يعبر بصدق عن الواقع فمثلا زمان كان هناك مصطلح اسمه السلع المعمرة كان يطلق على الأشياء القيمة الغالية الثمن مثل السيارة والأجهزة الكهربائية والأثاث وغيره. اختفى هذا المصطلح بفعل فاعل فلم تعد هذه السلع معمرة بنفس الدرجة وحتى لو كنت أنت ممن يحافظون على الأشياء فإنهم ينتجون لك شيئا جديدا وشكلا جديدا كل عام أو كل أعوام قليلة تشعر معه بقدم ما لديك من أشياء وتسعى لتغييرها حتى لو كانت فى حالة جيدة لتواكب هذه الموضة أو تلك فتنفق مالديك من أموال مدخرة على أشياء لا حاجة لك بها فى الحقيقة هذا يتم على جميع المستويات والشرائح من أصغرها لأكبرها لكن الخاسر الأكبر فى الغالب يكون من أصحاب الدخول المحدودة وتقوم حملات الإعلانات بلعب الدور الرئيسي فى هذه العملية الجهنمية حيث أنها تبهرك دائما بأشكال وألوان متعددة من المنتجات وتعرضها لك بشكل غاية فى الروعة يغطى كل التفاصيل والحسابات والعيوب أنها أشبه بفقرة الساحر وخداعه. لهذا تقوم الدول والحكومات بجهود حثيثة لحماية المستهلكين وتوعيتهم بقدر المستطاع لترشيد الإستهلاك والتأكد من جودة المنتجات ولكن كل هذا لن يفلح إذا لم تتبنى حضرتك حماية نفسك وأموالك وتعرف كيف تنفقها فى المكان الصحيح وبالقدر الذى يتناسب مع إمكانياتك حتى لا تفقد كل ما لديك ثم تشكو من غلاء الأسعار وعدم القدرة على الشراء بعد ذلك.
أضف تعليق