أحمد عاطف آدم يكتب: «الألفي» فيها حاجة حلوة
أحمد عاطف آدم يكتب: «الألفي» فيها حاجة حلوة
منذ فترة كبيرة وبعد تنفيذ وزارة التربية والتعليم خطتها بدمج الطلاب ذوي الإعاقات البسيطة مع زملائهم الأصحاء، بدأت عدة أسئلة تحاوطني من كل اتجاه - من بينها - كيف يحدث هذا ونحن نعاني من ظاهرة التنمر بوجه عام حتي بين الأسوياء بعضهم ببعض؟!.. وهل كل أطراف المنظومة التعليمية مؤهلة لدمج هؤلاء الطلبة ذوي الإحتياجات الخاصة؟.. حقيقة الأمر أن كل تلك الأسئلة كانت شديدة الإلحاح، وبالصدفة البحتة أراد القدر أن يجيب بطريقته علي تلك العلامات الإستفهامية - بمبدأ إعطاء كل ذي حق حقه، فبينما كنت في طريقي إلي منزلي بمدينة منيا القمح التابعة لمحافظة الشرقية، قابلت أمام مدرسة الألفي الإعدادية أحد أولياء أمور طلاب الدمج بالمدرسة ومعه ابنه الذي سرعان ما تداركت ظروفه الخاصة، وعلي الفور دارت الأسئلة السابقة في ذهني فاقتربت من الرجل وسألته بعض الأسئلة حول الدور الذي تقوم به المدرسة لرعاية نجله، وإذ به يفاجئني بسعادته وثقته لوجود ابنه في هذه المدرسة، وأكد علي قدرة القائمين عليها في احتواء حالات الدمج، حتي أنهم يساعدون الأهل ويوجهونهم للتعامل الأمثل مع ظروفهم بالبيت.
الشهادة السابقة من ولي أمر الطالب دفعتني للبحث عن المزيد من الإجابات الهامة، فتوجهت لمديرة المدرسة أستاذة عبير فايد، وسألتها أهم سؤال من وجهة نظري وهو: هل يعاني الطلاب ذوي الإحتياجات الخاصة من ظاهرة التنمر من قبل زملائهم الأسوياء بالمدرسة؟، فردت قائلة: عندما بدأ تطبيق الدمج بالمدرسة تم رصد تلك الآفة الإجتماعية بوضوح كممارسات متوقعة ضمن مرحلة وفترة المراهقة، لذلك كان هناك إصراراً علي التكاتف لمعالجة الأمر تربوياً، فتم إعداد ورشة عمل جمعتني بالأخصائي الإجتماعي والنفسي، اتفقنا خلالها علي ضرورة شحذ همم وطاقات الطلاب الأصحاء أنفسهم وتحويل انتباههم من التركيز علي إعاقات زملائهم بالإسقاط والتنمر إلي التأثير الوجداني وتبني مهمة مساعدتهم ذاتياً في التحصيل والتكيف مع العملية التعليمية.
وبالفعل توجهت بصحبة الأخصائي الاجتماعي لطلبة الفصول وبدأنا في شرح ظروف طلابنا المدمجين، وطرحت علي التلاميذ سؤالاً وهو: إذا تزوج أحدكم في المستقبل ورزقه الله بطفل يعاني أو حتي كان له شقيق مثل زملائكم- ماذا تودون من المجتمع أن يعامله؟- لأجد أنهم بدأوا في عرض مساعدتهم لزملائهم بإعادة ما يتم شرحه وتبسيط المواد الدراسية عليهم، وبعدها قمنا بتكوين فريق من المدرسين والطلاب المتطوعين تزامناً مع تجهيز غرفة مخصصة لطلاب الدمج بالجهود الذاتية، بها شاشة إليكترونية وبرامج ووسائل متعددة، كما ذهبنا إلي رياض الأطفال بالمدارس وأحضرنا المناهج الخاصة بها لمحاكاة القدرات المعرفية والإدراكية لدي طلاب الدمج وذلك تمهيداً لشرح مواد المرحلة الإعدادية بالتدريج .
في النهاية ومما لا يدع مجالاً للشك، أن الوزارة في الوقت الحالي تبدو غير مستعدة بشكل تام لتطبيق عدة أساليب جديدة في إطار سعي الدولة لتطوير العملية التعليمية بوجة عام، مثل منظومة التوكاتسو اليابانية وتابلت الثانوي العام وكذلك عملية دمج التلاميذ ذوي الإعاقات البسيطة بالأسوياء والذين يعانون بسبب عدم تدريب وتكليف الوزارة لمدرسين متخصصين في التعامل مع ظروف إعاقاتهم المتنوعة، ورغم أن البعض يري ضرورة الإستعداد الجيد قبل خوض أي تجربة جديدة، إلا أنني علي المستوي الشخصي أُفضل البدء مع الملاحظة والتصويب لأي قصور وصولاً للهدف المنشود، لكن دعونا نتفق بأن الإدارة المصرية يكون النجاح حليفها دائماً إذا توافرت لديها الإرادة الحقيقية لفعل شئ بأقل الأمكانيات مثلما فعلت مديرة المدرسة وفريق عملها من الأخصائيين والمدرسين بشكل تطوعي، فحتي مع عدم تخصصهم - لكنهم نجحوا في تضييق الفجوة الإتصالية والمعرفية لدي أبنائنا وأسسوا لروح تعاونية وحميمية رائعة بين الطلاب، وأبهروا الجميع بإنسانيتهم وعطائهم وأكدوا بعفوية أن مدارسنا فيها حاجة حلوة بفكر وروح أبنائها.