«العزم يجمعنا» هذا هو شعار الموقع الإلكترونى الرسمى الذى أطلقته المملكة السعودية بأربع لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والروسية) تخاطب من خلاله نصف العالم الذى يتكلم هذه اللغات والمعنى بالمخاطبة – من وجهة نظر المملكة على الأقل – وإخباره بأنباء الحدث الجلل.
والحدث الجلل بحسب مسئول سعودى رفيع المستوى هو وزير الخارجية عادل الجبير يحتشد له 37 زعيم دولة و6 رؤساء حكومات، وفى قول آخر يرتفع العدد إلى 55 مسئولا من دول عربية ومسلمة سوف يجتمعون فى العاصمة السعودية الرياض يوم السبت 20 من شهر مايو عام 2017 (التوثيق التاريخى للحدث مهم للغاية) فى حشد غير مسبوق من قبل للقاء مع رئيس أكبر دولة فى العالم اسمها الولايات المتحدة الأمريكية.. والرئيس اسمه دونالد ترامب.
(1)
وفيما سبق لا شىء جديد إن هو إلا وصف بارد للحدث، لا يعكس بأى حال من الأحوال أن هناك زاويتين حادتين ينظر من خلالهما العرب للزيارة المرتقبة لترامب والاجتماع مع زعماء ورؤساء دول العالم الإسلامى والعربى، وما يمكن أن يترتب عليها فى المستقبل.
ووجهتا النظر اللتان أقصدهما بعيدتان بُعد المشرق عن المغرب، وبعد غلاة المتفائلين عن غلاة المتشائمين.
ودعونا نبدأ بالتفاؤل، أو وجهة النظر التى تعكسها الرؤية الرسمية للمعسكر الذى تقوده المملكة العربية السعودية، والذى يمكن أن نراها بوضوح مجسدة فى هذا الاهتمام المبالغ فيه بالزيارة، والقمم التى سوف تنعقد على هامشها وهى بالمناسبة ليست قمة ولا اثنتين بل ثلاث قمم ما بين ثنائية إلى جماعية.
والترحيب الرسمى السعودى لا يعكس فقط إحساس المملكة بالانتصار فى معركة لا معالم حقيقية لها حتى الآن ولكنه يعكس أيضا إحساس المنتصر الذى حصل على مقعد القيادة.. وأظن أن السعودية ترى فى نجاحها بحشد هذا العدد من الزعماء والرؤساء ، ورؤساء الحكومات أنها قائدة العالم الإسلامى، الذى نجحت فى جمعه على طاولة واحدة تحقيقا لرغبة أظن أنها أمريكية خالصة هذه المرة، وأحسب أنه لا شىء فيما سبق «يزعل» أشقاءنا فى المملكة.
وشعارات المملكة الصادرة عن مصادر رسمية مثل: «قمة تاريخية لغد مشرق» أو التصريحات الرسمية التى حملها موقع القمة مثل أن الاجتماع بين ترامب والمسئولين من دول عربية ومسلمة يجدد التزام المشاركين فيه بـ «الأمن العالمى والشراكات الاقتصادية الراسخة والعميقة والتعاون السياسى والثقافى البنّاء».. وما سوف يستجد من شعارات وتصريحات خلال الساعات القادمة عن كتابة هذه السطور، تؤكد ما ذهبت إليه من القول بالتفاؤل المفرط للسعوديين أو على الأقل غير الحذر من اللقاء برئيس أمريكى سوف نكتشف نحن العرب – لاحقا – أنه الأكثر دهاء فى تاريخ تعاملنا المباشر مع الرؤساء الأمريكان، وأن هذا الرئيس جاء ليأخذ وليس ليمنح، ولا حتى الأمان الذى يبحث عنه العرب، وعلى رأسهم دول الخليج، مقابل إيران أو غيرها من الدول التى تهدد أمن وسلام المنطقة، والجملة الأخيرة لابد أن تنقلنا إلى المعسكر الآخر.. معسكر التشاؤم.
(2)
فى انتظار زيارة ترامب لمنطقتنا لم ننتبه أنه فى مثل هذه الأيام قبل 69 عامًا تم إعلان قيام دولة إسرائيل بعد انتهاء الانتداب البريطانى مباشرة على فلسطين وجاء فى الإعلان ما نصه: «قيام الدولة الإسرائيلية، وعودة الشعب اليهودى إلى أرضه التاريخية».
وفى مثل هذه الأيام أيضا قبل 50 عامًا وقعت النكسة التى نعرف نتائجها جميعًا ومنها استيلاء إسرائيل على كامل مدينة القدس بما فيها البلدة القديمة التى تحوى الأماكن الإسلامية المقدسة وأهمها مسجدا قبة الصخرة والأقصى، وتشير رواية تاريخية إلى أن الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلى «شلومو بن جورن» الذى دخل البلدة القديمة بصحبة وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك موشى ديان، اقترح تدمير الأقصى لإقامة الهيكل اليهودى «المزعوم» مكانه لكن خشية الإسرائيليون من ردة فعل العالم الإسلامى دفعتهم لرفض الفكرة تمامًا (!!)
وبعد هذه السنين، وبعد القفزتين الكبيرتين لدولة الكيان بقيت بالنسبة لهم قفزة ثالثة يتأهبون لها الآن هى إعلان الدولة اليهودية، وسبعين عاما تمر على إنشاء إسرائيل العام القادم، هذا رقم له دلالة دينية كبيرة عند اليهود فهى عدد السنين تقريبا التى قضوها مسبيين فى بابل العراق، والرقم 7 ومضاعفاته له دلالة أخرى عميقة وكبيرة لديهم.
(3)
هل ما أقوله يبدو حديثًا مهجورًا أو كلامًا مستهلكًا عن قضية خرجت من بؤرة اهتمام العالم الإسلامى والعربى إلى الهامش؟! وبالتالى لا يجب أن يطرحه أو يفكر فيه المسلمون السُنّة الآن فى بحثهم عن السلام مع الجارة إسرائيل؟! أو فى وجود الخطر الإيرانى؟! أو فى انعدام الأمان العربى، وقد صارت دول العرب تتخطفها غربان الشر وتتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها؟ أم ترى أن هذا الكلام السابق كلام راديكالى وينتمى للماضى فى زمن ما بعد الحداثة، وزمن الصفقة التى سوف يتم فيها مبادلة «الجلوس مع ترامب» بالأقصى الإسلامى والأرض العربية، والمدخرات النفطية؟
(4)
وفى شأن دعم المخططات الصهيونية فى المنطقة العربية، فالفرق بين الرئيس الأمريكى الحالى ترامب وبين هيلارى كلينتون المنافسة السابقة له على رئاسة أمريكا بافتراض أنها هى التى فازت ووصلت للحكم، يشبه إلى حد كبير الفرق بين معسكرى الحمائم، والصقور، فى إسرائيل، وكان العرب دائما يتمنون وصول حزب العمل الذى يمثل الحمائم للحكم فى إسرائيل، وليس الليكود حزب الصقور الذى يحكم الآن، ومع الوقت كنا نكتشف أن الحمائم أقاموا مستوطنات أكثر من التى كان يمكن أن يقيمها الصقور لو كانوا يحكمون، وأن الفرق بين الجناحين الصهيونيين هو أن أحدهما يقتل العرب بدم بارد وهدوء فى حين يحدث الآخر ضجيجًا كبيرا عندما يفعل ذلك.
.. وهذا من وجهة نظرى تقريبا الفرق بين ترامب وكلينتون، الأخيرة وحزبها أحتاجا الربيع العربى للوصول إلى هدفهم، بينما ترامب لم يحتج إلى كل هذا الضجيج، ويزيد عن هيلارى أنه أكثر دهاءً، وانظر إلى قسمات وجهه ونظرات عينه المراوغة الحادة وسلوكيات المقامرين التى يدير بها أموره كلها والتى عرفها عنه العالم منذ انتخابه وجلوسه على العرش الأمريكى، كلها تعكس أننا أمام شخص صعب، وتحد أصعب، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقضية عقيدية، وقرارات مصيرية تحدد بالفعل مستقبل هذه المنطقة، والتى لن تقبل أى حلول وسط، لأن هناك فى إسرائيل من لم يعد يقبل بهذه الحلول.. هم يريدون كل شىء ونحن أصحاب الحق للأسف نراوغ، لكن للأسف.. لصالحهم وليس لصالح أنفسنا.