«مصر والعرب والأتراك العثمانيون».. قرنان من الصراع والكراهية

«مصر والعرب والأتراك العثمانيون».. قرنان من الصراع والكراهية«مصر والعرب والأتراك العثمانيون».. قرنان من الصراع والكراهية

* عاجل31-12-2019 | 14:02

كتب: على طه فى الطور الأخير من الضعف، ومع نزعات الاحتضار ظهرت بوضوح نزعة عداء الأتراك للعرب، خاصة مع صعود المد القومي على مستوى النخبة التركيّة، وفى البلاد العربية أيضا وكان ذلك خلال القرن التاسع عشر، وفي وقت تصاعدت فيه القوميّات في أوروبا، ومن حول الدولة العثمانية؛ فبرزت قوميات عدّة في محيط الأتراك، من الروسيّة، إلى السلافيّة، إلى البلغاريّة، إلى اليونانيّة. دفع ذلك باتجاه تبلور وصعود القوميّة التركيّة، وظهرت فكرة إنشاء دولة قوميّة تركيّة، وبالتالي وجوب "تتريك" الأعراق المتعددة الموجودة داخل إطار الدولة العثمانيّة. وفى دراسة قصيرة نشرها موقع "حفريات" الأليكترونى جاء أن الاتجاه نحو "التتريك" فى الإبراطورية العثمانلية تجسّد في حركات منظّمة، منها جمعية "تركيا الفتاة" التي ظهرت بين الطلاب العسكريين أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها تأسست جمعية "الاتحاد والترقي" عام 1906م لتعبّر عن التوجه ذاته، قبل أن تتمكن من اعتلاء الحكم على إثر انقلاب العام 1909م، ليتم بعدها تبني التتريك سياسةً رسميّة من قبل الدولة. أضافت الدراسة القصيرة التى كتبها الباحث خالد بشير وهو كاتب أردني، أنه فى مقابل ظاهرة "التتريك" تصاعد المد الثورى عند العرب، وهو ما تحقق في الحرب العالمية الثانية، حين اختار الشريف الحسين بن علي استغلال ظروف الحرب والانحياز إلى جانب الحلفاء والوقوف إلى جانب بريطانيا في مواجهتها مع الدولة العثمانية، وتلقي الدعم منها. وجَدَ العرب المنخرطون في الثورة أسباباً كثيرة للخطوة التي اتخذوها، في حين اعتبرها الأتراك بمثابة خيانة صريحة لبلادهم، وباتت هذه الفكرة بمثابة صورة مكرسّة عن العرب سرعان ما تتبادر للتركي عند طرح السؤال عن صورة العربي. وفى هذا التاريخ شهدت البلاد العربية نهضة ثقافية وعلمية قادتها مصر فى تجربة محمد على، والشام، وكان هناك قناعة لدى التيارات القومية والوطنية والنخب العربية أن سبب التأخر الحضاري فى بلادهم مرتبط بالدولة العثمانية والحكم التركي. وفى المقابل ومع صعود القومية العلمانيّة التركيّة المتشددة في عهد أتاتورك، ذهب العثمانيون الجدد إلى ربط سبب تأخّر الدولة العثمانية والأتراك إلى التأثر بالتراث الإسلامي الذي أخذه الأتراك ونقلوه عن العرب. وخلال مرحلة حكم أتاتورك (1923 - 1939م) أصبح هذا التيار في موقع الحكم، وشرعوا بإلغاء وحظر المظاهر الإسلاميّة من الفضاء العام، بعد أن ربطوها بالتأخر، من الحجاب والنقاب، إلى العمائم، إلى المدارس الدينية والمحاكم الشرعية والتكايا. وكان مفكرو القوميّة في ذلك متأثرين بالمذاهب الماديّة الغربيّة التي سادت وانتشرت في حينه، وبآراء استشراقيّة عن المسلمين تعتبر الثقافة الدينية علّة التخلف والجهل، والنتيجة المباشرة لهذه الصورة كانت الدفع باتجاه القطيعة مع كلّ ما هو مقترن بالعرب والثقافة العربيّة والإسلاميّة، فجرى استبدال الأبجديّة العربية باللاتينية، وتقرر جعل الأذان باللغة التركيّة. كانت علمانيّة أتاتورك محاولة لإحداث القطع التام مع التراث الإسلامي المشترك مع الشعوب العربيّة والشرقية، مقابل مساعي "التغريب" والاتجاه كلياً نحو الثقافة والفكر الغربي. كل ذلك ساهم في خلق وتعميق الهوّة بين العرب والأتراك وفى مقابل أتاتورك ومذهبه كانت هناك تيارات أخرى، حملت نظرة مغايرة للعرب، وبالتحديد التيارات الأكثر محافظة وتمسكاً بالموروث الإسلامي والهوية التركيّة التاريخيّة التي لا يمكن بحال فصلها عن المكونات العربيّة والإسلاميّة، فخلافاً للفرس، لم يكن للترك حضارات وأمجاد سابقة قبل دخولهم الإسلام، وكان الدين الإسلامي أساس توحيدهم واندفاعهم لتأسيس الدولة وتوسّعها، فمن هذا المنظور فإن الإسلام هو أساس تكوين الهوية والثقافة التركيّة، وبالطبع فإنه مقترن بالضرورة بالعرب والثقافة العربية واللغة العربية، فالعرب هم أهل الرسالة النبويّة، والعربية كانت اللغة الرسمية للمثقفين والعلماء الأتراك وبها وضعوا كتبهم على امتداد قرون. وقد تصاعد هذا التيار والرؤية التي يحملها تدريجياً خلال القرن العشرين، مع بداية ظهور وتأسيس أحزاب ذات خلفية إسلاميّة بدءاً من عقد السبعينيات، كحزب السلامة الوطني، ثم حزب الرفاه. رغم كل الجهود التي بذلت من قبل التيار الأتاتوركيّ في سبيل التغريب، وما اقتضاه ذلك من تصادم وقطع مع الموروث والتاريخ، إلا أنّ العائق جاء من حيث لم يكن متوقعاً، فقد كان الرافض هو الغرب ذاته، الذي أصرّ على استمرار رؤية تركيا باعتبارها الآخر، واستمر في عدم تقبل اعتبارها "دولة أوروبيّة"، وهو ما تبدى وظهر صراحةً مع وقوع أزمات سياسيّة حادّة، وتحديداً أزمة جزيرة قبرص عام 1974م، التي عانت فيها تركيا من مقاطعة وعزلة دوليّة، واختارت فيها الدول الغربيّة الانحياز للجانب القبرصيّ واليونانيّ، الأرثوذكسيّ. وتعزز الشعور بأنّ الغرب لا يريد تركيا عضواً أو شريكاً، وإنما دولة تابعة، يكون دورها محصوراً بأدوار وظيفيّة أمنيّة وعسكريّة. ومن ثم جاءت أحداث حرب البلقان في التسعينيات، وما رافقها من ازدواجية وتجاهل للمجازر بحق المسلمين، لتزيد من الشعور التركيّ بالاستهداف والرفض الغربيّ للمكون والهوية الإسلاميّة على حدودها وفي قلبها. كما تصاعد الشعور بضرورة إحياء الهوية الإسلاميّة لتركيا بسبب الصراعات الداخلية، وخصوصاً الصدام المتصاعد خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات مع الأكراد، ما دفع لتعزيز الشعور بأنّ التمسّك بالقومية كان سبباً في إذكائه، وأنّ العودة للتعريف بهوية البلاد ومواطنيها بالإسلام هو الذي يؤدي إلى إخمادها. ومع رفض الغرب الاعتراف بتركيا كواحدة من بلاده، وضمها للاتحاد الأوروبى ترسخت القناعة شيئاً فشيئاً، وتوّج هذا الشعور بوصول قيادات سياسية جديدة حاولت إيجاد بوصلة وهوية جديدة لتركيا، تعيد إحياء وتوظيف الذاكرة والتاريخ والهوية التركية؛ وهو ما كان بداية مع الرئيس "تورغوت أوزال" (1989-1993م) الذي كان أول من تحدث عن "العثمانيّة الجديدة"، إلى صعود حزب "الرفاه" ذي الخلفيّة الاسلاميّة ومشاركته بالحكم خلال التسعينيات. ومن ثم وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002م. وتزامن ذلك مع التحوّلات على المستوى الدولي، ونهاية الحرب الباردة، وبحث تركيا عن أدوار جديدة لسياستها الخارجيّة. توجهت النخبة السياسية التركيّة الجديدة نحو إعادة تفعيل دور تركيا في العالمَيْن العربي والإسلامي، الذي تعرّض للتجاهل والإهمال منذ عهد أتاتورك، ما أفقد تركيا كثيراً من قدرتها على المناورة والتأثير في الساحات الدوليّة، وانتهى بتركها دولة معزولة كما حصل في أزمة جزيرة قبرص عام 1974م، وفق قناعة هذه النخبة. كل ذلك عنى الدفع بمنظور جديد تجاه العرب، قوامه أنّ الأتراك والعرب تجمعهم "أخوّة الإسلام" وبينهم حضارة وتاريخ مشترك ممتد لقرون، ولا بد للعودة لتفعيل واستئناف هذا التاريخ، فهم شركاء لا أعداء. وانعكس هذا التوجّه على مستويات عديدة، فظهرت توجهات جديدة على مستوى الإعلام بدايةً من عقد التسعينيات، حيث بدأت مجموعة من الصحف التركية بمساندة القضايا العربية وتتعاطف معها، وما رصده الباحث العراقي إبراهيم الداقوقي، في صحف مثل: "زمان"، و"جمهوريت"، و"ميللي غازاته"، في كتابه "صورة العرب لدى الأتراك" (1996: 106-109). ومع دخول الألفية الثالثة استمرت وتصاعدت خطوات التقارب مع العرب، وقد أقنعهم الغرب أن لهم دورا كبيرا فى التغيير القادم فى الشرق الأوسط، وزار الرئيس الأمريكى أوباما، القاهرة، بلد الأزهر، لكنه زار بعدها مبائشرة تركيا ومن أحد مساجدها المشهورة أصدر بيان للعالم الإسلامى، ووقع الأتراك فى الفخ، فاندفعوا يساعدون التيارات الإسلاموية فى المنطقة العربية بشدة وخاصة الإخوان المسلمين، أملا منهم فى أن يضموهم داعمين لإحياء الخلافة العثمانية تحت مسمى الخلافة الإسلامية وفى ذات الوقت، يرضوا الغرب وعلى رأسه أمريكا فيقبل المعسكر الغربى تركيا كنموذج حديث متنور للعالم الإسلامى. والنتيجة والمحصلة الأخيرة للطمع التركى الكبير أن انقلب الغرب على تركيا التر راهن عليها وفشل، وانتفض العالم الإسلامى وعلى رأسه مصر فى إفشال المخطط الاستعمارى العثمانلى ومشروعه السياسى الذى يتلحف بعباءة الدين، ولكن مازال الرئيس التركى وحكومته، وحزبه يناورون ويصارعون لأجل الوصول لمبتغاهم، وعدم الاعتراف بالفشل.
    أضف تعليق

    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2