نادية صبره تكتب: استراتيجية الصيد الثمين

نادية صبره تكتب: استراتيجية الصيد الثميننادية صبره تكتب: استراتيجية الصيد الثمين

*سلايد رئيسى6-1-2020 | 14:26

الواحدة بتوقيت جرينيتش فجر الخميس الماضى..انفجارات تهز مطار بغداد، بعد ساعات تتضح التفاصيل أنها غارة أمريكية بطائرة مسيرة استهدفت (قاسم سليمانى) قائد فيلق القدس الإيرانى وأربعة قادة عسكريين آخرين أبرزهم أبو مهدى المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبى بالعراق فى منطقة الشحن قرب مطار بغداد.. أربع صواريخ حولت سليمانى الرجل الأكثر نفوذا فى الشرق الأوسط وأحد أعمدة النظام الإيرانى إلى أشلاء على بعد 50 كيلو مترا فقط من حائط السفارة الإمريكية التى كتب عليها.. (سليمانى قائدنا) رد أمريكى استثنائى يعبر عن مرحلة جديدة من حرب استنزاف على الأراضى العراقية الولايات المتحدة لا تريد الدخول فى حرب شاملة وكذلك إيران لذا فعملية اغتيال قائد فيلق القدس هى بداية سياسة الاغتيالات واستراتيجية الصيد الثمين التى بدأت فى الصومال وأفغانستان وأغلب الظن أن "السى اى ايه" هى التى قامت بهذه العملية وليس البنتاجون لأنها تحتاج لمعلومات استخباراتية ومتابعة الهدف من دمشق إلى بغداد كما أنها تمتلك طائرات مسيرة من هذا النوع وربما تكون إسرائيل شريكة فى الضربة لأن الأمريكان والإسرائيليين يعملون ضمن منظومة مشتركة وهو ما يفسر قطع نيتنياهو زيارته لليونان وعودته سريعا لإسرائيل فضلاً عن تقديمه التحية للرئيس الأمريكى على هذا الإنجاز... وعلى حسب ما ذكرته صحيفة لوس انجلوس تايمز فإن ترامب اختار بشكل غير متوقع اغتيال سليمانى من بين خيارات عديدة واتخذ القرار من منتجعه فى فلوريدا وبذلك يكون قد قلب الطاولة على الإيرانيين وقام بتصفية الرجل الثانى، الذى ينفذ المشروع الإيرانى حتى دون اطلاع قيادات الكونجرس على العملية وحدث تحول كلى وتطور جديد، فسليمانى ليس شخصية هينة ومقتله هو أهم من مقتل البغدادى وابن لادن بالرغم من أن 90% من الأمريكيين لا يعرفونه باستثناء الجنرالات والسياسيين والإعلاميين ... ولكن لأن ترامب ليس رجل سياسة تقليدى ويحب الأعمال المفاجئة ذات الطبيعة الراديكالية اختار ضربة موجعة ومؤلمة لأنه يدرك مدى أهمية سليمانى لمشاريع إيران واتخذ ما لم يستطع أوباما اتخاذه برغم أن سليمانى كان عدة مرات فى متناول القدرة الأمريكية ولم يتم اغتياله لأن هناك اتفاقا غير مبرم بعدم استهداف القيادات العليا فى إيران، وهو ما كان يعتمد عليه سليمانى بشكل كبير لدرجة أنه لم يكن مهتما فى الفترة الأخيرة باخفاء مسار تحركاته، حتى إنه فى إحدى المرات وقفت طائرته بجوار طائرة أحد القادة الأمريكيين فى مطار بغداد... وكما صرح وزير الدفاع الأمريكى (مارك إسبر) فإن اللعبة تغيرت ولكن ما الذى أدى إلى تغيير قواعد اللعبة وتحولها إلى مواجهة مكشوفة؟ هناك أكثر من حالة أوصلت الأمور لهذة الدرجة فالولايات المتحدة كانت قد بدأت خطة طويلة المدى بالعقوبات والحصار والتضييق لإضعاف أذرع إيران ولكن حركة الضغط القصوى هذه حطت أوزارها وتبدلت إلى تطور جديد لأن إيران اتخذت أكثر من خطوة لوضع أمريكا فى زواية لتخفف العقوبات الاقتصادية وتمادت واعتمدت على أن الولايات المتحدة لن ترد وترامب يواجه معارضه فى الكونجرس لسياساته ولذلك قامت بسلسلة طويلة من الاستفزازات منذ الهجوم على ناقلات النفط فى الخليج وضرب منشآت ارامكو السعودية إلخ... إلا أن الأحداث تطورت بشكل سريع فكان الهجوم على قاعدة أمريكية فى كركوك ومقتل مقاول أمريكى، فترد أمريكا بقصف قواعد لحزب الله العراقى فى منطقة القائم أسفرت عن مقتل 25 عنصرًا من الحزب فترد إيران بمحاولة اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد ليكون الرد الأمريكى هو اغتيال قاسم سليمانى كل هذه الأحداث فى سبعة أيام فقط ! وعلى حسب بيان البيت الأبيض فإن سليمانى كان يخطط بنشاط لمهاجمة دبلوماسيين أمريكيين وأن مقتله جاء كإجراء دفاعى لحماية الأمريكيين فى العراق. وبالرغم من محاولة المسئولين الإيرانيين التماسك وإطلاق التهديد والوعيد والتصريحات المتشنجه، فإن من شاهد البكاء الهستيرى للمتحدث باسم الحرس الثورى وهو يعلن الخبر ومن نظر إلى وجه المرشد الأعلى (على خامنئى) وهو يعزى زوجة سليمانى وابنته يلاحظ كم كانت الضربة الأمريكية مفاجئة وصادمة وخسارة الإيرانيين فادحهة، فخامنئى بدأ وكأنه فقد العصا الغليظة التى يتكأ عليها ولم لا؟ فسليمانى كان المندوب السامى فى لبنان وسوريا واليمن والعراق وقام بتعزيز علاقات حزب الله والأسد بجماعات شيعية فى العراق، كما قام بتصفية من يعارضون المشروع الإيرانى وبتدريب وتمويل المؤيدين واضطلع بدور محورى فى رسم سياسات إيران فى المنطقة ولم يكن يتبع القيادة الأعلى منه بل يأخذ أوامره مباشرة من المرشد وفى الفترة الأخيرة تم تعنيفه من مكتب المرشد بسبب الاحتجاجات فى العراق. سليمانى الذى أصبح العالم أكثر أماناً بعد مقتله كما قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكى، كان قد تحالف مع الأمريكان فى أفغانستان وكان يدخل المنطقة الخضراء بموافقة أوباما، وكذلك كل عملياته فى حماه وحلب وبوكمال السورية كانت تحظى بتأييد أمريكى وكان التحالف الدولى يغطى سليمانى وميليشياته... ولم يتأخر المرشد فى تعيين قائد جديد لفيلق القدس بعد حادثة الاغتيال بساعات عين (أسماعيل قاآنى) نائب سليمانى وأقرب المقربين منه حتى لا يحدث إرباك ولتنظيم العمليات فى الفترة القادمة وخاصة فى ملف العراق مع استمرار الانتفاضة الشعبية وكذلك لبنان وهى بالنسبة لإيران محل لا يضاهيه أى مكان آخر وبعض مناطقه حولها سليمانى إلى معسكرات تدريب ومدارس لتخريج الإرهابيين ... ولكن لا أحد يستطيع أن يملأ فراغ سليمانى فهو لم يترك فراغا بل فراغات داخل النظام الإيرانى فقد كان لديه تفاصيل كثيرة ليس فقط للمواليين فى العراق ولكن للخصوم أيضاً ويصعب على أى قائد أن يعمل من جديد. والجدير بالذكر أن سليمانى الذى تم تصفيته فى لحظة غير متوقعة قد خاطب ترامب يوماً وقال له: اتخذ الحيطة والحذر لأننى أنا شخصياً الذى سأتولى الرد عليك وأن إيران هى من تحدد انتهاء الحرب وأضاف أن إيران والقوات المسلحة لا تحتاج لمواجهتك فأنا والحرس الثورى خصمك. وبالطبع فأن العملية كسرت هيبة إيران فى المنطقة لأنها استهداف مباشر لأحد ركائزها العسكرية والسياسية وستؤثر على قوة القرار الإيرانى فى الملف النووى لأن النظام الإيرانى بات يواجه حالة من الاضطراب السياسى بدأت بفقد سليمانى... والسؤال الآن عن رد الفعل الإيرانى فهو آتى لا محالة والخيارات واسعة وكل المصالح الأمريكية ضمن دائرة الاستهداف كما صرح بذلك رئيس الجيش الإيرانى ولكنى أعتقد أن الرد الإيرانى قد يتأخر بعض الشىء ليربك الولايات المتحدة التى فى حالة انتظار وترقب وبالطبع لن تذهب الأمور بمواجهة مفتوحة ولكنها تزيد من حالة التأهب وعدم الاستقرار فى المنطقة ولو كان الرد الإيرانى موجعاً للأمريكيين فإن رد فعل ترامب لن يقل عن مستوى اغتيال سليمانى بأى حال من الأحوال وقد هدد فى تغريدة له اليوم بقصف 52 هدفاً إيرانياً غاية فى الأهمية... وقد اعتادت إيران من طهران إلى بيروت ومن اليمن إلى سوريا ألا تقوم بعمليات مباشرة تدينها بل عبر وكلائها وأذرعتها ولكن هل ستتخلى عن سياسة الحرب بالوكالة بعد الاغتيال الأمريكى الواضح لشخصية عسكرية وأمنية كبيرة؟ ومن أين سيأتى الرد الإيرانى من لبنان أم سوريا أم إسرائيل أم أمريكا اللاتينية أم عبر أراضى العراق وهو أضعف حلقة الآن حيث لا يوجد لديه قيادة تنأى به لكى لا يكون حلبة لصراع سياسى؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام خلال الفترة القادمة.
    أضف تعليق