حلقات يكتبها: عاطف عبد الغنى
لماذا يتآمر الغرب علينا؟!
لا توصف أعمال الأجنبى “غير الوطنى” العدائية بالخيانة؟! فالخيانة لا تكون إلا من الوطنى أو الذى تظن أنه صديق أو موالى لك، فلا تتوقع طعنته.. أما إذا جاءت الطعنة من غير صديق أو جهة غير معاهدة، فهى حرب ضدك، صادرة عن مخطط أو ومؤامرة
ومن الممكن أن نجيب على السؤال الذى طرحناه أولا بالقول: "يتآمر الغرب عشان كيت وكيت"، لكن كيف نوثق قولنا هذا؟ حتى لا نكون مبالغين فى استخدام نظرية المؤامرة؟! .. الإجابة أن نقدم الوثائق التى بحوزتنا لتأكيد الاتهام بالمؤامرة، ومن الوثائق مثلا هذا الخطاب السرى، الذى تم تسريبه فى "كابلات ويكيليكس" وهو صادر عن السفارة الأمريكية فى القاهرة وبياناته كالتالى.
تاريخ الصدور: (Date: 2006-03-06 12:41).
الرقم الكودى: (Ref ID: 06CAIRO1351).
عنوانه المصدر به من السفارة:
(US embassy cables: Mubarak: Egypt’s president-for-life )
فيما أعطته "كابلات ويكليكس" عنوانا آخر هو:
(US Embassy Cables: US planning for Mubarak succession sinc 2006)
وترجمته أن الولايات المتحدة تخطط لخلافة مبارك منذ عام 2006
والخطاب يحمل توقيع الاسم الثانى للسفير الأمريكى فى القاهرة: "ريتشاردونى".
[caption id="attachment_407923" align="alignnone" width="383"]
ريتشاردونى[/caption]
اسمه فرانسيس ريتشاردونى (Francis J. Ricciardone) هذا السفير "اللذيذ" الذى تعامل البعض معه كما لو كان من مريدى السيد البدوى، أو دراويش سيدنا الحسن، بينما فى الحقيقة كان الأخير يطبق ما يطلق عليه "الدبلوماسية الشعبية" ليجذب المجتمع المصرى، خاصة فئات الإسلام المعتدل "الصوفية" حوله، لذلك كان يرتاد الموالد، ويختلط بأهل الذكر، ويأكل الفتة ويصرح بأنه يعشق الملوخية.
أما موضوع الخطاب الصادر عن ريتشاردونى لإدارة الخارجية الأمريكية فى عاصمة بلاده واشنطن فهو عبارة عن تقدير موقف، يحمل رؤية السفير لخطوات تطور "التغيير الديمقراطي لمصر" المنشود من الحكومة الأمريكية، انطلاقا من الوضع الراهن للحكم، والحراك الذى كان قد بدأ بالفعل من خلال دعم قنوات الدبلوماسية الموازية لناشطى التغيير، وكارهى نظام الرئيس مبارك فى مصر.
[caption id="attachment_407924" align="alignnone" width="509"]
صورة خطاب السفير الأمريكى بالقاهرة فرانسيس ريتشاردونى لحكومة بلاده[/caption]
.. بدأ السفير خطابه "وثيقة رسمية" بمقدمة وملخص، جاء فيهما:
التركيز على أن الرئيس مبارك الذى يبلغ من العمر 77 عاما، لا محال سوف يشهد عهده خلال مدته الرئاسية (الست سنوات القادمة من تاريخ الخطاب) انتقالا للسلطة، ويجب أن تكون أهداف الولايات المتحدة الأمريكية (المتفق عليها حسب مخطط) أن يسمح من يخلفه بالانتقال لنظام الحكم النيابى، (بمعنى تغيير النظام الرئاسى الموجود فى مصر إلى حكم برلمانى).
وتؤكد مقدمة وملخص الخطاب ملحوظة مهمة من وجهة نظر السفير ألا وهى أن "جماعة الإخوان المسلمين تزداد ثقة فى نفسها"، وكما وردت بلغة الخطاب:
the Muslim Brotherhood’s confidence is growing ".
ويأتى الجزء الثانى من الخطاب، بعد المقدمة والملخص يحمل عدة نصائح يقدم فيها السفير، عدة خطوات ويطلب تنفيذها، ومنها أنه يطالب حكومته بالتّدخل والضغط لأجل الدفع بتنفيذ برنامج الإصلاح (تحاول أمريكا فرضه على مصر بينما يسخر منه مبارك)، ويركز هذا البرنامج على إصلاح (من وجهة النظر الأمريكية) لمنظومة الإعلام، ومكافحة الفساد، والبدء- على الأقل- في زرع بذور التحول داخل الجيش (يقصدون تغيير عقيدة الجيش العسكرية، وإبعاده عن المشاركة فى أى شىء يخص السياسة، حتى لا يتم الاستعانة به فى أوقات الأزمات، وتمضى الأمور كما هو مخطط لها فى الخارج).
ويطلب أيضا ريتشاردونى من حكومته الاستمرار في مساعدة الأحزاب السياسية القانونية من خلال IRI و NDI ، (المعهدين الجمهورى والديموقراطى الأمريكيين وكان قد بدأ عملهما فى مصر بشكل غير رسمى لتدريب النشطاء، وتجهيز جيل جديد يساعد فى تنفيذ الخطوات الدافعة لمخطط الفوضى كما هندستها المراكز البحثية فى واشنطن وعواصم أوروبية أخرى).
يطالب أيضا السفير فى خطابه: مع التركيز على الحزب الوطني الحاكم كما يطالب بخطوات ثلاثة مهمة هى كما وردت فى خطابه:
- مواصلة دعم حكومة الولايات المتحدة من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة للمجتمع المدني المصري، بما في ذلك الدعوة إلى الإصلاحات الهيكلية من خلال التشريعات الرئيسية والمساعدة التقنية.
- ضمان النجاح السياسي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ومراجعة برنامج المساعدة العسكرية لدينا مع التركيز على IMET.
وفى الترجمة النصية لبعض فقرات الرسالة يقول السفير "على الأرجح لن يكون من الممكن إحراز تقدم ديمقراطي كبير ما دام الرئيس مبارك باقي في منصبه. ومع هذا فإن حكمه القاسي يوفر مساحة ويعطي وقتا لإعداد المجتمع المدني وبعض مؤسسات الحكومية المصرية لحين رحيله.
ويضيف السفير: "ليس لدينا حل ناجع لكل شيء، ولكن يمكننا الضغط من أجل التغييرات التي ستؤدي حتما، إلى الموت عن طريق ألف جرح صغير لنظام مصر السلطوي.
[caption id="attachment_407928" align="alignnone" width="269"]
ريتشاردونى[/caption]
ونصح ريتشاردوني باستهداف سيدة مصر الأولى في وقتها سوزان مبارك بالضغوط لزيادة الضغوط بدورها على مبارك، وينصح بأن تتم دعوتها لزيارة البيت الأبيض، لإحداث تغييرات وذلك ضمن استراتيجية للضغط على الدائرة المقربة من مبارك والمتمثلة فى رئيس الديوان الرئاسي زكريا عزمي ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان ونجل مبارك جمال.
ونلمح فى البرقية أحد ميكانزمات التغيير من خلال خداع الشعب المصرى، التى ينصح باستخدامها السفير الأمريكى، حيث يتم ذلك عن طريق أصدقاء أمريكا وحلفائها في مصر من أجل الترويج لعدة أفكار أمريكية حتى يتم قبول هذه الأفكار وكأنها “أفكار مصرية”، حيث قال ريتشاردوني إن ذلك يمكن أن يحدث عن طريق اللقاءات والحديث مع الجماهير “وطرق إرسال الرسائل بغير مباشر” حتى يتم تبني تلك الأفكار بمساعدة المجتمع المدني وخصوصا فيما يتعلق بالانتخابات وكأنها أفكار مصرية، وكان ما سبق جزءا من البرامج التى مولها المانحون لمن عرفوا بنشطاء المجتمع المدنى.
ووصف ريتشاردوني دور المجتمع المدني في مصر في البرقية التي حصلت وكالة أنباء أمريكا بأن أرابيك على نسخة منها فقال: "النخبة من المجتمع المدني سوف يستمرون في الانخراط في مناقشات التغيير لكن بدون تأثير أو قدرة على القيام بتغيير منظم ومحسوس قبل أن يرحل مبارك".
كما امتدح ريتشاردوني عمل مركز ابن خلدون الذي يرأسه الناشط المصري- الأمريكي الدكتور سعد الدين إبراهيم وآخرون في البرقية.
وقال ريتشاردوني إن أمريكا ستقدم "دعما فنيا" للأحزاب السياسية المصرح بها عن طريق المعهد الديمقراطي الدولي والمعهد الجمهوري الدولي الممولين من الحكومة الأمريكية وغير المصرح بعملهما في مصر.
وتوقع ريتشاردوني زيادة شعبية الإخوان المسلمين لأنهم يقدمون خدمات اجتماعية لا تقدمها الحكومة المصرية نفسها، بحسب البرقية الدبلوماسية.
وطالب السفير الأمريكي ريتشاردوني بمراجعة المساعدات العسكرية لمصر لتشمل أسلوب تغيري أكبر.
ويذكر أن كلمة الإصلاح تستخدم سياسيا في أمريكا بمعنى التغيير.
وتظهر البرقية عدم قدرة الدبلوماسي الأمريكي المخضرم رغم هذا على توقع الثورة المصرية، فقال: "لن تكون هناك ثورة برتقالية على ضفاف النيل طالما كان مبارك موجودا، ولكن علينا أن ندعم كل تقدم ديمقراطي ولو متواضع".
والملاحظة المهمة هى أن السفير ركّز فى خطابه على هذه العبارة التى كتبت ببنط أسود (أثقل) وجاء فيها:
Continue USG support through USAID and MEPI to Egyptian civil society, including advocacy for structural reforms through key legislation and technical assistance.
ويجب أن تتوقف مثلى لتبحث عن معنى للحروف الثلاثة " USG" وقد طلب السفير دعمها فى مصر من خلال أكبر الداعمين والمانحين وهما "يو أس أيد" هيئة المعونة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية و MEPI الشراكة التى تم إنشاؤها خصيصا لتدعم الانقلاب، أو التحول الديموقراطى كما يحلو لأمريكا والغرب أن يجملوه، ونعود ونسأل ماذا تختصر هذه الحروف الثلاثة USG؟ ونقول هى اختصار لمسمى ومعناه مجموعة الولايات المتحدة فى مصر .. النشطاء والعملاء.
......................................................
* هو الآن يشغل منصب رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة.