كتب: عاطف عبد الغنى
شكلت الجماعات السلفية مجلس شورى مجاهدي درنة الواقعة شمال شرق ليبيا، وضواحيها، من قبل عضو الجماعة الليبية المقاتلة سالم دربي، مؤسس كتائب شهداء أبو سليم، وذلك في 12 ديسمبر 2014 وتكون التحالف من ميليشيا أنصار الشريعة في درنة والمصنفة على لائحة الإرهاب من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ 20 نوفمبر 2014، وميليشيا جيش الإسلام، وميليشيا شهداء بوسليم التي ينتمي أغلب أفرادها لجماعة ليبيا المقاتلة وتنظيم القاعدة.
وأعلن هذا التحالف أنه يريد تطبيق الشريعة الإسلامية في درنة، ليبيا، إضافةً إلى السعي لتنفيذ أعراف اجتماعية صارمة في المدينة الساحلية،
و يناصب مجلس شورى مجاهدي درنة العداء المطلق للفريق خليفة حفتر، و كذا ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ليبيا، حيث دخل مع فرع التنظيم في درنة في نزاع على السلطة والموارد بالمدينة، منذ يونيو 2015، حين قتل مسلحو "داعش" أحد قيادي مجلس شورى مجاهدي درنة المدعو "ناصر العكر"، بعد ذلك أعلنت الجماعة "الجهاد" ضد داعش، وقتل قائد المجلس سالم دربي في وقتٍ لاحق أثناء الاقتتال مع "داعش" لكن تمكن مجلس شورى مجاهدي درنة من السيطرة على المدينة وأخذها من تنظيم داعش، وهو الآن فى معركة ممتدة ضد الجيش الليبي من خلال قوات عملية الكرامة "عمر المختار" التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ ما يزيد على 3 أشهر، وتحاصر قوات حفتر درنة من جميع المحاور، وتحاول فى ذات الوقت جاهدة الوصول إلى حل مع أعيان المدينة، لإجبار المسلحين على تسليم أسلحتهم تجنبا لمزيد من القتال.
وكانت قوات حفتر قبل بدء عملياتها في درنة عبر غرفة عمليات "عمر المختار" التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي قد وجهت، نداءً لجميع سكان المدينة وخاصة الموجودين في تخومها والمجاورين لجماعات "مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها وأنصار الشريعة"، وطالبتهم بإخراج هذه الجماعات من محيطهم السكني أو ترك المكان بما فيه ليكون هدفًا للقوات المسلحة الليبية.
درنةالمسكينة
وكانت مدينة درنة الليبية قد شهدت منذ اندلاع ثورة فبراير، عشرات من جرائم الاغتيال التى طالت عناصر الأجهزة الأمنية والقضائية، ومن كان له تعاون أمنى مع نظام القذافى، والمسؤول عن ذلك‘ هى المجموعات الجهادية التى عملت بشكل عشوائي، والتى استهدفت أيضاً المقرات الأمنية وعطلت أي مشروع يهدف إلي إرساء الأمن بالمدينة، وقد شكلت هذه البيئة التى اختصت بها مدينة درنة ملاذا لأغلب عناصر تلك الجماعات الجهادية ومنها من جاء من خارج البلاد، ورغم أنها تختلف في الرؤى والمعتقد عن بعضها البعض، إلا أن تلك المرحلة التى مرت بها درنة جعلت منها ملاذا آمنا لكل الجماعات التى توصف بالغلو والتطرف والإرهاب.
وأول إعلان عن كيان جهادي في درنة هو لمجموعة “طلائع الخلافة” وذلك في عام 2012 والتى أعلنت في بيان تأسيسها عن مسؤوليتها عن عدة عمليات اغتيال في مدينة درنة، وأوكلت لجناح عسكرى أخر يعرف بكتيبة الموت، مهام القتل والاغتيال خارج المدينة.
واستمرت عمليات الاغتيال مع الفراغ الأمني، حيث حاولت هذه الجماعات إرساء أول مشروع يبسط سيطرته على المدينة، فانطوت تحت مسمى “مجلس شورى شباب الاسلام” والذي شاركت فيه أغلب القوى الجهادية بمدينة درنة باستثناء كتيبة شهداء أبوسليم.
وعقب الإعلان عن تأسيس “مجلس شورى شباب الاسلام” شهدت المدينة استقرار أمنى ملحوظا، ومارس مجلس شباب الإسلام سلطته داخل المدينة عبر لجنة فض النزاعات والصلح بين الناس، وأقام عبر لجنته الشرعية عقوبات على المجرمين بحسب أحكام وحدود الشريعة الإسلامية.
داعش ومجلس شورى مجاهدي درنة
ظل هذا الوضع المنفلت قائما حتى نوفمبر 2014 حين أعلن أبوبكر البغدادى زعيم ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" عن قبوله البيعة ممن أسماهم بالمجاهدين في ليبيا وتكليف ولاة فحل بتنكيس راية مجلس شورى شباب الاسلام، ورفعت راية تنظيم الدولة عوضا عنه، وبايعت أغلب المجموعات الجهادية تنظيم الدولة، عدا جماعة أنصار الشريعة التى حافظت على استقلاليتها، بينما أعلنت كتيبة شهداء أبوسليم وكتيبة صلاح الدين ومجموعة من الثوار تأسيس ” مجلس شورى مجاهدى درنة ”
صلاحيات
ومارست عناصر "داعش" نشاطها عبر تأسيسها لمجموعة من الدواوين، وهي لجان إدارية وتنفيذية، تدير بشكل مباشر شؤون السكان وعمل القطاعات الحكومية، فأسس التنظيم ديوان الحسبة والتعليم والقضاء والخدمات والأوقاف، وغيرها من الدواوين الخدمية والأمنية، وفى ذات الوقت صادر التنظيم ممتلكات عدد من المواطنين ممن يشغلون مناصب أمنية أو قضائية فى الدولة وهم خارج المدينة، كما نفذ التنظيم عقوبات المحكمة الإسلامية التابعة له، وشهدت ساحة مسجد العتيق وسط المدينة تنفيذ أحكاما مختلفة، فقد أقدم التنظيم على قطع أيادى السارقين وقتل عناصر الأمن الموالين للواء المتقاعد خليفة حفتر، فضلا عن عمليات الجلد والتعزير.
وفتح "داعش" ما أطلق عليه "باب الاستتابة" أي التوبة عن العمل في مؤسسات الدولة، خاصة الأمنية والعسكرية والقضائي، وسجلت المحكمة الإسلامية توافد العشرات من داخل مدينة درنة وخارجها لإعلان التوبة من العمل فى المؤسسات الأمنية والقضائية وبعض القطاعات الحكومية، وقام التنظيم بإرجاع ممتلكات "التائبين" وأعلن عبر بيانات رسمية بتنفيذ أقصى العقوبات على من يعتدى على أحد منهم.
العمل العسكرى
وبدأ الجناح العسكرى لـ "داعش" فى شن عمليات عدة استهدفت قوات عملية الكرامة فى محيط مدينة درنة، حيث تمكن التنظيم من قتل عدد من عناصر الكرامة في منطقة عين مارة غرب درنة، وقتل العشرات من سكان منطقة القبة في عملية انتحارية، وذلك ردا على مقتل من وصفوهم برعايا التنظيم في درنة بعد غارات جوية شنتها مقاتلات مصرية في فبراير 2015، عقب تنفيذ التنظيم لعمليات قتل 21 من الأقباط المصريين بعد اختطافهم وذبحهم بصورة بشعة.
التنظيم داخليا
وعلى الصعيد الداخلى كان التوتر قائما ما بين تنظيم الدولة "داعش" ومجلس شورى مجاهدى درنة وضواحيها. فعناصرعدة انضموا لتنظيم الدولة، وقد تورطوا في وقت سابق في قتل قياديين من كتيبة شهداء أبوسليم الكيان الأبرز بمجلس الشورى، من بينهم القيادى محمد أبوبلال والقياديان حسن الصايغ وماهر المسمارى، فقامت "داعش" بتعزيز صفوفها بقياديين من خارج ليبيا، كان من أبرزهم أبونبيل الأنبارى والذى قتل في غارة جوية أمريكية بمنطقة الفتائح ، فضلا عن كوادر عسكرية وأمنية، وجاء ذلك مع وصول المئات من الموالين لمشروع التنظيم من بلدان عدة.
بداية النهاية
ومع استمرار تنظيم الدولة في بسط سيطرته على درنة، وسحب الصلاحيات من مختلف الجهات بالمدينة، وقع الصدام الأول مع مجلس الشورى وذلك بعد محاولة التنظيم منع أحد الخطباء الموالين للمجلس من اعتلاء المنبر، ومع تكرار التصادمات أعلن مجلس شورى مجاهدى درنة بيانا جاء بعنوان ” التحذير الأخير لغلاة التكفير” والذي كان بمثابة الإعلان عن الحرب على تنظيم الدولة في حالة قيامه بالاعتداء على المواطنين بدرنة.
وعندما قامت عناصر من تنظيم الدولة باغتيال القيادى الأول بمجلس شورى مجاهدى درنة عبدالناصر بورواق الشهير بالعكر، أطلق مجلس الشورى في يونيو 2015 عملية عسكرية كانت معدة مسبقا سيطر من خلالها على مدينة درنة في 4 أيام بمساندة أهالى المدينة، وانسحب تنظيم الدولة لمنطقة الفتائح، وترك مواقعه ونقاط التماس مع قوات حفتر وجمع كل قواته بتلك المنطقة، وشن التنظيم عدة عمليات عسكرية لإعادة السيطرة على درنة، إلا أنه لم ينجح في ذلك.
وبعد معارك استمرت قرابة 10 أشهر فر التنظيم إلي مدينة سرت عبر الصحراء بعد فتح ثغرة فى صفوف المجلس عقب قيام عملية الكرامة بمحاصرة المجلس من المحور الجنوب الشرقى، وقطع التنظيم مسافة 800 كم حتى وصل إلى سرت.