عاطف عبد الغنى يكتب: العهد! (1)

عاطف عبد الغنى يكتب: العهد! (1)عاطف عبد الغنى يكتب: العهد! (1)

*سلايد رئيسى14-2-2020 | 15:08

ألقيت عليها تحية الصباح وأنا أمر إلى جوارها بحذر شديد، على سلم العمارة الذى انكبت تغسله بالماء والصابون، مرة كل أسبوع مقابل مبلغ معلوم تتحصله من أصحاب الشقق، لا يتجاوز فى مجموعه مائتى وخمسين جنيها، ردت التحية مفعمة بمسك طيبة أمهات الريف، ومشفوعة بأدعية التيمن، والبشارة، وجلب الرزق، وسألتنى هل وجدت لزوجها أبو على شيئا؟ وتقصد بالشىء عملاً يتكسب منه، عوضا عن الذى فقده، ومنذ جاء هذا الرجل الأربعينى، نازحا من قريته فى الفيوم، قبل عامين تقريبا، هربا من الفقر، وهو يعمل خفيرا فى شركة قريبة، ووفر له أصحاب إحدى العمارات تحت الإنشاء فى المنطقة سكنا مقابل خفارة العمارة، غرفة وحمام تأويه وأسرته المكونة من زوجة وابنة صغيرة فى المرحلة الابتدائية، وطفل تجاوز عامه الثالث ويعانى من صعوبة فى النطق، وله ابنة رابعة فى المرحلة الإعدادية تعيش عند أقارب لهم فى الفيوم. بعد أن تجاوزتها تذكرت سريعا ما سبق فتوقفت ومنحت المرأة مبلغا صغيرا من المال، وقدمت المشيئة جوابا على سؤالها عن توفير عمل لزوجها، وبقيت مشغولا نهار اليوم كله، أعصر تفكيرى لعلى أتوصل لحل لهذه المعضلة، فرصة عمل لأبو على الذى لا دخل له الآن، إلا الجنيهات القليلة التى توفرها زوجته من مسح سلالم عمارات المنطقة أو ما شابه ذلك.

 (1)

ما سبق ليس جزءا من قصة أو رواية أدبية، ولكنها مشكلة حقيقية منسوخة، ومكررة، بالآلاف، ألقاها على مسامعى صديق، يطلب مساعدتى فى إيجاد فرصة عمل لهذا الرجل، الذى انتقل من الريف إلى المدينة لا يجيد إلا مهارة الفلاحة التى لا تحتاجها المدينة، وهو أمى، لا يقرأ ولا يكتب، وليس هناك من فرص للعمل أمامه إلا تلك التى تحتاج للقوة الجسمانية، وحتى هذه تضيق فيها الفرص بحكم عمره، وضعف صحته العامة، ونجح صديقى – سامحه الله – أن يحمّلنى هم مشكلة الرجل، وعلى أثر ذلك صارت تتداعى الخواطر على ذهنى حتى كتابة هذا الكلام الذى تقرأه.

 (2)

هى مشكلة اجتماعية شديدة الوعورة، تهرول الدولة بكافة مؤسساتها لتعالج مظاهرها، وجذورها، وهى أصعب، فى ظل فقر ثقافة فئة وشريحة من المجتمع عدد أفرادها بالملايين موزعة، بحرى وقبلى، ومن الشمال إلى الجنوب، فى الريف، وعشوائيات الحضر، قوامها أسر (جمع أسرة) تتوارث الفقر المادى، ومعه فقر ثقافة التخطيط الجيد للحياة، فصارت تعيش لا هم لها إلا سد جوع البطون، ومداراة مصائب الدهر، وما فاض عن مصاريف الطعام ينفقه غالب الرجال فى هذه البيئات على المخدرات، للاستعانة بها على مرارة الواقع وجلب لذة متوهمة مقابل افتراس عقولهم وأجسادهم، وتندهش أن نوائب الدهر لا تصيب إلا هؤلاء الذين نسميهم «غلابة»..

(3)

 مكافحة الفقر والعوز ليس شأنا مصريا فقط، ولكنه قضية العالم كله، وقد أصدرت الأمم المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمن، العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يتضمن فى مادته التاسعة أنه « يتعين على الدول ضمان الحماية لكل شخص، لا سيما أشد الفئات ضعفًا فى المجتمع ، فى حالات البطالة والأمومة والحوادث والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من ظروف الحياة المشابهة، وذلك عن طريق توفير الرعاية أو المساعدة الاجتماعية» ومع تنفيذ الدولة لخطة الإصلاح الاقتصادى شرعت تمد شبكة الحماية الاجتماعية بكل قوة وإصرار ومتابعة من القيادة السياسية، وتشير الأرقام (حسب إحصائية صادرة فى 15/1/2020) إلى أن وزارة التضامن، توفر المعاشات لعدد من المستحقين يبلغ 10.261.941، وتمنح معاش تكافل لعدد 1.670.713 ومعاش كرامة لعدد 843.481 مستفيد، وعدد المؤمن عليهم إجمالا 16.983.179. هذا غير المبادرات التى تطلقها لتوفير الخدمات الأساسية للأسر الفقيرة والمحرومة من مياه الشرب النقية، والصرف الصحي، وترميم أسقف المنازل لأسر تكفل لها حقها فى العيش فى سكن كريم، وجمعها للأطفال وكبار السن المشردين بلا مأوى من الشوارع، وتسكينهم فى دور للرعاية الاجتماعية التى تدعمها، وتعمل على تطويرها. هذا جزء من نشاط وزارة واحدة هى وزارة التضامن وهناك وزارات أخرى تعمل فى نفس الاتجاه، بقوة، وتنتج نشاطات أخرى، وهناك أيضا فئات أخرى تحتاج دعم الدولة التى أخذت على نفسها «عهد» بعدم التخلى عنهم.. وللكلام بقية.
أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2