السفير محمد حجازى* يكتب لـ «دار المعارف» : مسارات ما بعد اتفاق واشنطن
السفير محمد حجازى* يكتب لـ «دار المعارف» : مسارات ما بعد اتفاق واشنطن
جاء البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية أمس فى ختام أعمال الاجتماع الثلاثى المصرى السودانى الأثيوبى بشأن سد النهضة ليؤكد المسار الإيجابي الذى ظهرت عناصره وملامحه الواضحة فى الإتفاق بعد جولة مفاوضات وأشنطن فى 28 – 31 يناير الماضى والتى استغرقت 4 أيام بحضور وزير الخزانة الخارجية الأميريكي بتمثيل من البنك الدولى والخبراء من الجانبين لمشاركة الدول الثلاث فى الوصول إلى اتفاق كانت أهم عناصره واضحة وهى الملء التدريجى للسد والتوصل إلى آلية لإدارة مسألة ملء السد فى سنوات الجفاف، والجفاف الممتد، وسنوات شحيحة المياه وآلية التشغيل أيضا فى سنوات الجفاف بالإضافة إلى ما اتفق عليه فى يناير الماضى بشأن بحث آليات فض المنازعات وآلية إدارة السد بشكل مشترك فى حالة التشغيل الهيدرولجي الطبيعى.
وكانت المفاوضات بين الخبراء القانونيين والفنيين خلال الفترة مابين اجتماع نهاية يناير ومنتصف فبراير هامة لتسوية تلك النقاط العالقة.
وما أسفرت عنه جولة مفاوضات واشنطن الحالية تمهد الطريق للتوقيع على اتفاق نهائي تم تكليف أو تفويض وزارة الخزانة الأمريكية وخبرائها والبنك الدولى وخبرائه لصياغتها للتشاور بشأنها مع الوزراء المعنيين، الخارجية والموارد المائية للبلدان الثلاث خلال الأسابيع أو الأيام القليلة القادمة بحيث تم التوقيع على اتفاقية قانونية وفنية وسياسية جامعة فى نهاية الشهر الحالى بحضور رؤساء الدول، وأعتقد ان الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الأثيوبى ورئيس جمهورية السودان سيشاركون فيها.
وهذا المشهد الذى سيحضره الرئيس الأمريكى ووزير الخزانة والقيادة التى ساهمت بدور هام جدا فى التواصل من الولايات المتحدة وفى التوصل لهذا الاتفاق التاريخي الذى يؤسس لمرحلة جديدة يتحول فيها النهر إلى أداة من أدوات التعاون وليس أداة من أدوات الخلاف والصراع وتتحول فيها المياه لأحد جوانب التعاون وليس قضية التعاون الوحيدة بين البلدان الثلاث وينتقل الأمن المائي الوطنى الضيق لكل دولة إلى الأمن المائي الجماعى الإقليمي الذي سيمهد لتحقيق الأمن والاستقرار فى شرق القارة وفى القرن الأفريقي وسيقود لعلاقات تعاون مستقبلية مشتركة أو سلطة لإدارة حوض النيل الأزرق وبالتالى يمكن من خلال هذه السلطة والتى ستشرف أيضا على صندوق نأمله للتنمية فى المنطقة على إدارة مجموعة من المشروعات كنت اتحدث عنها دائما و اسمها ممر التنمية شرقى نسبة للنيل الشرقى أو النيل الازرق هذا الممر التنموى الذى يجمع البلدان الثلاث من خلال الربط الكهربائى الذى تستفيد به البلدان الثلاث من خلال الربط بين سد النهضة والسد العالى، وتخرج لمصر ولأسواق السودان، طاقة نظيفة يمكن الاستفادة منها أو حتى تصديرها أو ربطها بالشبكة الكهربائية المصرية الخليجية، أو بالشبكة الأوروبية الموحدة، وبالتالى تعود المنافع على البلدان الثلاثة وتوفر مصر طاقة نظيفة تعود على الجميع بالخير وتضمن علاقات من الاعتماد المتبادل فى مجال التنمية مع ربط برى وسككى يخرج بأثيوبيا كدولة حديثة إلى المتوسط كدولة حديثة بالإضافة إلى ما نأمله بعد الاتفاق بإذن الله ، وهو الدفع باستثمارات استيراد اللحوم الأثيوبية وفتح الموانىء والمناطق اللوجيستية فى منطقة قناة السويس لصادرات أثيوبيا والسودان ودول الكوميسا بالعموم.
كل الأمل أن تتحول المنطقة كما ورد فى بيانى وزارة الخزانة الأمريكية عبر جولة مفاوضات يناير الماضى التى استغرقت أربعة أيام وقمنا بالإشارة إليها وجولة مفاوضات منتصف فبراير والتى أيضا أصُدر بشأنها بيان وكلا البيانان أكدا على أهمية التعاون الإقليمى والإندماج بين بلدان شاطىء النيل الأزرق مصر والسودان وأثيوبيا.
بحيث يتحول التعاون بين البلدان الثلاثة ليحقق التعاون الاقتصادى والسياسى والتنمية المستدامة.
وأظن أننا أمام أفق تتحمل فيه مصر والسودان وأثيوبيا مسئولية نجاح الأمن والاستقرار فى شرق القارة لتكون مقدمة لانطلاق منطقة التجارة الحرة على أسس سليمة وأن تكون تلك هى بداية منطقة التجارة الحرة الأفريقية وركيزة أساسية لنجاح الكوميسا الرئيسية الإقليمية ولوضع حد لأى خلافات محتملة بين دول شرق القارة فى واحدة من أهم النجاحات التى توصلت إليها الإرادة السياسية ونجح فيه المفاوضون فى البلدان الثلاثة رغم صعوبة الاتفاق حول المياه عامة فى التوصل إلى اتفاق تاريخى سيحمى مصالح الشعوب الثلاث وسيحقق أهداف التنمية وسيقود إلى المزيد من الاقتراب لتحقيق طموحات أفريقيا وتنفيذ خطتها ٢٠٦٣ أقتصاديا وأمنيا وتنمويا وسياسيا ونحو مستقبل أفضل لقارتنا ونحو أفريقا الأقرب للاندماج ونحو أفريقيا الواحدة، حلم الآباء الأوائل الذين أسسوا التعاون والذين أسسوا لمرحلة ما بعد الاستقرار وكان حلم أفريقيا الواحدة كان دائما نصب أعينهم.
وأعتقد أن قادة أفريقيا الثلاث فى واشنطون سيريدون أن يقتربوا من تحقيق خطة أفريقيا ٢٠٦٣ وسيسعون لاسكات أى أصوات للنزاع وإسكات المدافع والدفع بالتنمية وقيادة القارة ومنطقة حوض النيل نحو مزيد من التعاون وستنتقل تلك روح التعاون لحوض النيل الأبيض وسيكون نهر النيل فى مجمله مجالا طبيعيا للخير ومجالا طبيعيا للحفاظ على البيئة ومجالا طبيعيا للأمن والاستقرار السياسى والانطلاق بمقدرات القارة وشرق القارة تحديدا ونهر النيل على الأخص نحو مزيد من الرفاهية لكل الشعوب الواقعة عليه.
……......................
* السفير الدكتور محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية ومياه النيل