عاطف عبد الغنى يكتب.. مفجر قنبلة الشرق الأوسط

عاطف عبد الغنى يكتب.. مفجر قنبلة الشرق الأوسطعاطف عبد الغنى يكتب.. مفجر قنبلة الشرق الأوسط

*سلايد رئيسى2-6-2017 | 17:33

حسنًا فعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حين استمع لنصيحة وزير خارجيته ريكس تيلرسون وتحذيرات بعض مستشاريه وقرر إرجاء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

والتفسير الصادر من البيت الأبيض عن سبب إرجاء إصدار قرار النقل، هو إعطاء فرصة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، .. هذا ما تقوله لنا الأنباء القادمة من الغرب لكنها تضيف استدراكا يشير إلى أن ترامب عاقد العزم على نقل السفارة إلى القدس.. يعنى أن المسألة هى مسألة وقت ليس إلا، والوقت فى هذه القضية (قضية القدس) له أهمية كبيرة لكننى أقول دائمًا إنه (الوقت) ليس فى صالح أصحاب القضية التى تتدحرج إلى أسفل تاريخيا وربما تواصل تدحرجها حتى تصل بالمنطقة إلى الجحيم والعياذ بالله.

(١)

فى 30 يوليو من عام 1980 أصدر البرلمان الإسرائيلى قانونًا عنوانه الرسمى «قانون أساس: أورشليم القدس عاصمة إسرائيل» ومعنى أنه قانون أساس أى أنه مبدأ دستورى، وهذا القانون يقضى بضم القدس الشرقية التى كانت تحت حوزة العرب قبل حرب يونيو 1967 إلى إسرائيل، وعلى الرغم من أن القانون لم يضف كثيرًا إلى حال القدس التى كانت عملية تهويدها تمضى بوتيرة متصاعدة، فأنه على العكس أثار بصدوره حفيظة كثير من الدول ومنها دول أوروبية كانت لها سفارات فى القدس، فقامت بعد صدور القانون بنقلها خارجها، وشجع القرار الصادر عن مجلس الأمن تحت رقم (478) فى شهر أغسطس من نفس عام صدور القرار الإسرائيلى، وقد دعا فيه مجلس الأمن كل الدول لنقل سفاراتها خارج القدس.. على أن تنقل باقى الدول سفاراتها من القدس.

ولم تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها عضوًا دائمًا فى مجلس الأمن حق الاعتراض (الفيتو) فى منع القرار (487)، بمعنى أنها وافقت على صدوره.

وبعد 15 عامًا على عدم اعتراض أمريكا على قرار مجلس الأمن، تغيرت أمور فى عقيدة الأمريكان نحو القدس فعادت أمريكا وأصدرت عبر الكونجرس قانونًا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويدعو هذا القانون الرئيس الأمريكى (كجهة تنفيذية) إلى نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس وبسبب خطورة هذا القرار وتعارضه مع قرار مجلس الأمن (487) فقد منح الكونجرس الرئيس الأمريكى بصفته صلاحية تأجيل تطبيق القرار (نقل السفارة) كل 6 أشهر، ومنذ صدور القرار وإلى اليوم تلتزم الإدارات الأمريكية بهذا العُرف الداعى إلى تأجيل قرار نقل السفارة.

وخلال 22 عامًا (منذ صدور قانون الكونجرس)، تعاقب خلالها 3 رؤساء أمريكيون (كلينتون وجورج بوش الابن وأوباما) قبل وصول ترامب للحكم، التزم هؤلاء الرؤساء السابقون على ترامب بالتوقيع كل 6 أشهر على قرار تأجيل تنفيذ قانون نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، والسبب الدائم الذى كان يستند عليه الرؤساء فى هذا الشأن هو أن قرار نقل السفارة ينفى عن واشنطن دورها المفترض كوسيط سلام نزيه بين الفلسطينيين، والإسرائيليين، أما السبب الحقيقى وغير المعلن لتأجيل أو عدم اتخاذ مثل هذا القرار فهو خشية إسرائيل ذاتها من ردة فعل الفلسطينيين، بعد انتفاضتين فلسطينيتين كانت أولاهما عام 1987، وعلى إثر نجاحها فى كسر جبروت الاحتلال وهز استقرار إسرائيل والضغط على أعصابها بل وتهديدها الوجودى، تحرك الغرب تقوده أمريكا لإنقاذ الكيان الإسرائيلى فقام بالدعوة إلى إقامة مؤتمر دولى للسلام ليحشد العالم باتجاه محدد ظاهره إقامة سلام دائم وعادل فى الشرق الأوسط، وباطنه جر زعماء وحكومات الممانعة وشعوب المنطقة إلى حظيرة التطبيع وتسريب إسرائيل إلى المنطقة فى التمهيد لمشاريع أكبر مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.

(٢)

وبعد مؤتمر مدريد (1991) توالت المؤتمرات التى جمعت الإسرائيليين والفلسطينيين على طاولات المفاوضات وتم توقيع اتفاقات بين الجانبين لعل أشهرها اتفاقات «أوسلو» لكن وصول اليمينى المتطرف بنيامين نتنياهو إلى كرسى رئاسة الوزراء فى إسرائيل لأول مرة عام 1996 أوقف مسيرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتى كانت تبدو حتى هذا التاريخ مظفرة، أو على الأقل كان يمكنها الوصول بالطرفين لشىء من الرضا حتى فيما يخص المسجد الأقصى الذى بدا أن الطرفين أوشكا على الوصول لاتفاق بشأنه يقضى بالتقسيم المكانى، فيكون ما فوق سطح الأرض من أماكن إسلامية مقدسة للمسلمين، وما أسفلها لليهود، لكن جاء نتنياهو فأفسد كل شىء فى مسيرة السلام، ومضى فى إجراءات الخراب المستعجل فأمر بشق الأنفاق أسفل الأقصى (النفق اليبوسى، والنفق الغربى) والأخير يمتد لمسافة حوالى 500 متر أسفل الأقصى، ويتم فى تلك الأنفاق انتهاك كل المقدسات دون مراعاة لحرمة بدعوى تشجيع السياحة لإسرائيل التى تبيع كل شىء وأى شىء. وفى المرة الأولى التى افتتح فيها نتنياهو النفق الغربى 1996 انتفض الفلسطينيون ضد هذه الجريمة فيما عُرف بـ «هبة النفق» التى راح ضحيتها 100 شهيد فلسطينى برصاص الغدر والخسة الإسرائيلى.

(٣)

والثلاثاء القادم 6 يونيو يلتئم حبل الطغيان الممدود بين واشنطن وتل أبيب، احتفالا بالذكرى الخمسين لاحتلال إسرائيل لكامل القدس، وفى توقيت متزامن سوف يحتفل البرلمانان الأمريكى والإسرائيل (الكونجرس والكنيست) عبر «الفيديو كونفرانس» بالحدث، وحسب وسائل إعلام إسرائيلية سوف يشارك فى احتفالية «الفيديو» إما الرئيس الأمريكى ترامب بنفسه أو نائبه مايك بنيس وهو ما يمكن أن يفسر (حسب إعلام الكيان) على أنه أول اعتراف ضمنى صادر عن البيت الأبيض بالقدس عاصمة لإسرائيل. وما يفعله ترامب فى هذا الصدد هو استمرار لكسر سياسات رسمية أمريكية حرصت الإدارات الأمريكية السابقة على عدم كسرها، فهو مثلا أول رئيس فى السلطة يصلى أمام الجدار الغربى (حائط البراق) الذى استلبه اليهود وأطلقوا عليه حائط المبكى، لقد تجاهل ترامب حقيقة تاريخية تشير إلى أنه قبل 50 عامًا كان هذا المكان تابعًا للإدارة العربية (الأردن) التى كانت تحمى ما تبقى من الأماكن الإسلامية فى القدس الشرقية، ويبدو أيضا أن ترامب قد صدق أكاذيب نتنياهو، وادعاءاته التى يلقيها فى برامج تليفزيونية يقدمها بنفسه من أجل الترويج السياحى للقدس، ومن هذه الأكاذيب أن القدس الشرقية كانت مهجورة ومهملة قبل أن تصبح تحت السيادة الإسرائيلية، أو حسب تعبيراته: «قبل أن تستردها إسرائيل»، والذى يدعو إلى الحنق والغيظ فى المسألة هو هذا العنت الذى يمارسه نتنياهو فى الحصول على ما ليس بحقه، بكل الطرق، وانتهاكه للمقدسات الإسلامية غير عابئ بردود الأفعال التى تجنبها الإسرائيليون خلال السنوات الخمسين الأخيرة على الأقل حتى يمنعوا تفجر الحرب الكارثية بين أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية حول القدس، الملف الأكثر تعقيدًا فى ملفات السلام الشرق أوسطية.

(٤)

ويمكن أن نلخص كل ما سبق فى أن ترامب ونتنياهو يأخذان المنطقة إلى حافة الهاوية، وأن الذين يراهنون على أن ترامب سوف يضغط على نتنياهو للوصول إلى حل شبه عادل بالنسبة للفلسطينيين سوف يصابون بخيبة أمل فى الوقت الذى يؤكد فيه نتنياهو كل يوم على الملأ أنه لن يقدم تنازلات إلا السلام مقابل أن تأخذ إسرائيل القدس والأراضى المحتلة وتطرد الفلسطينيين خارج مملكتها، وهكذا صار ترامب ونتينياهو أشبه بمفجر قنبلة الشرق الأوسط.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2