د٠ قاسم المحبشي* يكتب: لمحة من ملامح النهضة وتعليم المرأة

د٠ قاسم المحبشي* يكتب: لمحة من ملامح النهضة وتعليم المرأةد٠ قاسم المحبشي* يكتب: لمحة من ملامح النهضة وتعليم المرأة

*سلايد رئيسى10-3-2020 | 13:49

لقد أطلقت النهضة طاقات الإنسان (الرجل والمرأة)، وأفضى ذلك الاهتمام المتزايد بالحياة الإنسانية، وبالجسد الإنساني والطبيعة الحيّة، إلى رؤية جديدة لكل شيء، بدلا عن المحنة حل الفرح، وباستعمال الإنسان للقوى التي وهبها إياه الله حلت الحرية في توجيه العقل بدلًا من الخضوع لإرادة الكنيسة، وأخذ البحث الفكري يحل مكان التبلد والعقم والكسل ـ وبكلمة تفجرت من ذات الإنسان طاقاته الإنسانية الكامنة المتعطشة للحرية والإبداع والتنافس والصراع والمغامرة والطموح والبطولة والشجاعة والإيمان بالحظ واقتناص الفرص، لقد نظرت النهضة إلى الإنسان وقواه بعيون إنسانية، إذ جعلت "إنسانوية" النهضة من الإنسان غاية المعرفة وأداتها في آن واحد، يقول فيلسوف النهضة (بيك ميراندولا1463ـ 1494م) في رسالة "كرامة الإنسان"... العالم لم يخلق من أجل الإنسان، ولكنه مصنوع من لحمه ودمه، ذلك الكائن الذي وهبته الآلهة إرادة حرة والذي يحمل في ذاته بذور الحياة التي لا تحصى، إذا ما استعاد كرامته، لا يبقى ثمة ضياع، ولا يبقى ثمة قلق، الشياطين التي كان يخافها إنسان العصور الوسطى ألقت بنفسها في الجحيم ومعها الصليب الذي كان يبدو مكرسًا لحمايتها، العالم أضحى من جديد فرح الإنسان وحلمه وطموحه" على هذا النحو أخذت تعود ثقة الإنسان بذاته وبعالمه، وأخذ الإنسان يثق بقدرته على التقدم والتطور، أي استعاد الإنسان ذاته وعظمته حسب ياكوب بوهم (1575ـ 1624م) "الإنسان ذلك الكائن العظيم الذي ترقد السماء والأرض وكل الكائنات والله نفسه في أعماقه" وبهذا المعنى يمكن أن نفهم تعريف (آلان تورين) للحداثة في كتابه (نقد الحداثة) بقوله: "إن فكرة الحداثة في شكلها الأعظم طموح كانت التأكيد أن الإنسان هو ما يصنعه"،من النهضة انبثقت الحداثة، كما عرفها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيير (1864ـ 1920م) بقوله: "إن الحداثة تعني العقلنة، وبهذا المعنى تكون الحداثة مشروعًا إنسانيًا لبناء المجتمع في كل جوانبه على أسس عقلانية، مجتمع يعيش وينظم نفسه ويتصرف بعيدًا عن كل غائية غيبية وسحر أو وهم " فتحت النهضة آفاقًا واسعة بإزاء الإنسان عامة والمرأة تحديدًا، إذ لأول مرة يتم الاحتفاء بالفرح الإنسان والسعادة الحسية، تغيرت النظرة العامة للمرأة وأخذت المرأة تحظى باهتمام وحساسية جديدة وهناك عدة كتب خصصت للمرأة "كمعبد جنيد" ورحلة إلى يافوس و "مؤتمر سيتير" وهو عبارة عن قصة خيالية عن آلهة الحب، وهي تسرد صورة الانقلاب الوجودي الأخلاقي الذي جرى في حياة النساء والرجال في أوروبا الناهضة. يقول بول هازار في كتابه (الفكر الأوروبي): "إن تغيرًا قد حدث في حالة النساء فقد كانت النساء يشتركن في حركة العقول، بل كن أحيانًا يواجهنها، وقد احتللن موضع المساواة إلى جانب الكتاب والعلماء، وكن أقل حذلقة لأنهن كن بالطبع أكثر ذكاءً مرآة العصر، والقيمة التي منها ينحدر كل شيء، والصورة التي منها يتخذ كل شيء نموذجه هي المرأة" ورغم أن النهضة الأوروبية بدأت منذ القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا، فقد كان من شأنها أن أفسحت هامشًا إنسانيًا في حياة وحقوق المرأة أفضى بعد قرنين من الزمن إلى نتائج حاسمة غيرت مسار التاريخ، ففي صبيحة يوم من أيام شهر يونيو عام 1678م اعتلت أول امرأة في التاريخ تحصل على درجة الدكتوراه المنصة بكاتدرائية بادوا لكي يتم امتحانها في التحليل المنطقي لأرسطو، كان اسمها الينا لوكريزيا كورونارو بسكوبيا وكان عمرها 32 عاما وكانت غير متزوجة وابنة لواحدة من أكثر العائلات ثراءً في فينيسا. كانت "الينا" قد تقدمت في البداية بطلب لدراسة الدكتوراه في اللاهوت، لكن مدير الكلية اللاهوتية بالجامعة الكاردينال جريجوريو بارباريجو، أسقف بادوا رفض بشدة قائلا: "لا يمكن لقد خلقت المرأة للأمومة وليس للتعلم"، كتب بعد ذلك عن الواقعة.. لقد تحدثت مع أحد الكرادلة الفرنسيين عن ذلك فانفجر ضاحكًا"، ولكنه بغير حماس وافق على السماح لها بأن يكون امتحانها للدكتوراه في الفلسفة" في ذلك الوقت كن نساء أوروبا كافحن كفاحًا مستميتًا في سبيل إثبات جدارتهن الإنسانية وقدراتهن العقلية، وكان التعليم والمعرفة هو المجال العام الوحيد الذي من شأنه ذلك، إلا أن التعليم بالنسبة للمرأة كان بمثابة مغامرة خطرة ومكلفة إذ تحتاج المرأة التي يمكنها خوض هذه المغامرة إلى أربعة شروط:
  1. عمر طويل، إذ أن متوسط عمر المرأة كان في القرن السابع عشر لا يتجاوز 32 عاما.
  2. حياة عزوبة، إذ يصعب التعلم والدراسة مع الزواج والحمل.
  3. أسرة غنية تمكنها من تعلم القراءة والكتابة ومحو الأمية، إذ انه قبل عام 1650م كان 10% فقط من نساء لندن بمقدورهن التوقيع بأسمائهن، وبحلول 1700م كان نصف نساء لندن يمكنهن كتابة أسمائهن.
  4. الجلد والصبر وشدة التحمل وقوة الشخصية، لأن المرأة المتعلمة كانت تعد ظاهرة شاذة في مجتمع كان يحتقر المرأة المتعلمة وينبذها ويحاربها(35). وحينما توفرت هذه الشروط أو بعضها لبعض نساء إيطاليا تألقت مجموعة من النساء المتعلمات خلال مرحلة النهضة، كما وجدت النساء الدارسات ترحيبًا أكثر عما كان في الدول الشمالية. ففي انجلترا كانت الكاتبة الموهوبة ليدي ماري وورفلي مونتا جو عام 1753م تكتب عن الخطط المقترحة لتعليم حفيدتها الصغيرة، معاتبة ابنتها بمرارة لكي تخفي ما تتعلمه الطفلة وبجزع يعادل إخفاءها لسوء الخلق أو الفعل المشين، في الواقع لم تكن الطريق للتعلم مفروشة بالورد أمام نساء أوروبا الناهضة بل واجهن جملة واسعة من المعوقات، إذ أن معظم الناس كانوا يؤيدون الحد من تعليم المرأة، فقد استبعدت الفتيات في مؤسسات التعليم العالي والجامعات ومن مدارس اللغات والمدارس الإعدادية. ورغم كل المعوقات تمكنت بعض النسوة اللامعات في ترك علامات كدارسات وكاتبات، وأخذ يتزايد شيئاً فشيئًا عدد النساء المتعلمات في مختلف أنحاء أوروبا، لا سيما لدى الأسر الغنية أو المتحررة، ويذكر في بريطانيا بنات السيد توماس مور، وبنات الايرل اورندل، وبنات السير أنتوني كوك من اللاتي تلقين تعليمًا ممتازًا، فهذه ليدي جوانا لوملي ابنة اورندل أنتجت أول ترجمة انجليزية للدراما الإغريقية. وقد لخصت أول امرأة انجليزية باشرت التفكير الفلسفي أواخر القرن الثامن عشر، هي الفيلسوفة ماري ولستوت كرافت عام 1792م المشهد النسوي بقولها: "إن معظم النسوة اللاتي سلكن مسلك المخلوقات الرشيدة أو أظهرن أي قوة فكرية كان قد سمح لهن بالصدفة أن ينطلقن بلا قيود، والانطلاق بلا قيود في مكتبة الأسرة كان الطريق المعتاد للنسوة الطامحات فكريًا لتعليم أنفسهن" أمثال الانجليزية إليزابيث تاتفيد، التي علمت نفسها الفرنسية والإسبانية والإيطالية واللاتينية والعبرية وقد رفضت أمها أن تسمح لها بإيقاد بالشموع لتقرأ في الليل، ورغم ذلك كتبت العديد من الترجمات والشعر، وكانت كرستين دي بيران ابنة عالم النجوم والطبيب الإيطالي في بلاط تشارلز الخامس بفرنسا، الأولى في أوروبا التي أعالت نفسها وأطفالها الثلاثة بمهنتها الأدبية، وفي كتابها "مدينة السيدات" تخيلت قيام نسوة موهوبات ببناء مدينة لهن يمكنهن فيها العيش بسلام وبأسلوب خلاق، الوجود المستحيل كما رأته في فرنسا القرن الخامس عشر. وبالمثل فعلت الهولندية انافان شي رمان من اوتريخت كفتيات الطبقة الوسطى للقرن السابع عشر، حينما صممت في 21 من عمرها أن تعلم ذاتها تعليمًا فكريًا جادًا وأصبحت واحدة من أفضل نساء عصرها في اللغة اللاتينية، وقد ترجمة أعمالها إلى لغات كثيرة.
……………………………. * أكاديمى وشاعر وأديب يمنى
أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2