كمال محمود مهدي* يكتب: هدى الإسلام فى التعامل مع الأوبئة

كمال محمود مهدي* يكتب: هدى الإسلام فى التعامل مع الأوبئةكمال محمود مهدي* يكتب: هدى الإسلام فى التعامل مع الأوبئة

* عاجل12-3-2020 | 18:17

ينبغي علينا أن نربط الأحداث دائماً بالشرع، فلا يخرج عن الكتاب والسنة شيء. نحن نعلم أن ما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا، لكن المصيبة لها أسباب، منها على سبيل المثال هذا الذي لا يراه كثير من أهل الأرض هو ما عملته أيديهم من عصيان الله تعالى:فقد قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )الروم آيه٤١ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم)،، ولما سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت"أنهلك وفينا الصالحون؟" قال:  نعم، إذا كثر الخبث ". إذا لا بد أن يكون لنا من الله واعظ، ولا بد أن نرجع إلى الله في كل مصيبة  .. فلا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة. ثانيا ينبغي علينا أن نعلم أن كل شيئ بقدر الله ونعلم بأن قدر الله نافذ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وقد كان بعض أهل الجاهلية إذا خرج بعض أقاربهم وإخوانهم في سفر تجارة، أو غزو فمات، أو قتل قالوا: (لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ) سورة آل عمران١٦٥ وهذا الكلام الجاهلي المبني على (لو) واستعمالها الفاسد، إنما هو حسرة يعذب بها الله تلك النفوس؛ ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم، ولما حدثت مصيبة غزوةأحد، قال المنافقون: لو جلس هؤلاء الذين قتلوا في أحد في بيوتهم، وما خرجوا من المدينة ما ماتوا وما قتلوا، ولكن كذبوا والله، فإن الله إذا أراد موتهم سيبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، وهي أماكن القتل فالمضجع مكان الموت، فيجعل الله سبباً وأسباباً ليخرج هؤلاء إلى الأماكن التي قدر أن يموتوا فيها ليموتوا فيها، فلا يغني حذر من قدر. قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) سورة البقرة٢٤٣   خرجوا من ديارهم فراراً من الموت( فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ)  ماتوا جميعاً (ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) قال غير واحد من السلف: هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل، فأصابهم وباء شديد فخرجوا فراراً من الموت، فنزلوا وادياً فأهلكهم الله جميعاً، ثم سأل نبي من أنبيائهم ربه أن يحييهم فأحياهم،، وخرج عمر -رضي الله عنه- إلى الشام حتى إذا كان بسرغا -اسم مكان- لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الطاعون قد وقع بأرض الشام، فاستشار عمر أصحابه، ثم استقر رأيه على الرجوع وعدم الدخول حفاظاً على سلامة من معه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله ﷺ يقول:  إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه فحمد الله عمر، ثم انصرف، رواه البخاري ومسلم. إذاً نعتقد أنه لا يغني حذر من قدر، وأن كل الإجراءات الاحتياطية إذا اتخذت فإن الله إذا أراد شيئاً سيكون، ولكن هل هذا يمنع من اتخاذ الإجراءات الاحتياطية؟ الجواب: كلا ، بل يُفعل ما فيه المصلحة مع اعتقاد أن الله إذا أراد أن يحدث شيء بالرغم من كل الاحتياطات سيحدث، ونتوكل على الله، ونلجأ إليه، وندعوه، ونجمع بين اتخاذ الأسباب الدينية والدنيوية، كما يذاكر الطالب قبل الامتحان ويدعو ربه أن ينجح، وهذا هو اليقين والتوكل الحقيقي،،، س :ولنا أن نسأل ما هو هدى الإسلام تجاه هذه الأوبئة؟ أولا : (الوقاية) ؛ بحيث يكون المسلم في مأمن من وصول المرض إليه. مثل: النظافة في البدن والثياب والأماكن، فإن “الطهور شطر الإيمان"... فلقد حث الإسلام على الطهارة ومدح أصحابها.. ثانيا: (العلاج) ، فلقد وضع الإسلام أيضا منهجا واضحا للتعامل مع الأمراض، منها: الحجر الصحي، وإعطاء اللقاحات والقضاء على مسببات المرض والوباء؛ لأن ذلك من جملة الأسباب التي أمر بها العبد لمدافعة المرض، وكذلك نشر الوعي الصحي المكثف ببيان مسببات المرض، وكيفية تجنبه، وأهم أعراضه لمداواته، ولقدحث الإسلام على الأخذ بالأسباب الطبية والعلاجية؛ فجاء الأمر النبوي واضحا بالتداوي من الأمراض في قوله –صلى الله عليه وسلم-: “تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم”، وقال –صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: ” إن الله لم يخلق داءً إلاّ خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا: يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت”، وهذا الحديث يعطي أملا للمرضى بأن لكل مرض علاجا ودواء. ولقد تعامل الإسلام مع الأوبئة والأمراض المعدية –ومنها طبعا مرض كورونا- تعاملا مناسبا؛ حيث سبق الإسلامُ العلمَ الحديثَ في وضع أفضل قواعد الحجر الصحي؛ بل إن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد أرسى مباديء الحجر الصحي قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام ، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه"، وقال أيضًا: " الفار من الطاعون كالفار من الزحف ، والصابر فيه كالصابر في الزحف". وقال صلوات الله وتسليماته عليه وعلى آله: ((فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد))؛ [رواه أحمد]، وقال: ((لا يوردن ممرض على مصح))؛ [رواه أحمد وأبو داود]. ثالثا: (الدعاء): فلا ينبغي التغافل عن الأدعية المحصنة من الأمراض والوباء خاصة بعد تحذيرات بانتشار فيروس كورونا بأنحاء العالم ، وهذا لا يعنى  عدم الأخذ بالاسباب او التداوى والبحث عن العلاج، ولقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم برفع الوباء عن المدينة المنورة، كما أن التحصن بالرقى والأدعية والأذكار الشرعية من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كان صلى الله عليه وآله سلم يكثر من الاستعاذة بالله من ( مِنْ الْبَرَصِ ، وَالْجُنُونِ ، وَالْجُذَامِ ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ) رواه أبو داود . فلقد حفلت السنَّة النبوية المطهرة بأحاديث صحيحة كثيرة تحث المسلم على الإتيان بما فيها من أدعية وأذكار من أجل وقاية قائلها من الضرر  ، منها : عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ:(مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ) رواه أبو داود والترمذي وصححه. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ  مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ ، قَالَ : ( أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ تَضُرَّكَ ) رواه مسلم. نسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من كل سوء وأن يرفع عنا البلاء والوباء إنه ولي ذلك والقادر عليه. .................................... * إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2