د. ناجح إبراهيم يكتب: ملحمة مصرية.. حكومة وشعباً

فى مدينة أطفيح تطوع بعض الشباب لجمع الأموال لبناء أسقف المنازل التى انهارت جراء السيول، تكلفة السقف 4 آلاف جنيه، وهذا «محمود الهوارى» يجوب بسيارته الشيروكى شارعى فيصل والهرم بحثاً عن سيارة معطلة بالطريق ليقوم بسحبها، نشر رقمه على صفحات الفيس بوك تواصل معه 12 شخصاً من العالقين فذهب لإنقاذهم. أما «همت حمدى»، مدير تمريض، فعرضت خدماتها على المرضى العالقين بالطريق وقامت بتوجيههم إلى المستشفيات المختلفة وأوصت عليهم، وهذه مجموعة شباب بالإمام الشافعى يوصلون طلبات الطعام للأسر الفقيرة مجاناً لمدة 3 أيام متواصلة، وهذا صاحب تاكسى يذهب ليوصل العالقين إلى منازلهم مجاناً مقابل الدعاء لزوجته المتوفاة، أما «أحمد شعبان» الشاب المهذب الذى يشيد الجميع بأخلاقه غلبته الشهامة حينما غمرت السيول نويبع ورآها تغمر بعض «الكامباهات» فظل ينقذهم من الغرق واحداً إثر آخر حتى أنقذ 21 شخصاً، ولكنه اصطدم بصخرة كبيرة فجرفته المياه وتوفى إثرها، وكتب المئات على صفحاتهم بالفيس بوك يناشدون العالقين أهالينا المسافرين والمغتربين توجد لدينا شقة مجهزة للسكن لأى إنسان انقطعت به السبل أو ضل الطريق أو توقفت به السيارة قريباً منا، وفيها كل أسباب العيش الكريم دون مقابل، فلا تستحى فكلنا ضيوف على الله، المكان مجهز لاستقبال كل الضيوف من أى مكان سواءً كان مسلماً أو مسيحياً وليس عليكم سوى الاتصال بهذه الأرقام. وآخر يجمع بعض المتطوعين بالسيارات الحديثة لمساعدة السيارات المعطلة والغارقة فى المياه، حتى وصلت لقرابة خمسين سيارة، وهذا تكرر فى عدة مناطق فى القاهرة بوازع دينى وإنسانى داخلى دون تكليف من أحد، والأجمل من ذلك تطوع بعض شركات السيارات لإصلاح السيارات التى أنقذت العالقين، وتطوع بعض الشباب فى بعض المناطق لشراء طلبات الأسر وتوصيلها إلى الأسر التى لا تستطيع الوصول إلى المحلات بسبب السيول، ذهبت مؤسستا مصر الخير والأورمان إلى كثير من القرى المتضررة وزعوا آلاف البطاطين وكراتين المواد الغذائية. وهذه صورة رائعة لضباط جيش تغمر أقدامهم المياه وهم يحاولون مع العمال المساعدة فى شفط المياه والأمطار تنهمر فوق رءوسهم. ملحمة شعبية رائعة سطرها الشعب المصرى مع حكومته التى أحسنت التخطيط للأزمة مسبقاً، وأخذت تقارير الأرصاد المسبقة على محمل الجد، التى ثبت صدقها بنسبة 100%، لقد عملت الدولة المصرية كلها كأنها منظومة واحدة متناغمة منذ صدور تقرير الأرصاد يوم الاثنين، فأصدرت الحكومة قراراً بوقف الدراسة فى المدارس والجامعات، ومنح موظفى الدولة جميعاً إجازة يوم الخميس، وهذا القرار قلل الخسائر بنسبة كبيرة جداً، وأعقبه تجهيز كل المحليات بلا استثناء بكل إمكانياتها مع الدعم الكامل من المناطق العسكرية القريبة منها، التى وفرت لإدارة المحليات إمكانيات كبيرة وكذلك مديريات الأمن، فضلاً عن القوات البحرية فى المناطق الساحلية، يضاف إلى ذلك كله التغيير الجذرى الذى طرأ على طريقة إدارة هيئة المياه والصرف الصحى، التى تحولت إلى كتلة نشاط وحيوية فى السنوات الأخيرة ودبت فيها الروح بعد أن كادت تلفظ أنفاسها فى السنوات الأربع التى سبقت ثورة يناير وكذلك التى تلتها. أما رجال المرور فكانت الأمطار تنهال عليهم وهم يصرون على تنظيم المرور وإغلاق وفتح الطرق بطريقة تبادلية بحسب تجمعات المطر، مصر ستظل أبية عصية على الذوبان أو الانهيار، وكما حفظها الله من موجات التتار والصليبيين فقهرتهم فى حطين وعين جالوت، وقهرت الحملة الفرنسية وأذابت الفرنسيين والإنجليز والأتراك فى بوتقتها فتمصروا وأحبوا مصر ومكثوا فيها ستقهر كل الصعوبات، وستنتصر فى معركتى سد النهضة وفيروس كورونا، بحفظ الله وكرمه وستره ثم بجهود رجالاتها المخلصين، تحية لصانعى المعروف، خاصة فى وقت الأزمات الكبرى.