أحمد الغرباوى يكتب: مِنْ حَكْىّ الواقع: عطايْاالخفايْا..؟
أحمد الغرباوى يكتب: مِنْ حَكْىّ الواقع: عطايْاالخفايْا..؟
في برنامج تلفزيْوني على قناة أجنبيّة.. يعرض المذيع حالة مريض.. فى أمسّ الاحتياج إلىجراحة مستعجلة.. تتكلّف (١٥٠) ألف دولار..
ويبدأ الناس في التجاوب بالاتصال والتبرّع.. وكان من بين الملبّين؛ شخصٌ عربىٌّ اسمه (محمد).. أعلن تبرّعه (بدولارين)..
ويسأله المذيع:
ـولماذا (دولارين)..؟
يجيبه (محمد:
ـ هي نصف ما أملك.. فأنا عاطل عن العمل!
وعملآ بما يمليه علينا ديننا الإسلامى العظيم.. الجود بالقليل أفضل من عدمه.. والصدقة تطفىء غضب الربّ..
وتأتى المفاجأة..؟
أنّ المتصل الذي يتكلّم بعده؛ يُعْلِن عن تبرّعه بـ (٨) آلاف دولار.. منها (٤) آلاف للمريض.. و(4) آلاف للمتبرّع بـ (دولاريْن)..
ويتوال المتابعون إنثيْال خَيْر.. فيأتى آخرويتبرّع بـ (١٠) آلاف دولار.. منها (٥) ألاف للمريض، و(5) آلاف للشاب العاطل عن العمل..
وهكذا كل من يتواصلُ تليفونيًّا بالبرنامج؛ يتبرّع للإثنين معًا..
وفي نهايْة الحلقة؛ يكتملُالمال الذى يحتاجه المريض.. ويتمّ جمع مبلغًا ضخماً للشاب (محمد)..
ويتم إعداد وتنظيم حلقة اخرى من البرنامج.. وبها يستضيفُ المذيع هذا الشاب المتبرّع (بدولارين).. ويسلّمه المال.. ويجعله يحكى عن أسباب عدم حصوله على عملٍ؛ رغم مؤهلاته العلميّة المتعدّدة..
وفي الحلقة ذاتها.. تنهالُ عشرات المكالمات التليفونية على فريق الإعداد؛ من شركات تعرض عليْه العمل.. لتنتهى الحلقة، وهو يختار أفضلها وأنسبها..
ولمنتعجّب من رزق سماء..؟
إنها نتاج الصّدقة.. وغيث إخلاص نيّة..
جميل ودرُّ منح..يأتى من القلب قبل اليْدّ.. و
ولا يعرف حقيقته غير عظيم ربّ.. فى غَيْم الخفايْا يَمِنُّ بأوفر وأندر وأجلّ عطايْا..
،،،،
ويجيء طالب يدرس بكلية الطب.. كان يقف أمام ﺍﻟﻜﻠﻴّﺔ ﻣﻊ زملائه.. ﻭدون غيْره؛ تستهدفه سيارة مُسْرعة.. وبجنون وعنف تصدمه.. ويسرعوا به الى ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ.. فيبلغه ﺍﻟأطباء أﻧّﻪ ﻋﻨﺪﻩ (ﻛِﻠﻴﺔ) بتنزف ومتهتّكة.. ﻭيجبُ أن ﻳﺴﺘﺄﺻﻠﻮﻫﺎ ﻓﻮﺭﺁ.. ﻭإلا النتيجة الحتميّة الموت..
وﻳﻀﻄّﺮُ الشّاب الصغير.. وهو على مشارف المستقبل.. ويتقتفى أثر روعات الأحلام.. وينام على دغدغات خَدْرِ رِيْاض الغدً؛ أن ﻳﺨﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﺑَﻴْﻦ (ﻛِﻠﻴْﺘﻪ) ﻭﻳﻌﻴﺶ؛ أو يفارق الحَيْاة عن عمد..
ﻭﺑﻌﺪ عدّة أيام.. يلتحفه الكآبة.. ويغلق ستائر النسيان على حاضره.. وبين جدران غرفة منقبضة؛ يستلقى ﻣﻜﺘﺌبًا.. وحيدًا وبأس سويعات.. ودموع متحجرة بين ذبول جفنين.. جسداً نحيفًا يأبى الأكل والشرب..
وﻳﺪﺧﻞُ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺠﺮّﺍﺡ ﺍﻟذي أجرى له ﺍﻟﻌﻤﻠﻴّﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣُﺒﺘﺴﻢ؛ ﻳﻘﻮل ﻟﻪ:
ولدى..
ـهل ﺗﺴﻤﻊ ﻋﻦﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ.. ؟
يتأمّله الشّاب الحزين؛ونفسهتبوح:
ـ لكني ﺧﺴﺮﺕ كثيراً..!
ويلاحقه الطبيب الباسم.. وهو يربتُ على كتفه:
- هل تعرف حقيقة ماتمّ..؟
وفى استغراب ودهشة، ينظرُ إليه ..
ويلاحقه الجرّاح:
ـ ﻭنحن نجري لك ﺍﻟﻌﻤﻠﻴّﺔ، ﻻﺣﻈﻨﺎ ﻭﺟﻮﺩ ﻧﺴﻴﺞ ﻏﺮﻳﺐ ﻓﻰ (ﺍﻟﻜِﻠية) التي استأصلناها.. وأرسلناها الى المختبر للتحليل..ويتضح لنا أنّه كانت ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺗﻐﻴّﺮﺍﺕ ﻟﻠﺨﻼﻳْﺎ.. وبعد فترة ـ الله أعلم بها ـ ستأخذ طريقها نحو تكوين ﻧﺸﺎﻁ ﺳﺮﻃﺎﻧﻲ.. وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن يكتشف إلا ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺘﺄﺧّﺮﺓ ﺟﺪﺁ..
ﻭمن يدرى ياحبيبى..؟
ربّما ﺗﻜﻮﻥ ﺣَﻴْﺎﺗﻚ ﻫﻲ الثمن..!
وغير مصدّق.. وفى حيرة وإجبار سكات يتأمّله الطالب.. يكاد يبكى وهو يتأمّل رحمة الله:
- تقصد أن ﺍﻟسيارة التى ﺍﺧﺘﺎﺭﺗﻨﻲ.. ﻭﺣﺪّﺩﺕ ﻣﻜﺎﻥ ﺍلإﺻﺎﺑﺔ بالضبط أعطتنى ﻓﺮﺻﺔ ثانية ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ؟
ويواجهه ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ وهو يأخذه فى حضنه:
- تخيّل.. هل تعتقد أنها ﺻﺪفة؟
أﻛﻴﺪ هذا ﻗﻀﺎﺀ الله وﻗﺪﺭه وعفوه..
( ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ..)
كانت آخر كلمات الشاب.. وهو يعود لجامعته.. ويواصل دراسته.. ويقتفى أثر أحلامه.. ويشرع فى تحقيقها..
،،،،
وإن نسيتُ إسمه؛ أتذكّر قول حد الصّالحين يقول:
- ﻟﻮ ﻋﻠِﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻛﻴﻒ ﻳُﺪﺑّﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺃﻣﻮﺭﻩ؛ ﻟﻌﻠِﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎً؛ ﺃﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺭﺣﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻣِّﻪ ﻭﺃﺑﻴﻪ.. ﻭﻟﺬﺍﺏ ﻗﻠﺒﻪ ﻣَﺤﺒّﺔً ﻟﻠﻪ..
سبحان الله..