عاطف عبد الغنى يكتب: التهديد الوجودى الثالث للدولة المصرية (1)
عاطف عبد الغنى يكتب: التهديد الوجودى الثالث للدولة المصرية (1)
دون أدنى مبالغة، تعرضت الدولة المصرية لثلاثة تهديدات وجودية، فى أقل من 9 سنوات، تمثلت هذه التهديدات على الأرض منذ 25 يناير 2011، وحتى الساعة التى اكتب فيها هذه الكلمات، مساء الأربعاء 25 مارس من عام 2020، وهو اليوم الأول لتطبيق قرار رئيس الوزراء رقم (768) الصادر فى 24 مارس، ويقضى بفرض ما تعارف عليه مجتمعيا بـ «حظر التجوال» من الساعة السابعة مساء إلى السادسة من صباح اليوم التالى.
(1)
وجاء قرار الحكومة الذى يهدف إلى الحد من حركة المواطنين، والتقليل من التجمعات البشرية، لمحاصرة انتشار عدوى الإصابة بـ «فيروس كورونا» ليحيى فى الذاكرة مشاهد الأيام والأسابيع، والأشهر العصيبة التى مرت بها مصر عقب أحداث يناير 2011، وما كانت تمثله هذه الأحداث من تهديد غاية فى الخطورة على كيان الدولة المصرية الوطنية، وفكرة وجود وطن قومى احتضن فئة من الشعب، عاشت على المساحة الحالية من الأرض – كحد أدنى – وكانت تتسع الدولة المصرية وتتمدد جغرافيا فتضم ممالك وشعوب أو تعود لأصلها الحالى لآلاف السنين، لكنها لم تغادر – أبدا - وادى النيل.
وادى النيل والنهر الذى وصلت سيادة الدولة المصرية لمنابعه فى زمن من الأزمان، لكن أعداء مصر كانوا دائما لها بالمرصاد، وكانوا يجتمعون على حربها ليعيدوها إلى حدودها التاريخية، خشية وخوفا من قوتها وبأسها، وأقرب الأمثلة التاريخية كان فى عهد محمد على، الذى اتحدت عليه أوروبا لتضرب مشروعه الإمبراطورى، وتهزم جيشه، وتصل فى حربها إلى احتلال مصر فى عهد ابنه الخديوى توفيق.
(2)
وفى درس التاريخ كان دائما التهديد الوجودى لمصر يصدر عن عبقرية موقعها الجغرافى، أولا لاستغلاله كمركز ربط لأطراف الدنيا الأربعة، ثم يأتى بعده الهدف الثانى وهو سلب مقدرات وخيرات مصر بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر الاحتلال العسكرى، وفرض السيادة والتبعية السياسية، ثم تطورت أساليب الاحتلال فى العقود الحديثة لتتحول إلى طرق غير مباشرة، لكنها فى النهاية أيضا تفرض السيادة والتبعية من خلال سياسات الاقتصاد، والأيدلوجيات، والعهود والمواثيق الدولية المكبلة، والتى تعمل على إجبار الحكومات على تنفيذ سياسات اقتصادية معينة، وربطها بالمؤسسات العولمية التى هى خاضعة بالفعل للغرب مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولى، وصندوق النقد، وعلى مستوى الشعوب صبغها بثقافات الغرب، وقيمه حتى لا تعارضه، وهذه الثقافات والقيم فى طبعاتها الحديثة تقود – لا محالة – إلى قبول الصهيونية العالمية التى ترتدى ثوب «العولمة»، وقد استطاعت اليهودية العالمية تمرير أفكارها وقيمها المخربة، من قبل إلى الغرب وإدخال هذه الأفكار فى رأس النخب وخاصة السياسيين، والمتنفذين.
(3)
وجاءت هبات الربيع العربى المهندسة فى الغرب، لتعصف بكيانات الدول العربية القومية، ليس فقط للإطاحة بالأنظمة، والأشخاص الحاكمة فى تونس ومصر وليبيا، وسوريا واليمن إلى آخره، ولكن أيضا لإتمام الخطة بتقسيم الكيانات الكبيرة وتقظيمها إلى كانتونات، لصالح إسرائيل القزمة جغرافيا، وأهم مما سبق إحلال كوادر من الحكام تم تربيتها فى الغرب، لتحكم الشعوب العربية، وينفذوا من خلالها خطط التغيير نحو قيم العولمة التى سوف تسمح بالتطبيع مع إسرائيل ، وعودة اليهود وأذنابهم وأتباعهم من التجار (العولميين) أصحاب الشركات عابرة القارات، وغيرهم ليمرحوا فى أرض العرب، ويستلبوا خيراتها.
(4)
ما سبق هو التهديد الوجودى الأول للدولة، والذى لم ينته إلى الآن، يصاحبه ويسير بالتوازي معه التهديد الوجودى الثانى وهو الإرهاب، والنابع أساسا من أفكار ومخططات الإسلامويين لإعادة إحياء الخلافة العثمانية، التى يسمونها إسلامية، والتى سقطت فعليا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وإن كانت مصر قد انفصلت بالفعل عن تبعية العثمانيين الأتراك قبل ذلك بما يقرب من مائة عام، فى عهد محمد على.
أما التهديد الوجودى الثالث الذى واجهته مصر خلال السنوات التسعة الفائتة، فيتمثل فى هذا الوباء الذى يجتاح العالم، ومصر جزء منه.
وللشرح والتوضيح.. للحديث بقية.