القانون لا يعنى العدل.. قُتل «عثمان» آخر

القانون لا يعنى العدل.. قُتل «عثمان» آخرالقانون لا يعنى العدل.. قُتل «عثمان» آخر

* عاجل6-6-2017 | 21:19

كتب: عمرو حسين

شهدت مدينة الخصوص حادثًا مروعًا فى الخامس من رمضان الجارى، عندما خرج جرجس، طالب الهندسة، يطلق النار من البندقية الآلية تجاه الأهالى على أثر مشاجرة أخيه بشوى مع صديقه سعد، ما أدى لإصابة العديد ومقتل عثمان، على باب منزله قبيل آذان المغرب، تاركًا زوجته ومعها ابنتها التى لم تكمل عامها الثانى.

وبينما سيد، واقف فى ورشة النجارة التى يعمل بها، مر "بشوى" مسرعًا مرتديا الفانلة الحملات، وعلى وجه جرحين سطحيين "خربوش"، ويطلق السباب متوعدا بالانتقام ويحمل سكينا فى يده، فى الوقت الذى يجلس فيه عثمان، وعبده دقدق، ويوسف ومحمود، فى الجهة المقابلة لورشة النجارة.

خرج سيد والأربعة الأخرون خلف بشوى، ليتبينوا أطراف المشاجرة، ولمنع وقوع الشر خاصة فى نهار رمضان، وجدو أن الطرف الآخر فى المشكلة هو "سعد"، والذى كانت تربطع علاقة صداقة ببشوى، إلا أنهم اختلفوا، فاستل الأول سكينه وذهب إلى مسكن الآخر ووجه إليه طعنة فتسببت بجرح قطعى فى يده.

وتمكن أهل الخير من فض النزاع قبل تطور الأحداث، خاصة أن أخوة بشوى - جرجس خريج الهندسة الذى يقضى فترة تجنيده وبولا الأصغر سنًا من بشوى – نزلوا من المنزل مهرولين خلف أخوهم الذى استل السكين وخرج فى رحلة كادت تكون بلا عودة.

وحال وجود أبو سعد دون تطور المشكلة حيث استطاع السيطرة على ابنه وإدخاله إلى المنزل وإغلاق الباب.. و"يا دار ما دخلك شر"، وكان من المفترض أن تنتهى الأحداث عند هذا التوقيت إلا أن...

شياطين الإنس

01

ورغم أن الشياطين فى إجازة، إلا أن شياطين الإنس كانت حاضرة وبقوة، عندما بدأ العند والكبرياء بين بشوى وعبده دقدق، حول إذا ما كان تعدى عليه الأول أثناء شجاره مع سعد، ما فهمه الأول على أنه "جر شكل"، فتجاوب معه وبدأت حكاية أخرى.

تبادلا اللكمات والسباب وشد وجذب، تمزقت ملابس الاثنين، وحضر أخوة بشوى متأخرين، فظنا أن أخاهم يتعارك مع عبده فقط، لأنهم لم يشاهدوا سعد الذى أغُلقت عليه الأبواب وانتهى دوره، فتطورت الأحداث.

وتحرك الجَمع بكل أفراده حتى منزل عبده، حيث وجِهت إليه ركلة أسقطته أرضًا، أمام أعين والده وأخاه وعمه، الذين كانوا يقفون فى شرفات المنزل لمشاهدة أطراف المشكلة.

ما هى إلا لحظات وزادت المعركة سعيرا، بين العائلتين، ووجه بشوى لعم عبده طعنة نتج عنها جرحا سطحيا فى كتفه، وتلقى الأول مجموعة من الكدمات صنعتها العصا فى أيدى عائلة دقدق، ولاقى الجميع "جراح سرعة" - جروج متفرقة من الحركة العشوائية للأسلحة البيضاء فى أيدى المتشاجرين - ناتجة من آلات حادة صغيرة فى يد جرجس وبولا.

المحطة الثالثة

04

وانتقلت المشاجرة فى محطتها الثالثة إلى أمام منزل بشوى وأخوته، واستطاع والدهم وأهل الخير - رغم الصيام والحر – أن يوقفوا المشاجرة عند هذا الحد، وأغلق الرجل الباب على أبنائه الثلاثة، وأخذ يهدئ من روع الناس المتجمهرين أمامه.

وبينما هو واقف مع الناس تفاجئ برمى الحجارة والزجاج عليهم من أعلى سطح الدور السادس لمنزله، فتبين شهود العيان أن بشوى وبولا هم الفاعلين غير مهتمين بالخطورة على والدهم من أثر سقوط أى حجر أو زجاج عليه.

تستر الناس فى المحلات وأسفل العقارات "تحت البلكونة"، ولكنها لم تنمنعهم من طلقات الخرطوش من طبنجة فى يد جرجس بالطابق الثانى من العقار، واستبدلها بـ "فرد روسي" بعد تعطلها، والذى استبدله بعد نفاد الذخيرة، ورغم أنه يؤدى فترة تجنيد، إلا أنه لم يستطيع أن يسيطر لا على نفسه ولا على البندقية الآلى فى يده.

حصاد الموت

رشاش-طلق-نار-اشتباكات_0

استقبل الواقفون أسفل العمارة، وابلًا من طلقات الخرطوش، أعقبها طلقات رصاص من السلاح الآلي تجاه الأهالى وهم يهرولون، على أثرها تعددت الإصابات النارية بين متوسطة وخطيرة، وأصيب سليم، صاحب ورشة خراطة، بطلقة فى رقبته أسفرت عن نافورة من الدماء.

وأثناء دخوله منزله هربا من الرصاص، أصيب "عثمان" بطلقتين: واحدة فى الكتف وأخرى فى الظهر، فسقط قتيلا صائما، فى الوقت التى كانت فيه زوجته تحضر الإفطار، لتدخل فى صيامًا طويل بعد اغتيال زوجها.

ولا أعلم ما الدافع لأن تقتل شخص يجرى أمامك ولم تكن بينك وبينه ضغينة؟، أهو إرهاب الناس وحب القتل، أم استعراض القوة على أنها غابة تكون الغلبة فيها للأقوى.

وما الدافع لأن تتوفر كل هذه الأسلحة فى منزل؟، نعم.. أعلم أن القانون لا يعنى العدل، وأعلم أن القانون تحول من وسيلة لتحقيق العدل بين الناس، إلى ميدان لإظهار المهارات فى إبطال الحق وإحقاق الباطل، من أجل حفنة جنيهات فى زمن عز فيه الشرف.

الداخلية

[caption id="attachment_37001" align="alignnone" width="800"]الشرطة المصرية الشرطة المصرية[/caption]

وتمكنت قوات الأمن من قسم شرطة الخصوص من السيطرة على مجريات الأحداث، وضبط الجناة، وبحوزتهم الأسلحة الثلاثة: طبنجة خرطوش وفرد روسى وبندقية آلى، رغم محاولة إخفاء السلاح فى أحد أجولة الرمل بالعقار المجاور، وضبط جميع من كانت له صلة بالحادث.

وفى النيابة.. وجه السؤال لسعد وبشوى، لماذا تشاجرتما؟، فكانت المفاجأة، عندما قال سعد ابن الـ19 عامًا، طويل القامة عريض الكتفين: "طلب منى بشوى أن أؤدى دور أمين شرطة بصحبة مجموعة أخرى، لضبط آثار بحوزة شخص يعرفه بشوى، واصطحبنى إلى الحلاق لكى أحلق ميرى، واشترى لى علبة سجائر، ولكنى تراجعت عن الموضوع بعد سؤال أحد كبار الحى، الذى حذرنى من خطورة ذلك على مستقبلى وحياتى، فحدثت المشاجرة!!".

وبمواجهة بشوى، اعترف بما أقره سعد، وتم ضبط الشخص الثالث وبحوزته الآثار، حسب رواية أهل الحى.

القانون وثغراته

02

وسألت "دار المعارف"، أحد المحامين،حول الدفوع القانونية فى حالة الدفاع عن المجنى عليه وفى حالة الجانى فقال: "أن هذه الحالة يسمى فى القانون حيد عن الهدف، أى أنه خرج قاصدًا قتل شخص، وقتل شخص غيره، ضمن الظروف الاحتمالية، وهذا يندرج تحت القتل العمد، بالإضافة إلى أن حيازة السلاح والتى غلظ القانون عقوبتها إلى المؤبد، كما توجه تُهم القتل إلى الإخوة الثلاثة بالاشتراك والمساهمة والشد من الأزر، أى أنهم دفعوا بعضهم نحو ارتكاب عدة جرائم قتل".

ومن جهة أخرى، أكد أن الدفوع القانونية لدى محامى الجانى، سوف تتركز فى تحريات المباحث حول الواقعة، وبحث ظروف المشاجرة وتطوراتها، واٌقوال واعترافات المتهمين على بعضهم البعض، وشهادات الشهود، أى أنه سيبنى دفاعه على إجراءات القضية، وإمكانية وضع الجناة تحت حالة الدفاع عن النفس خاصة أنهم أمام منزلهم، أو حالة عدم الاتزان، والفيصل هو تحريات المباحث، وهذا شئ مختلف عن الأقوال فى النيابة.

ووتدخل البعض ليعرضوا على أهل "عثمان" المال الكثير، ضمن حلقة جديدة من سلسلة إهدار العدل والدم، إلا أن أهله لا يهمهم مال، أو عدة عقود لممتلكات من حطام الدنيا، فهو فى قبره قادرا على أن يفعل ما لا يستطيع أن يفعله كثيرا من الأحياء، نظرًا لغنى أهله وطيبة خاطرتهم، والذين تعهدوا بعمل الكثير من الصدقات على روحه الطاهرة، خاصة أنه وحيد أبويه.

قاضيان فى النار

[caption id="attachment_35534" align="alignnone" width="800"]محكمة محكمة[/caption]

ليست مسألة مال ولكنها مسألة عدل.. فالعدل يا سادة هو الجنة المفقودة فى عالمنا المليئ بدوى طلقات الموت التى تحصد أرواح العباد فى جميع البلاد، فى حضور قضاءًا قال عن نفسه إنه شامخ، وبرلمانيين زعموا أنهم نواب للشعب، وحقيقة الأمر أنهم قضاة الجانى ونواب القاتل إلا من رحم ربى.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة. رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى الحق فذلك في الجنّة. رواه الترمذي.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2