لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: نحن في زمن كورونا
لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: نحن في زمن كورونا
نحن نعيش هذه الأيام في زمن كورونا، الذي يمثل نقطة، فاصلة، في تاريخ الإنسانية، سيؤرخ لأحداثها بما قبل كورونا، وما بعد كورونا، وسنعتاد سماع تعليقات من نوع "ده كان زمان قبل كورونا، دلوقتي الدنيا اتغيرت"، فلقد أثرت أزمة كورونا، على كل دول العالم، دون تمييز بين دول العالم الأول، أو الثاني، أو الثالث.
أثرت كورونا على جميع مناحي الحياة؛ سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، ودينياً، فوقعت أحداث، في زمن كورونا، لم يكن أحد يتصور حدوثها، أو يتخيل معاصرتها، فكم منا توقع أن تُعلق الصلاة في الحرمين الشريفين؛ المكي والنبوي، أو في أولى القبلتين، وثالث الحرمين؛ المسجد الأقصى، في توقيت واحد ... لكنه زمن كورونا! من منا تخيل أن تُغلق دور العبادة، الإسلامية، والمسيحية، واليهودية، في معظم أرجاء العالم ... لكنه زمن كورونا! من تخيل أن نشر القوات العسكرية، في معظم عواصم، ومدن العالم، لفرض حظر التجوال، أو لأغراض التأمين، أو للمساعدة في التصدي لانتشار الفيروس ... لكنه حدث في زمن كورونا!
من منا كان يتصور أن يلتزم جميع أفراد الأسر، وليست الأسرة المصرية، فقط، بالبقاء في منازلهم، طوعاً، أو جبراً، لأسابيع متتالية، دون القيام بالواجبات الاجتماعية، وزيارة الأقارب والأصدقاء ... لكنه حدث في زمن كورونا. هل كان هناك من يصدق أن يأتي يوم لا يتمكن فيه الأبناء من زيارة أهاليهم، والاحتفال بأمهاتهم في عيدها، مكتفين بالاتصالات التليفزيونية، وما تتيحه وسائل التكنولوجيا الحديثة، حرصاً على سلامتهم، من الإصابة بهذا الفيروس اللعين ... لكنه حدث في زمن كورونا. من منا تصور أن يعاصر فترة إطلاق أكبر عدد من الأخبار الصحفية المفبركة، أو "الإشاعات"، في تاريخ البشرية، وفقاً لتقرير شبكة CNN الإخبارية، والتي حدثت في زمن كورونا!
هل كان منا من يتخيل تأجيل جميع الأنشطة الرياضية في العالم، إلى أجل غير مسمى، بما فيها الأولمبياد، ومباريات، وبطولات، الساحرة المستديرة، ليس في بلد واحد بل في كل العالم ... لم نر ذلك يحدث من قبل إلا في زمن كورونا. هل تصور أي منا، يوماً، أن تعلق كافة الأنشطة الثقافية، والفعاليات الفنية، في معظم، أو كل، أركان العالم، فتتوقف دور الأوبرا، ودور السينما، والمسارح، وتلغى المهرجانات، والمعارض الفنية، في توقيت واحد، دون تحديد مواعيد بديلة ... نعم أننا في زمن كورونا.
هل تخيلنا يوماً أن تعطل العملية التعليمية، بكافة مراحلها، فتتوقف المدارس، والمعاهد، والجامعات، ومختلف منظمات العلم، في العالم كله، ويتم اللجوء، فجأة، لمنصات التعليم الإلكترونية، لاستكمال الفصل الدراسي الثاني، مع تجاوب، ومرونة من جميع القائمين على المنظومة، سواء المدرسين، أو الطلاب، أو الأهالي الذين تحملوا مسئولية المتابعة ... لقد حدث كل ذلك لأننا في زمن كورونا.
من منا تصور معاصرة تلك العزلة، بين الدول، التي فرضتها ظروف تعليق حركة الملاحة الجوية، والبرية، والبحرية، فتوقفت أنشطة السفر، وخوت الموانئ من وارديها؛ المحليين، والدوليين. هل تخيل، أي منا، في يوم من الأيام، أن تخلو شوارع عاصمة النور، باريس، من زوارها، أو أن تخلو شوارع روما من محبيها، أو أن تخلو معابد الأقصر من عشاقها، الذين كانوا يتوافدون عليها في هذا الوقت من العام ... مع الأسف حدث ذلك في زمن كورونا.
هل توقع أحدنا أن يشهد الصدمات التي تتعرض لها اقتصادات الدول السبع، العملاقة، في آن واحد، وتبعاتها على اقتصادات دول مجموعة العشرين الكبرى، الذين عقدوا اجتماعهم السنوي، منذ أيام قليلة، باستخدام خاصية "الفيديو كونفرانس"، تفعيلاً للإجراءات الاحترازية الواجب اتباعها، للحد من انتشار الفيروس، خاصة بعد إعلان إصابة عدد من رؤساء الحكومات، والوزراء بذلك الفيروس. وناقشوا، خلال ذلك الاجتماع الافتراضي، المستجدات، الخطيرة، على أوضاعهم الاقتصادية، والتي ستنعكس على باقي دول العالم ... حدث هذا في زمن كورونا! هل توقع أحدنا أن يشهد حرباً كلامية، كتلك التي نشهدها بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حول مسئولية كل منهما، من وجهة نظر الأخرى، عن انتشار ذلك الفيروس، وأن يكون لتلك الحرب الكلامية، آثار، فورية، على تدهور جميع بورصات العالم، بلا استثناء ... حدث لأننا في زمن كورونا.
أسرد بعض تلك الأحداث، التي ستبقى علامة فارقة في التاريخ الحديث، تميز ما حدث قبل كورونا، عما سيكون عليه العالم، بعد كورونا، داعين المولى، سبحانه وتعالى، أن يكشف عنا تلك الغمة، في أسرع وقت، وألا تمتد خسائرها، لما يستدعي سنوات طوال لاحتوائها. وهو ما يستلزم، من جميع المواطنين، في كافة أنحاء العالم، ضرورة الاستمرار في الالتزام بالإجراءات الاحترازية، والتعليمات الوقائية، والقرارات التي تصدرها الدول والحكومات، للحد من انتشار الفيروس، والتي تستهدف، في المقام الأول، مصلحة المواطن، بما يسمح لقطاعات الرعاية الصحية، في كل الدول، من التعامل معه.
وقبل أن أنهي كلماتي، أتوجه بجزيل الشكر، وعميق الامتنان، لجميع العاملين في قطاع الخدمات الصحية؛ أطباء، وممرضين، وفنيي معامل، وغيرهم الكثيرون من الجنود المجهولة، الذين يمثلون خط الدفاع الأول في كل دول العالم، للحفاظ على حياتنا، وأخص بالشكر المصريين منهم، وجميع القائمين على إدارة تلك الأزمة في مصر، الذين سبقوا بخطوات للتمكن من التصدي لهذا الوباء ... في زمن كورونا!