كتب: على محمود
قبل عامين كان يسكن ولاية راخين (أو ما كان يسمى أراكان)، التى تقع على الساحل الغربي لدولة ميانمار نحو أربعة ملايين نسمة، ينتمون عرقيا لقبائل الروهينجا وغالبيتهم مسلمون، ويتحدثون الروهنجية والعربية، وينحدرون من أصول هندية.
وتقول الروايات التاريخية إن الإسلام وصل إلى منطقة راخين في ميانمار خلال القرن السابع الميلادي مع قدوم التجار العرب، ثم تتابعت الوفود الإسلامية إليها من أنحاء المعمورة، فأقبل عدد كبير من الناس على اعتناق الإسلام.
وتشير أيضا الروايات التاريخية أن المسلمين قد واجهوا الاستعمار البريطاني بقوة مما أوغر عليهم صدور البريطانيين، فعمدوا إلى تحريض البوذيين على المسلمين وأمدوهم بالسلاح، فارتكبوا مذبحة قتلوا فيها نحو مائة ألف مسلم في راخين سنة 1924، ومنذ هذا التاريخ وإلى اليوم تتكرر المذابح ضد مسلمى ميانمار وخاصة ساكنى ولاية راخين من الروهينغا، حيث ترى الأمم المتحدة أن هم الأكثر اضطهادا في العالم، وتقول تقارير دولية إنهم أكثر الأقليات عرضة للانقراض.
إحصائيات
وتكشف إحصائيات الأمم المتحدة أيضا أن 65 ألفا - على الأقل - من المسلمين الروهينجا فروا من بورما إلى بنجلادش، ثلث هذا العدد على الأقل خرج فى شهر يناير الماضى، على أثر عملية بدأها الجيش البورمى فى شهر أكتوبر من العام الماضى فى ولاية راخين (غرب) ردا على مهاجمة مسلحين لمواقع حدودية، والذى قام بتنفيذ هذا الهجوم مجموعة غامضة تدعى "يقين"، ومنذ هذا الوقت، قدّرت مصادر أن أكثر من ألفى من المدنيين المسلمين قُتلوا في بورما، وفي الوقت ذاته، فرّ عشرات الآلاف من الروهينجا إلى البلد المجاور، بنجلاديش، حيث سبقهم العديد من اللاجئين الذين فروا منذ أحداث 2012 ولم يُسمح لهم بالعودة إلى بلدهم الأم.
وفي خضم هذه الأحداث، تظهر زعيمة المعارضة في بورما، "أون سان سو تشي"، عاجزة أمام موجة العنصرية التي يمارسها الجيش على الروهينجا، ولعل خير دليل على ذلك، هو حادثة اغتيال مستشارها المسلم في مطار العاصمة، في 29 يناير الماضى، في ظروف لا تزال غير واضحة، الأمر الذي يثبت هشاشة النظام في ظل هذه الأزمة.
ظهور داعش
من جهة أخرى، وفي إطار مواجهة معارضي قضية الروهينجا، فوضت "أون سان سو تشي"، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، ليكون على رأس لجنة استشارية للنظر في المسألة، وفي الأثناء، دخل تنظيم "داعش" على الخط استغلالا للإبادة الجماعية التى يتعرض لها الروهينجا.
في هذه المرحلة، يبدو أنه من المستحيل تحديد طبيعة العلاقة بين تنظيم الدولة و مجموعة يقين البورمية التي ظهرت على الأرجح نتيجة تلاعبات أكثر قتامة، لكن المؤكد أن "داعش" موجود بالفعل في بنجلاديش قريبا من ميانمار، على الرغم من نفى سلطات بنجلاديش لذلك.
وفي ظل الدعاية التي يقودها التنظيم، بغية التنديد بالصمت الدولي أمام تعذيب السكان المسلمين في المنطقة، تبدو مجموعة "يقين" الغامضة على أهبة الاستعداد لحشد صفوفها ضمن المتطرفين، لتتوفر بذلك كل الظروف الملائمة لكي يُثبّت التنظيم قواعده في بورما.
إغلاق معسكرات اللاجئين
وقبل شهر من الآن تقريبا بدأت السلطات فى ميانمار مصادرة المخيمات التى تضم اللاجئين، كبداية لحملة من جانب حكومة "أونج سان سو كي" الحاكمة فى ميانمار لإغلاق جميع هذه المخيمات في راخين في غضون خمس سنوات، بناء على توصية من لجنة برئاسة رئيس الأمم المتحدة السابق كوفي عنان.
لكن خبراء فى مجال حقوق الإنسان انتقدوا بشدة الإغلاق المؤقت لمخيمات اللاجئين، والطريقة التي بدأت بها الحكومة التي يقولون إنها تشكل سابقة مقلقة للتعامل مع مخيمات أكبر بكثير في أماكن أخرى في راخين حيث لا يزال عشرات الآلاف من الناس يعيشون.
وقال مارك كوتس رئيس مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة فى ميانمار إنه بدون بذل المزيد من الجهود لتحقيق السلام والاستقرار فى راخين فإن إغلاق المعسكرات سوف يكون مجرد نقل المشكلة إلى مكان آخر".
حكايات الجوع
وفى حكايات أو قل مآسى اللاجئين تحكى "نوي نوي أو" أرملة بالغة من العمر 50 عاما، كانت تعيش في مخيم المهجر للنازحين منذ ذبح راخين بسبب العنف الطائفي في عام 2012، أنه بعد انقضاء شهرين من إخراجها من مخيم اللاجئين، فأنها تنفق أكثر من نصف المنحة التى تسلمها لها الحكومة فى استئجار غرفة تبلغ مساحتها 8 أمتار مربعة، ومع قلة فرص العمل وتكاليف المعيشة المرتفعة، فإنها تكافح لإطعام ابنتيها في مدينة غريبة تبعد 500 كيلومتر من حيث كانت تعيش فى "راخين".
لقد غادرت إلى مركز يانجون التجاري مع منحة حكومية بقيمة 590 دولارا في جيبها، هربا من الاضطهاد ضد الأقلية المسلمة وبدء حياة جديدة، وتسأل "نوي نوي و": "ما الذي نأكله بعد نفاد المال؟ نحن جميعا قلقون جدا، ولا يمكنني العثور على وظيفة هنا".
ولم يكن لدى الأرملة "أو" خيارا يذكر في الانتقال إلى يانجون، بعد أن أمرت السلطات بترحيل السكان المسلمون الـ 128 الذين كانوا يسكنون المخيم فى مدينة رامرى الساحلية فى جنوب راخين قبل تفجر أعمال العنف.
فى حين أعلن المتحدث باسم حكومة ولاية راخين "ليس لدينا ما يكفي من قوات الشرطة لمنع وقوع أعمال عنف مرة أخرى"، مضيفا "لهذا السبب نسمح لهم بالانتقال إلى أماكن أخرى كما يريدون".
وبقى أن تعرف أن هذه الأرملة مسلمة لكنها لا تنتمى للروهينجا ولكن تنتمي إلى أقلية كامان المسلمة، التي يحمل أفرادها جنسية ميانمار ويعترف بهم رسميا كمجموعة عرقية، وذلك على خلاف مسلمي الروهينجا الذين يسكنون شمال راخين.
تفرقة عنصرية
وعلى النقيض من المسلمين في كامان، أعادت الحكومة في شهر أبريل توطين ما يقرب من 300 من البوذيين من أصل راخين، وشردوا في النزاع نفسه، إلى 65 منزلا في منطقة "كيوك بيو" المجاورة، وفقا لما ذكره المسؤولون المحليون والسكان، وعرضت كل أسرة حوالي 300 دولار لاستيطان منازلهم التي بنيت حديثا مع أنظمة المياه والكهرباء والصرف الصحي.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إنه إذا لم يسمح للكامان بالعودة إلى مواطنهم الأصلية فليس هناك أدنى احتمال لايجاد حل عملي لمسلمي الروهينجا عديمي الجنسية الذين لا يزالون يعيشون فى مخيمات فى راخين.