ماجد بدران يكتب: مذابح الأتراك ضد الأرمن لا تسقط بالتقادم

ماجد بدران يكتب: مذابح الأتراك ضد الأرمن لا تسقط بالتقادمماجد بدران يكتب: مذابح الأتراك ضد الأرمن لا تسقط بالتقادم

*سلايد رئيسى11-4-2020 | 10:37

حقائق التاريخ ثابتة كمعالم الجغرافيا، وهو ما ينطبق على مذابح الأرمن التى سجلت كواحدة من أسوأ الجرائم ضد الإنسانية، وتحل ذكراها الخامسة بعد المائة يوم الرابع والعشرين من أبريل. ورغم مرور أكثر من مائة عام على تلك الأحداث المأساوية إلا أنها تلقى بظلالها على علاقات تركيا الخارجية، حاملة فى طياتها آلام ومعاناة الشعب الأرمينى الذى تعرض بشكل ممنهج للقتل والتهجير على يد القوات العثمانية، بسبب الشك فى دعمهم لروسيا أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918). حيث قدر عدد قتلى الأرمن بنحو مليون ونصف مليون أرمينى، بينما تقول تركيا إن أعداد الضحايا تتراوح بين 300-500 ألف، وتقول إنهم سقطوا نتيجة حرب أهلية، كما ترفض استخدام لفظ إبادة أو مذبحة. ويتوافق رأى معظم مؤرخى القرن العشرين على أن ما حدث هو مذبحة وإبادة جماعية، وذلك باعتراف أكثر من 20 دولة حول العالم، من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا. وقد بدأت إبادة الأرمن فى عهد السلطان عبد الحميد الثانى حيث ادعت الدولة العثمانية أن روسيا أثارت الأرمن الروس المقيمين قرب الحدود، وزعمت أن هذه الجماعات حاولت اغتيال السلطان عام 1905. وإثر ذلك هجرت الدولة العثمانية بين عامى 1915-1917 أكثر من مليون أرمينى لتبعدهم عن الحدود، وتم التهجير والترحيل القسرى فمات مئات الآلاف من هؤلاء فى ظل ظروف قاسية، حيث سار الأرمن على أقدامهم دون طعام أو شراب إلى حلب، وتسابق المتوحشون من الميليشيات العثمانية إلى بقر بطون الحوامل من النساء وقتل من يتوقف عن السير طلبًا للراحة. وقد أصدر الشيخ سليم البشرى شيخ الأزهر فتوى عام 1909 تحرم قتل الأرمن، ووجه رسالة للمسلمين فى تركيا بأن يتقوا الله فى كافة الرعايا من كافة الأديان، بينما جمعت المدن المصرية أموالاً لرعاية المهجرين من الأرمن الذين فروا من التهجير الجماعى والمذابح ولجأوا إلى مصر. وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى بحث المؤرخ أرنولد تويتبى ووزارة الخارجية البريطانية، بما يفيد بأن 600.000 أرمينى ماتوا أو ذبحوا أثناء الترحيل، غير أن هذا الرقم لا يمثل سوى السنة الأولى للإبادة الجماعية. وتشير وثائق نشرها فرنسيون وألمان إلى أن عدد الأرمن الذين عاشوا فى الدولة العثمانية قبل عام 1915 بلغ مليونا و700 ألف نسمة قبل بداية الحرب، وانخفض هذا العدد إلى 284 ألفا بعد عامين فى 1917، ما يؤكد حدوث الإبادة الجماعية. وقد أثار الإنجليز لأول مرة مسألة مذابح الأرمن مع دخولهم إسطنبول فى نوفمبر 1919، إذ قبضوا على عدد من القادة الأتراك لمحاكمتهم، غير أن معظم المتهمين هربوا أو اختفوا فحكم عليهم بالإعدام غيابيًا، وبعد عقود اعترفت 20 دولة و42 ولاية أمريكية رسميًا بوقوع المذابح كحدث تاريخى، كما اعترفت الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى ومجلس الكنائس العالمى، بينما تصر تركيا على أن سبب وفاة الأرمن ظروف الحرب والتهجير. ويذكر أن هناك أكثر من 135 نصبا تذكاريا موزعة على 25 بلدا، تخليدًا لذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، وفى العام الماضى أعلنت فرنسا يوم الرابع والعشرين من أبريل يومًا وطنيًا لتخليد ذكرى المذابح التى قام بها الأتراك خلال الحقبة العثمانية ضد الأرمن، وجاء الإعلان فى بيان ألقاه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وعلى مدار سنوات أصدر رؤساء الولايات المتحدة بيانات لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية. ورغم اعتراف تركيا بالإبادة الجماعية بين عامى 1919-1920 وإلقاء القبض على الجناة من الضباط الأتراك، إلا أنها تراجعت عن ذلك مع ظهور الحركة القومية التركية التى أصدرت عفوًا عامًا بحق الجماة، ومنذ ذلك الحين فإن جميع الحكومات التركية اعتمدت سياسة الإنكار ورفض الاعتراف بالإبادة الجماعية، ولا يزال نظام أردوغان ينكرها ويتنصل من مسئولية الدولة العثمانية حيالها، وقامت الشرطة التركية بمنع محتجين باسطنبول من إحياء ذكرى مجازر القرن العشرين وقامت بحملة اعتقالات ضدهم. إن أردوغان الذى يسعى لعودة الخلافة العثمانية بكل ما شملت من احتلال وتهجير وحكم مطلق للسلاطين، يتشبه بأسلافه السلاطين ويرتكب كثيرًا مما ارتبكوه، ومن ذلك ما يرتكبه اليوم فى شمال سوريا، فينتقم من السوريين بهدف طردهم واحتلال أرضهم، وسوف يدين التاريخ أردوغان على ما يرتكبه فى سوريا، كما أدان أسلافه على ما ارتكبوه من مذابح فى حق الأرمن، فالمذابح الإنسانية جرائم لا تسقط بالتقادم.
أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2