د. قاسم المحبشى* يكتب: من يوميات الحجر الصحي. مأزق المصافحة

د. قاسم المحبشى* يكتب: من يوميات الحجر الصحي. مأزق المصافحةد. قاسم المحبشى* يكتب: من يوميات الحجر الصحي. مأزق المصافحة

الرأى22-4-2020 | 11:00

أمس اتصل بي صديق يمني قبيلي، تقطعت به السبل هنا في القاهرة بعد أزمة فيروس الكورون، كوفيد ١٩. وقال: اريد ازورك في شقتك. قلت له: أهلا وسهلا تشرف. جاء وفتحت له الباب وأنا حذرا هههههه فإذا به يبسط ذراعية بغرض المصافحة على طريقة القبائل العربية بالأحضان والأكتاف والكفوف. تراجعت ثلاث خطوات إلى الخلف وقالت له: التحية بالقلوب! إيش أنت ما عارف اليّ صاير بالعالم قال: إيش ما تشتي تصافحني؟ يا عيباه! هذا الذي كان باقي بين الناس؛ المصافحة؟ قلت له: هدي أعصابك وادخل واجلس بهدو فوق الكنبة وأنا أفهمك.
جلس على مضض ودمه يغلي بالغضب. فقدمت له كوب قهوة مع الماء والتمر. فأخذت اشرحه الأمر. ولكنه لم يقتنع البتة. وقال الأعمار بيد الله هذا الكورونا الذي جالسين يخوفنا به من أعمال اليهود والنصارى يريدون تدمير الإسلام والغرض من كرورنا هو إغلاق مكة المكرمة ومنع الناس من الصلاة بالمساجد وتخريب العادات والتقاليد العربية الأصيلة واخرتها السلام والمصافحة بين الناس! نحن نؤمن بالله الواحد الأحد ولا نشرك معه أحد.
أيش هذا كورونا الذي يمنع الصلاة والصفاح ويتحكم بالموت والحياة هذا شرك بواح بالله اتقوا الله في أنفسكم وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. حاولت تفهيمه أن الأوبئة ليس لها علاقة بالأديان والكفر والإيمان والتوحد والشرك. والفيروسات لا تميز بين الكائنات الحية منذ أن خلقها وخلقنا الله من أديم التراب. وقد نصحنا نبينا الكريم بالأخذ بالأسباب التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يمنع من الأخذ بالأسباب فالمؤمن يتخذ الأسباب من باب الإيمان بالله وطاعته فيما يأمر به من اتخاذه ففي جانب الأسباب يقول الله تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ” (النساء: 71).
ورغم كل محاولتي في إقناعه بمنطقه هو منطق القرآن الكريم والسنة النبوية الإ انه لم يقتنع وبأت كل محاولاتي بالفشل الذريع. خرج غاضا وقال لن ازورك مرة أخرى. وهكذا عطل الفايروس المستجد فكرة الفرد ككيان أخلاقي، وحوله إلى رقم، أو حالة جسدية حيوانية يبقى مشكوكا في أنها حاملة للعدوى، وتؤكد ذلك الإجراءات المتخذة مثلا في المطارات حيث يتعامل مع الناس على أنهم أجسام مشكوك في حملها للفايروس، لا يهم اسمك أو لون عينيك أو بشرتك أو حتى لغتك وابتسامتك ورائحتك، لا تهم أفكارك أو حتى حدود جسدك التي تنتهكها أجهزة قيس الحرارة وغيرها، دون مراعاة لأدنى عامل أخلاقي. ذلك أنّ "الفيروس" (virus) الذي يكمن وراء المرض في كل مرة، أكان الجسد حيوانيّا أو "بشريّا"، إنّما يسخر من كلّ هذه التصنيفات الأخلاقية، ويصيب كلّ أشكال الحياة بوصفها مجالا حيويّا خاصا به. الفيروس إذن يهدم الجدران الثقافية التي بناها الإنسان التقليدي من أجل أن يفصل "نفسه" (ادّعاءه الهووي) عن بقيّة الكائنات "الحية" حسب ترتيب أخلاقي لم يعد له اليوم ما يبرّره. ولأوّل مرة، في عصر الفيروسات، صار الجسم البشري هدرا عضوّيا أمام كل أنواع الهجومات الحيوية، من منطقة "خارجة" بمعنى ما، دون أن يكون "الخارج" (outside) خارجيا (exterior) دوما. بحسب المفكر العربي فتحتي المسكيني. فكيف يمكن التعامل مع القيم والعادات الثقافية الراسخة يا أولى الألباب؟
* أكاديمى وشاعر وأديب يمنى

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2