إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: يا عزيزي كلنا متخلفين!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: يا عزيزي كلنا متخلفين!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: يا عزيزي كلنا متخلفين!

*سلايد رئيسى22-4-2020 | 17:16

ولا أستثنى منكم أحد حتى نفسى.. ذلك أننا جميعا نمارس التخلف بدرجة أو بأخرى أو على الأقل.. مارسناه بدرجة أو بأخرى!.. فى أوائل الثمانينات سافرت إلى العاصمة الإيطالية روما.. وعن طريق البرامج السياحية التى تنظمها إدارة الفندق الذى أقيم فيه.. قمت برحلة قصيرة زرت خلالها ميناء نابولى ومصيف كابرى الذى كان يقيم فيه الملك فاروق بعد خروجه من مصر.. كان مقررًا أن يتحرك الأتوبيس الذى سنستقله من أمام الفندق فى تمام السابعة صباحا. طلبت من موظف الاستقبال إيقاظى فى السادسة صباحا لكى يتاح لى قبل ركوب الأتوبيس أن أتناول إفطارى وأشرب قهوتى وأدخن سيجارة أو إثنين.. وكنت أيامها من المدخنين.. لعن الله السيجارة ومن اخترعها. استيقظت فى الموعد المحدد لكنى غفوت قليلا وإذا بى أستيقظ قبل موعد تحرك الأتوبيس بدقائق قليلة فأسرعت بارتداء ملابسى وانطلقت للحاق به.. بدون إفطار وبدون قهوة وبدون سجائر!.. داخل الأتوبيس شعرت بضيق فقلت لنفسى على الأقل أدخن سيجارة أستعين بها فى أن أفيق.. كنت أعلم أن التدخين ممنوع داخل الأتوبيس لكننى قلت لنفسى إن سيجارة واحدة لن تضر الركاب!.. أشعلت سيجارتى وتناولت منها نفسًا واحدًا لم يتاح لى غيره!.. توقف الأتوبيس فجأة ووجدت السائق يترك مقعده ويندفع إلىَّ حيث أجلس ومعه المرشد السياحى.. ثم وجدت عددًا من الركاب يتركون مقاعدهم ويتحركون هم الآخرين ناحيتى.. وسمعت أصواتًا حادة وعالية لم أفهم منها كلمة.. فليس لى أى علاقة باللغة الإيطالية.. لكننى كنت متأكدًا أن ما أسمعه من أصوات حادة وعالية لا يحمل أى خير أو مشاعر طيبة نحوى!.. أطفأت سيجارتى مرغمًا وأنا فى منتهى الضيق والغضب من تصرف السائق والركاب!.. واليوم وبعد مرور كل هذه السنوات أشعر بالخجل من تصرفى أو بمعنى أصح من تخلفى.. كيف تصورت أننى كنت على صواب وأن الآخرين هم المخطئين.. لكننى فى الحقيقة كنت معذورًا فقد أتيت من مجتمع غارق إلى أذنيه فى التخلف فيما يتعلق بهذه المسألة!.. كان مسموحًا ومألوفًا ومتعارفًا عليه أن يدخن المصريين فى كل الأماكن بدون قيود.. فى المسارح ودور السينما ووسائل النقل المختلفة.. حتى فى العيادات والمستشفيات. وأظننا نتذكر كيف كانت أتوبيسات النقل العام مزدحمة وكأنها علب سردين.. ومع ذلك كان بعض الركاب يدخنون براحتهم ويضايقون الركاب بدخان سجائرهم ويتسببون فى إضرار لملابسهم.. لكنهم كانوا يدخنون. وكان من الطبيعى وسط هذه الأجواء المتخلفة أن يقاوم الناس القيود التى فرضتها الحكومة على التدخين فى وسائل النقل والأماكن العامة المغلقة.. وأظن أننا احتجنا سنوات طويلة للتخلص من هذا التخلف.. وإذا كانت هناك أسبابًا عديدة للتخلف فإن واحدًا من أسباب هذا التخلف فى مصر والعالم العربى عمومًا.. المعتقدات الدينية الفاسدة والأفكار الدينية المغلوطة.. والأمثلة كثيرة.. كنا نناقش يومًا قضية التعامل مع الأطفال الذين يستخدمون أيديهم اليسرى فى الأكل والكتابة.. عندما تدخل واحد من الحاضرين وكان يعمل مهندسًا وقال: يجب أن نضرب أطفالنا بقسوة إذا استخدموا أيديهم اليسرى وعندما حاولنا إفهامه خطأ مثل هذا التصرف قال بحدة: يا أخوانا استخدام اليد اليسرى حرام.. أنا شخصيا لو امتدت يدى اليسرى إلى طعامى.. قطعتها!!! وأتذكر يومًا تناقشت فيه مع مدرسة عن تكليفها بالمراقبة فى لجان الثانوية العامة.. قالت لى مساكين هؤلاء الطلبة وأهاليهم مساكين أكثر منهم.. والحمد لله ربنا بيقدرنى وأتركهم يغشون الإجابات الصحيحة رحمة بهم وبأهاليهم!.. وعندما أخبرتها بأن ما تفعله هو الحرام بعينه لأنها بتصرفها تتيح لمن لا يستحقون التفوق على من يستحقون.. واختلاس فرصته.. ومازلت أتذكر ملامح وجه المدرسة وقد تقمصت شخصية الإمام الشعراوى وقالت لى: يا أخى حرام خلى فى قلبك شوية رحمة (!!) وأتذكر أيضا أننى كنت جالسًا وسط مجموعة من الأقارب والمعارف والأصدقاء نحتفل بعيد شم النسيم ونتناول الفسيخ والسردين والبصل.. دخل شاب جامعى من الأقارب إلى الغرفة التى كنا نجلس فيها وكان من الملتحين وقال بصوت عال: سأتناول الفسيخ لكننى أشهد الله أننى لا أحتفل بما تطلقون عليه شم النسيم!.. لماذا؟!.. رد الشاب الملتحى بحدة.. لأنه عيد يهودى!.. كيف والفراعنة هم أول من احتفلوا به قبل ظهور اليهود.. ويرد الشاب الملتحى بثقة تدعو للدهشة.. لا يا جماعة هو احتفال يهودى.. يحتفل فيه اليهود بموت النبى صلى الله عليه وسلم.. فبعد موت النبى قال اليهود الحمد لله النبى مات.. الآن فقط نستطيع أن نشم النسيم (!!!) وحكت لى طبيبة يوما هذه الرواية.. قالت الطبيبة إنها اتصلت يوما بزميلة مسيحية تهنأها بعيد القيامة.. وعندما كانت تجرى الاتصال كانت هناك زميلة ثالثة تجلس فى نفس الحجرة.. وعلى سبيل المجاملة قالت الطبيبة لزميلتها المسيحية: فلانة موجودة وعايزة تقولك كل سنة وأنت طيبة.. وتناولت فلانة سماعة التليفون وهى تنظر شذرًا لزميلتها وتحدثت همسا.. وعندما أنهت المكالمة التفتت غاضبة لزميلتها وقالت لها بحدة: لماذا تضعينى فى هذا الموقف؟ أى موقف؟!! ردت فلانة بغضب.. اضطررت لأن أقول لها كل سنة وأنت طيبة.. ألا تعرفين أن تهنئة المسيحيين بأعيادهم.. حرام.. منتهى الحرام (!!!) ولم يكن أصحاب كل هذه الأفعال المتخلفة من الجهلاء أو الأميين.. بالعكس كانوا حاصلين على أعلى الشهادات العلمية.. الرجل الذى أبدى استعداده لقطع يده اليسرى إذا امتدت على طعامه.. مهندسا.. والسيدة التى كانت تساعد الطلبة على الغش.. مدرسة.. والشاب الذى لا يريد أن يشارك اليهود فى شم النسيم طالب فى الليسانس بكلية الحقوق.. وأما التى شعرت بالحرج لأنها اضطرت لتهنئة زميلتها المسيحية فهى طبيبة. مهندس ومدرسة وطالب جامعى وطبيبة.. كلهم يشتركون فى صفة واحدة.. التخلف (!!!).. والسبب الرئيسى هو المعتقدات الدينية الفاسدة والأفكار الدينية المغلوطة!.. ولا تزال هذه المعتقدات وهذه الأفكار هى السبب الرئيسى لمعظم التصرفات المتخلفة التى نتعامل بها مع أزمة كورونا!.. لا تزال هذه المعتقدات والأفكار هى السبب الرئيسى لتخلف المتخلفين!.. وماذا نسمى هؤلاء الذين خالفوا قواعد الحظر وأقاموا صلاة الجمعة فى بعض المساجد.. ماذا نسميهم إن لم يكونوا متخلفين؟.. وماذا نسمى هؤلاء الذين خرجوا فى مظاهرة.. يدعون الله ويهتفون بسقوط الكورونا.. إن لم يكونوا متخلفين.. وماذا نسمى هؤلاء الذين يحاولون الضغط على المسؤلين من أجل فتح المساجد فى رمضان للاعتكاف وأداء صلاة التراويح.. ماذا نسميهم إن لم نسميهم متخلفين؟.. وليس معنى ذلك أن المعتقدات الدينية الفاسدة والأفكار المغلوطة هى السبب الوحيد للتخلف.. فالحقيقة أن انعدام الثقافة وليس التعليم يؤدى إلى نفس النتيجة.. التخلف والمتخلفين!.. وكيف لا يكون متخلفا من يتحايل لدخول مقهى يغلق أبوابه على زبائنه؟!.. كيف لا يكون متخلفا من يسمح لأبنائه بحضور درس خصوصى فى جراج عوضا عن السنتر التعليمى؟.. كيف لا يكون متخلفا من يخرج للقاء أصدقائه والجلوس معهم لأنه يشعر بالملل من "حبسة البيت"؟!.. كيف لا يكون متخلفا من يتزاحم أمام محلات الفسيخ لكى لا يفوته الاحتفال بشم النسيم؟.. وكيف لا يكون متخلفا من يستعير من زميله الواقف فى طابور البنك كمامته لكى يسمح له بالدخول؟! يا عزيزى.. كيف لا يكون متخلفا من يلعب مع الأسد ويقف فى وجه قطار؟!!.
أضف تعليق

إعلان آراك 2