وأيْضًا على الأرض ملائكةٌ؛ ولكن سُرعان مايرحلون.. عصافيرٌ صغيرة لا تكبر.. بَضّة المَشَاعر.. نقيّة رفقة وطفولة مسير.. خُلقت لكى بنا
تحلّق؛ وهى تطير وتغرّد.. فتجعلُ الدنيا أغنيّة جميلة..
نفسٌ جميلةٌ؛ القرب منها حُضنٌ كبير.. لا يغلق على عدد.. ولا يكتفى بنوعٍ.. حنانٌ يسع كُلّ أهلّ الأرض.. وحِنيّة نادرة؛ تفوقُ حدود بشر..
فى تلقائيْة؛ تجدُ نفسك تقتفى أثره.. ولجميع ظلاله تتبعُ.. وتتمنّى ألا تفارقه أبدًا.. بل هى النفس البشريّة التى تجعلك بصحبته؛ للجنّة تنشدُ، وإنْ كنت تحيدُ وتتخطّى وتتجاوز..
يسمو بروحك.. ويعلو بطفولة بعيدًا بعيدًا تجاه سماواتٍ؛ لم ترها بجنبات الجسد الفانى..
وإذا بك بجود وكرم ريْاض الملاك الطيّب الخلوق (عاطف عباس) موظف بإحدى الشركات.. لارئيس مجلس إدارة ولا مساعد رئيس شركة ولا مدير عام كبير.. مجرّد إنسان عظيم.. وواحد من أندر ما دخلوا أبواب العمل الوظيفى بشركته.. وتركوا بها عظيم أثرٍ.. وبَيْن نفوس العاملين بها دُرَرٌ من آثار قولٍ وفِعلٍ.. يستحيلُ مَحْوَها ونشهدُ..
إنّه الحُبّ فى الله.. الملاك الطيّب (عاطف عباس).. مَنْ غاب بجسدهِ.. وحَلّ مَوْعده.. ولَبَّ دعوة الحبيب، ولُقا من بالحُبّ رزقه؛ ربّه..
ولحُزن الفقد؛ يتركنا.. ولمرارِ الافتقادِ صبّارٌ يُدثّرنا.. يسرى وماتبقى والعمر وَحْدنا دونه.. فمن بَعْد اليوم يخفّفُ عنّا..
وتجىء المحطة الأخيرة بحَيْاة ذاكَ المخلوق البشرى النادر.. زفّ عُرس.. يقوده ملاك مَوْت..
،،،،،
لم نفارقه يومًا.. مُجرّد معرفة وجوده تتهافت عليه الأحبّة.. وفى السابعة إلا ربع يشدو صَوْته الهادى ـ الراضى بقضاء الله ـ بالحمد لله دائمًا أبدًا يردّد..
وخلال فترة الحظر؛ لم يمهلنا الرحيل لحيْظات ننظرُ إليْه.. وخلّف لنا قيْظ حاضرٍ بأرضٍ بالوباء تستعرُ.. وتظلّ الأنوار تشعُّ من جسده الطاهر البرئ؛
وهو فى طريقه إلى مثواه.. بداية حَيْاة..
بدنٌ يزدانُ بشفافيّة نفسٍ.. كم وكَيْف علّمتنا مَعْنى وحقيقة كُنه الحُبّ فى الله.. وقيمة الدّعاء بظهرِ الغَيْبِ؛ لكلّ مَنْ فى الله أحببناه.. وهكذا كُنّا ونحن نصلّى والملاك الراحل إمامنا..
ويرحلُ ملاك شركة بترول بلاعيم الطيّب (عاطف عباس).. لم يلتمسُ إغراءات دنيْا.. ولا لهفة على أحدث أدويّة وعلاج.. ولا حرفيّة أطباء من أجل رغبة متاع دنيْا.. إنما عونًا على لقاء الخالق فى أحسن صورة.. واكتمال عبادة.. وشوق العبد الصالح لوصل الحبيب.. فأحسن خاتمته فى ليلة مباركة.. وليحتفل بأول رمضان فى رحابه..
ودونك ـ أيها العبد الصالح ـ تزمّلُ أقمارنا عتمة سواد ليْل.. تعسّر ولادة ضَىّ مسارات عَيْش.. دموع سُرادق عزاء، ونحن نصلى القيام بالبيت، وطيْفك يحومُ حولنا..
،،،،،
هل حقًا نعودُ إلى العمل ولا نجدك.. نتصل بالتليفون، ولا يأتينا صوتك.. نصعد الدور السادس وعن نور صُبح نبحثُ..
وحقًّا تسبقنا بمضمار الأيّام.. وكُنت بجائزة الربّ الأحقّ والأوْلَى.. وبإذنه تعالى بمراتب الشهداء والصدّيقين وجوار الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ترتعُ وتنعم..
ولكنك.. بتكسّرات دروب وشوارع كئيبة.. وأزقّة وحوارى تيه ترمينا دون أن تدرى..
وبنهاية أسوارها العالية أبواب مُغلقة.. والماء المُفْترشُ جنباتها سرابٌ.. أحزانٌ تجرّنا فُرادى وجمعًا.. وتشدّنا من غفوٍ وصحوٍ.. نتوضأ لكىّ نصلّى معًا.. وحول حجرتك نحومُ فراشات تنتظرُ عبق الزهر.. وأفراخٌ صغيرة؛ بتعلّم الطيْرانِ تحلمُ.. و
ولا نجدك..!
مكتبك المكتظّ ّبالمحبّين.. ونظرات الدّهشة المُبْتَسمة؛ تطلّ مِنْ بَيْن كُلّ مديرى العموم الإيطاليين؛ الذين عملت معهم.. وكأنهم لا يصدقون أنّ الحبّ فى الله ـ أكثر من حاجة العمل ـ قد يُزحم ويُكدّس ويجمع..
وأكثر من رُبع قرن؛ ويطرّد حول مكتبك مريدين حُسْن صفاتك، وجميل معشرك، وحوارىّ إخلاص وصادق ودّك.. ويتسّع..
ويكثر معك المصلّين بحجرتك الصغيرة.. وكأنها تُتسع وتتفسح وتكبر.. سبحان الله.. وتقول بثقتك الكبيرة:
ـ ستأخذنا جميعًا إن شاء الله.. ولا أحد يريد أن يفارقك أبدًا!
وترحلُ أيّها العبد الصالح.. من ازدانت به شركة (بتروبل) مقاماً وإنسانًا.. وريْادة من نوعٍ خاصٍ.. قوامها الصّدق، والكَدّ، والتفانى، والإستغناء دون شبه، والتواضع عن قوّة، والتسامى عن أصل..
ريْادة هى اللؤلؤ بالأصداف المتحجّرة خفاءًا.. وثراء وغناء أعماق البحر.. وليس الوقوف عند سحر السطح وروعات تموّجاته؛ وبديع ألوانه بمواقيت الخالق..
لذا أنت أخى وحبيبى لم ترحل.. فقط قليلًا بعدت..
ولإحتواء الأفضل والأدوم؛ بدار الحقّ ناجيْت.. فكُنْت
بإذنه تعالى؛ رزقٌ كبير موعودٌ به وحدك أنت.!
،،،،
ويرحلُ العبد الصالح (عاطف عباس).. ملاك بتروبل الطيّب..
أجمل قصّة؛ لم تكتمل نهايتها.. وكأن البقاء جريمة لنا خلّفت.. وللموتِ ناجيتُ؛ فأتى الحقّ وركبت..
ولعُرىّ الأغصان.. ولساعات ثقال تهشّمت؛ وفرّت العقارب.. ومنّا يهرب الزمن.. ولقيثارات بلا أوتار؛ تصدحُ إيقاعات زار وعشوائيات منها نجوتُ.. تلوكنا مطحنة وَحْشة.. وتنثرنا رحايْا عذابات فقد..
وكلّ جمال يحتضرُ؛ تحت وطأة كُتل مِلحٍ صلبٍ..!
مَنْ يَدْرى؟
رُبّما تُمطر يومًا؛ فتغسلُ زرّات التراب.. وتنثرُ تسامى وتصافى غُبار.. حَيْثً ترقدُ حبيبى فى هدوء..
إنّه النّور الأبدى.. وله تستحقّ..
إلهى؛ يرحلً الأحباب.. ونار حُزن بنا تعصفُ.. وبالروح نيرانٌ تشتعلُ.. وأنفس تترمّدُ.. وبأسر سجنٍ؛ تضيقُ الأنفاس بنا.. قادمُ الأيّامِ حصار وجعٍ يأكُلُ البدنَ عَضضًا..
ودون القبرِ؛ كم من حسرة ديدان تأكُل النّفسَ حيّاً..!
وكُلّ من عرف العبد الصالح (عاطف عباس) لرؤياه يظمأ.. ومَنْ ذاق طيب وعَذْب مِعْرِفته.. مِنْ جميل مَحيْاه وأمن وصله؛ وأمان غيْث فِعله؛ لم يشبع.. ولوجوده يشتاقُ أكثرُ وأكثرُ..
فلمن تتركنا حبييى.. ؟
وقد كنّا كالمجيرين بك؛ يوم تظمأ أرواحنا.. والشدائد تُحاصرنا.. والحاجة تقضمنا بين أنيابها حرمانًا وتعسّفًا.. والأيّام ترمينا لوهم سراب مىّ كى نرتشفُ عمدًا..
فبمن اليوم حبيبى نستجيرُ.. ؟
ولم نعرف من اختصّه له من بعضك.. لم يكُن لنا من مجير بعد الله غيرك..!
وبأىّ زمن نعش دونك.. ونرى من يبحث عن ضرع الطين والهجير كىّ يحلب..!
ويلاحقنا ذوى الأقنعة.. أصحاب السلطان، ومرتادى الياقوت والحرير..كل لصّ ومنفلت ضمير؛ يغتصب بستاننا، يبدو كأنه أمير..!
بأى واقع - حبيبى - تتركنا.. والشتاء طويل وكئيب.. يتحول إلى قيظ وسعير.. والربيع قحط.. والخريف يتجاوزنا.. دون أن يرانا؛ يعبرنا.. والصيف زمهرير.. و
وكنت لنا من الرب نعم العون.. وخير مجير؟
إلهى
وتتبدّل زينات النور المعلقة بعصاقير ذات أجنحة متكسّرة..
الفرح سُرادق عزا.. ورمضان ينعى أرواحنا قد أتى..
هو الجسدٌ يترقّب نبوء موتٍ.. يستقبله بدموع وبُكا..
زيرحلُ الأحبّة.. ويغيّب الفرح المنتظر الأسى..!
حتى فى مَوْته؛ نحن فى حاجة إليه أكثر..
فأدعُ لنا ربّك ـ أخى الحبيب عاطف ـ وبإذنه تعالى؛ نحسبك عنده ومنه المُقّدر..
ولعبدٍ مُذنبٍ وعاصٍ؛ إشفع له عند ربّك؛ لنا يُجبر..؟
رحمك الله حبيبى.. وغفر لك بجميل نظره إليك.. ويجعلُ مثواك جنان خالق؛ لا توصف ولا تُقدّر..