عمرو فاروق يكتب: «بيعة الموت» وجماعات الإسلام السياسي
عمرو فاروق يكتب: «بيعة الموت» وجماعات الإسلام السياسي
كشفت الرواية الدرامية لمسلسل "الاختيار"، كيفية ونصوص البيعة التي تتم داخل الجماعات الإرهابية من قبل القواعد إلى رأس القيادة التنظيمية.
وتمثل البيعة أحد أركان تيارات وجماعات الإسلام السياسي، فهي الرابط الذي يتم من خلاله السيطرة على سلوكيات الأتباع وضمان الولاء والبراء للتنظيم.
وتعني التسليم المطلق لأمير الجماعة، وعدم منازعته في الإمارة مع الإلتزام بمختلف القرارات الصادرة عنه دون نقاش أو تفكير، حتى وأن خالفت العقل والمنطق.
كل تيارات الإسلام السياسي لها بيعات داخلية، وليس بيعة واحدة، لاسيما في التنظيمات التي تشهد تدريجيا ومراتب تنظيمية وفي مقدمتهم جماعة الإخوان ونظامها المسلح، وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش.
ومثلما اتفقت هذه الكيانات في عدد كبير من الإطر والأدبيات الفكرية، اتفق جميعها بأن البيعة لاتجور في حق المرأة، فتم استثنائها من تلك القاعدة.
كانت جماعة الإخوان من أوائل تيارات الإسلام السياسي، في العصر الحديث التي استخدمت "البيعة" مع عناصرها، وفقا لما طرحه حسن البنا في رسالة التعاليم قائلاً: "أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة"، ويقول في شرح أول هذه الأركان: "إنما أريد بالفهم: أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه، في حدود هذه الأصول العشرين".
ويتأكد هذا بالنظر إلى نص بيعة الإخوان الذي يقول: "أعاهد الله العلى العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين، والجهاد فى سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها، وأن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه والله على ما أقول وكيل، فمَن نكث فإنما ينكُث على نفسه ومَن أوفى بما عاهد عليه اللهَ فسيؤتيه أجرا عظيما".
وعلى العضو، بحسب البنا، "مقاطعة المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة".
وللجماعة بيعتان واحدة عامة والأخرى خاصة، فالبيعة العامة، بمقتضاها يصبح عضوا بصفوفها.
أما البيعة الخاصة فتكون على المصحف يعتليه المسدس لشخص مجهول في حجرة مظلمة، وهي بيعة التنظيم الخاص، وتلك بيعة عسكرية لها طقوس خاصة، يتم انتقاء بعض الأفراد فيها لمهام أكثر سرية.
يشير محمود الصباغ في كتابه "حقيقة النظام الخاص": "ثم يقال له فإن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك ويكون مأواك جهنم أو بئس المصير".
ويضيف الصباغ: "وعلى الفرد ألا يقدم على أي عمل يؤثر في مجرى حياته كالزواج والطلاق قبل أن يحصل على تصريح به من القيادة عن طريق أمير الجماعة".
كانت تيارات الإسلام السياسي في حال التضيقات الأمنية تستبدل نظام "البيعة المباشرة" إلى "البيعة غير المباشرة"، وتكون بالوكالة، عن طريق المكاتب الإدارية واللجان الفرعية، كنموذج الإخوان، أو من خلال شخص يقوم بأخذها نيابة عن الأمير أو المرشد أو الشيخ، وفي عصر التطور التكنولوجي تم الاعتماد على أخذ "البيعة" من خلال الرسائل الصوتية، ورسائل الواتس آب.
غالبية أمراء جماعات الإسلام السياسي، ظنوا أنهم فوق البشر وأنهم مصطفون ومختارون لخلافة الله في أرضه، وأن تنصيبهم لم يكن عشوائيا ولا ارتجاليا، بل كان قدريا من فوق سبع سماوات، وكل روايات الحظات الأخيرة في تاريخ هذه القيادات سجلت حالة التعالي والنرجسية النفسية لديهم، ابتداء من سيد قطب، وشكري مصطفى، ومحمد الأمين عبد الفتاح المكنى بـ"أبو الغوث"، ويحيى هاشم، وغيرهم من أمراء "المفاصلة الشعورية" وضرورة اعتزال المجتمع.
من خلال البيعة اعتبر شكري مصطفى، أن جماعته التي أطلق عليها "التكفير والهجرة" ممثلا شرعيا عن الإسلام، في سبعينيات من القرن الماضي، وأنه خليفة الله في أرضه، ومنن بعده جاء عشرات المتطرفين، أمثال أسامة بن لادن، والظواهري، والبغداي، والقراشي.
وظفت تيارات الإسلام السياسي، البيعة كمفوهم شرعي للإسلام كدين، إلى ولاء لكيان تنظيمي أو جماعة دينية، أو حزب سياسي، لتحقيق أهدافها خاصة تحت عباءة الإسلام والشرع.
وقد هيمنت قضية "البيعة"، على حركات الإسلام السياسي منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وانعكست على مفهوم المواطنة، إذ من خلالها يفقد العضو ولائه للوطن، في مقابل ولائه للجماعة وأميرها.
وضعت مختلف تيارات الإسلام الحركي، "البيعة" نصب أعينها، لاسيما أن عملية الإنضمام لهذه التنظيمات لم تكن بالأمر السهل، فلابد من الإيمان بأفكار وأهداف التنظيم أولا قبل الانضمام لصفوفها ثم مبايعة أميرها.
بينما جاءت "بيعة" خلايا الجهاد المصري، قائلة:"أبايعك على السمع والطاعة في المكره والمنشط، وأن أضع إقامة شرع الله نصب عيني، وأن أبذل لتمكين ديني كل ما أملك من نفس وروح ومال وولد".
انتقلت هذه البيعة تدريجيا إلى الجماعة الإسلامية، لاسيما عندما تحالفت مع تنظيم الجهاد في اغتيال الرئيس السادات، بالتنسيق مع محمد عبد السلام فرج، وخالد الإسلامبولي، وطارق وعبود الزمر.
ومازالت الجماعة الإسلامية، تأخذ البيعة من عناصرها فيما بينهم، حتى الآن لدى اختيارهم أميرا جديدا للجماعة، وكان آخرها اختيار القيادي بالجماعة أسامة حافظ، بعد وفاة سلفه عصام دربالة في أغسطس 2015.
يقول عاصم عبدالماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، إن بيعة أعضاء الجماعة الإسلامية موجودة لكنها غير مكتوبة أو منطوقة وهى بمثابة التزام أدبي.
بعض التيارات السلفية، تعتمد على ما يسمى بـ"بيعة الاتباع"، وهي بيعة غير ملزمة إذ أنها تيارات فكرية وليست كيانات تنظيمية، وقد كشف الشيخ محمد سعيد رسلان، أحد قيادات السلفية المدخلية في مصر، أن سلفية إسكندرية، يعطون البيعة لأميرهم محمد عبد الفتاح أبو إدريس، قيم الدعوة السلفية، المكنى بـ"أبو إدريس"، ليخرج بعدها ياسر برهامي مؤكدا أنها بيعة على البر والتقوى.
وتعني بيعة "السلفية الجهادية"، الكفر الصريح بالحكومات المدنية والتشريعات والدساتير التي تصدر عنها، ومختلف مظاهر الدولة المدنية الحديثة، وهي "بيعة" تحرض على تبني العمل السري، وسفك الدماء.
وبعيدا "البيعة التقليدية"، اتخذ تنظيم"القاعدة" مفهوما مغاليا للبيعة، أصل له المرجعيات الشرعية للتنظيم أمثال فارس آل شويل الزهراني المكنى بـ"أبو جندل الأزدي"، تحت مسمى "بيعة الموت"، وهي البيعة التي خرج من رحمها الخلايا "الانتحارية"، أو خلايا "الانغماسيين".ومنذ ظهور تنظيم داعش، تم اللجوء لما يسمى بـ"البيعة الإلكترونية"، بهدف توسيع دائرة الاتباع في مخلتف البقاع الجغرافية، بل وانتشر معها "بيعة" التنظيمات وروافدها، مثل بيعة "بوكوحرام" و"المرابطون" في شمال إفريقيا، و"أنصار بيت المقدس سيناء"، لتنظيم "داعش".
وكانت "البيعة"، أحد الأدوات التي وثقت الصراعات والخلافات بين تنظيم داعش والقاعدة، على مدار السنوات الماضية.