[caption id="attachment_350736" align="alignleft" width="300"]
عمرو فاروق[/caption]
تقرير يكتبه: عمرو فاروق
تكشف مذكرات طلحة المسير، المكنى بـ"أبو شعيب المصري"، أحد المرجعيات الشرعية المسلحة بسوريا، التي تربت في أحضان "حزب النور"، والدعوة السلفية التي يتزعمها الشيخ ياسر برهامي بالأسكندرية، بعض التفاصيل عن دور التكفيريين المصريين في سوريا.
طلحة المسير، أو"أبو شعيب المصري"، هو نجل الدكتور محمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، وعضو اللجنة العلمية الدائمة للعقيدة والفلسفة، بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، والمستشار السابق لوزير الأوقاف المصري، عام 1992، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، والذي وافته المنية في نوفمبرعام 2008، ودفن بقرية كفر طبلوها مركز تلا بمحافظة المنوفية حيث مسقط رأسه.
العديد من المعيني بملف تيارات الإسلام السياسي أكدوا انتماء الدكتور محمد المسير إلى جماعة الإخوان فكريا ولمشروعها خلال تسعينات القرن الماضي.
ربما هذا ما دفع طلحة المسير إلى الاستشهاد بأراء حسن البنا في صدر مذكراته، حول الأسباب التي دفعته لكتابة هذه الأوراق والخواطر، قائلا: "نعم قد تخفى كثير من التفاصيل على كثير من الناس، ولكنها لا تخفى غالبا على المعنيين والمهتمين وأجهزة المخابرات، ولا خوف على الجهاد من نشرها، بل إن كان هناك خوف فهو على الكاتب نفسه في غابة عالمية لا ندري ما المخبوء فيها قابل الأيام، قال الأستاذ حسن البنا رحمه الله في مذكراته: (لا أدري لماذا أجد في نفسي رغبة ملحة في كتابة هذه المذكرات بعد أن أعرضت عن ذلك إعراضا تاما على إثر عثور النيابة على مذكراتي الخاصة سنة 1943 وما لقيت من المحقق من عنت وإرهاق في غير جدوى ولا طائل ولا موجب، وإن كنت أوصي الذين يعرضون أنفسهم للعمل العام ويرون أنفسهم عرضة للاحتكاك بالحكومات ألا يحرصوا على الكتابة، فذلك أروح لأنفسهم وللناس، وأبعد عن فساد التعليل وسوء التأويل، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل)".
التحق طلحة المسير، المكنى بـ"أبو شعيب المصري"، بمدرسة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، ومنها لكلية دار العلوم بالقاهرة، ثم تتلمذ على يد مشايخ الدعوة السلفية بالاسكندرية، وكانت تربطه بالشيخ ياسر برهامي، علاقة صداقة، وهرب إلى سوريا عام 2013، وتحديدا إلى مدينة حلب، واشترك في المعارك المسلحة بجانب فصيل حركة "أحرار الشام".
أكد "أبو شعيب المصري"، في متن حديثه أنه عاشق لأفكار محمد قطب، وأخيه سيد قطب، بل يعتبرهما من المجددين في العصر الحديث.
ووفقا لحديث "أبو شعيب المصري"، في مذكراته أنه خرج من مصر، إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، ومنها اتجه إلى تركيا بعد أن تحصل على تأشيرة الدخول، ثم سوريا فيقول :"فنويت أن أحج ثم أسافر لسوريا، وبدأت في هذه الفترة أفتش عن طريق للسفر إلى أرض الجهاد، وأتسمع أخبار النافرين قبلي، ومن ذلك أني جالست أخا لي في الله في ليلة من ليالي منى تحت جسر الجمرات، وظل يحكي لي أحوال المجاهدين في سوريا وقصصا من واقعهم".
مستكملاً: "وبعد الحج اتصلت به وطلبت منه أن يرتب لي طريقا للسفر، وذكر أن له طريقا إلى جبهة النصرة في سوريا، وبدأت أجهز أوراق تأشيرة الدخول إلى تركيا، وكانت عبارة عن حساب بنكي، وتأشيرة خروج وعودة، وتذكرة سفر، وحجز فندقي في تركيا، وذهبت للقنصلية التركية في جدة فتعنتوا وذكروا أن إقامتي تابعة للرياض ولا بد أن أذهب للسفارة التركية في الرياض، فسافرت للرياض، ووجدت الإجراءات أيسر من جدة وقدمت التأشيرة، وأخذتها بعد أيام قليلة".
عقب وصول "أبوشعيب المصري"، إلى أنطاكيا اتجه إلى مدينة الريحانية إحدى مدن لواء اسكندرون المتنازع عليه بين سوريا وتركيا.
كشف "أبو شعيب المصري" خلال مذكراته، دور المهربين الأتراك، ورجال المخابرات التركية في عمليات تهريب العناصر الأجنبية إلى معسكرات القتال في سوريا، إضافة لأسعار عمليات التهريب والأموال التي يتقاضونها، فيقول: "ذهبت إلى الريحانية وبعد دقائق انتظار جاء مهرب تركي وأركبني معه في السيارة، ثم ذهب وأحضر ثلاثة كانوا ينتظرونه كذلك، وسار بنا إلى قرية حدودية، وبعد دقائق مشينا في أراض زراعية، وأسرعنا المشي كي لا يلاحظنا حرس الحدود، وعندها شعرت بصعوبة حمل الحقيبة الثقيلة والجري بها، وساعدني المهرب في حملها، وتمنيت ألا أكون أحضرتها، وقد علمت فيما بعد أن بسوريا كل ما يحتاجه المجاهد في سفره وجهاده وإقامته بسوريا، ولو أتى المجاهد معه بمجموعة ملابس واحدة للتبديل لكفى، وتخطينا السلك الشائك الممزق بأطمة، وبعد أن تجاوزناه بمئات الأمتار وصلنا إلى سيارة فودعنا المهرب وركبنا السيارة، وكان المهرب أخذ أجرته مائة دولار مقابل تهريبنا نحن الأربعة، أما أسعار التهريب اليوم فقد تضاعفت كثيرا؛ فأصبح التهريب التقليدي يكلف الشخص الواحد أربعمائة دولار عادة، وهناك درجات في التهريب تبلغ ألفي دولار للدرجة السياحية!!".
ويضيف: وقد كنت أتوقع أن الذي سيقوم بتهريبي من تركيا إلى سوريا أخ مجاهد يعمل في تأمين طرق الإمداد للإخوة، ولكني وجدت أن المهرب التركي عبارة عن شخص تركي عادي غير ملتزم من سكان المناطق الحدودية..وكثيرا ما يجند المهربون كذلك أطفالا في سن الثالثة عشرة يرسلونهم مع المسافرين كأدلاء؛ فإن وصلوا فبها ونعمت، وإن حال الأمن دون وصولهم تعرض هؤلاء الأطفال للخطر لا المهرب الحقيقي،وكذا لاحظت على المهربين أنهم يعملون بتناغم مع سياسة الدولة التي يعملون فيها، فالمخابرات تسمح بذلك وتستفيد منه لتحقيق مآرب كثيرة، وتضيق عليه أحيانا، وتمنعه أحيانا".
ويشير "أبو شعيب المصري": "التهريب امتد ليشمل التهريب من سوريا إلى تركيا وبالعكس، ومن بقية الدول المجاورة لتركيا إلى تركيا وبالعكس، ومن سوريا إلى الدول المجاورة لها وبالعكس، ومن مناطق النفوذ المختلفة بسوريا بعضها مع بعض، إلا أن الغالب على شبكات التهريب أنها شبكات إجرامية تسير في اتجاهات محددة برضا مخابرات معينة".
تطرق طلحة المسير، خلال حديثه إلى اختراق أجهزة المخابرات الغربية للتتظيمات المسلحة في سوريا، وتبيعة بعض قياداتها لتوجهاتها بشكل مباشر.
تطرق "أبو شعيب المصري"، إلى بعض العناصر المسلحة التي درست في الأزهر الشريف بالقاهرة، مثل الدكتور محمود المجدمي، الحاصل على دكتوراه في الشريعة من الأزهر، وكيف أن الهيئة الشرعية بحلب، قامت بإعدامه بعد اكتشاف تعاونه مع جيش بشار الأسد.
يوضح "أبو شعيب المصري"، أن مذكراتها التي سجل جزء منها تحت "الطريق إلى أرض الجهاد"، أنها "ليست كتابا تاريخيا يعتني بتتبع الأحداث والأخبار وترتيب تسلسلها والإحاطة بملابساتها، ولكنها مجرد وقفات في محطات معينة تتعلق بقضايا محددة لها خصوصية بالنسبة للجهاد أو المسيرة أو الكاتب أو الكتاب، وهي في مجملها تدل على كثير غيرها، فلم أعتمد التسلسل التاريخي للأحداث بل الترتيب الموضوعي، ثم سرد الموضوع الواحد بتسلسله التاريخي الذي عاصرته".
حول فترة تواجده في القاهرة وقبل سفره إلى سوريا يشير "أبو شعيب المصري"، أنه كان حريص على المشاركة في نشاط الحركة الإسلامية بالجامعة، وأنه كان مدواماً على حضور دروس مشايخ الدعوة السلفية، موضحا أنه كان منذ صغره يعشق الوقوف ضد طغيان الطواغيت المحاربين للإسلام (على حد زعمه).
كان "أبو شعيب المصري" قبل سفر إلى سوريا شديد الخلاف مع نائب رئيس الدعوة السلفية بمصر، ياسر برهامي، ما دفعه لأصدر كتاباً بعنوان "سياسة الخبال.. جنايات العمل السياسي لسلفية الإسكندرية"، هاجم من خلاله قيادات الدعوة السلفية وموقفهم من المشاركة في العملية الإنتخابية.
تنقل "أبو شعيب المصري"، بين سوريا وتركيا بشكل دائم لتجديد إقامته بها، وكان يسافر من تركيا إلى قطر أكثر من مرة ليلتقي بزوجته.
سجل "أبو شعيب المصري" في مذكراته حياة بعض المصريين الذي اشتركوا في القتال ضمن صفوف التنظيمات المسلحة في سوريا، أمثال مختار مكاوي، المكنى بـ"أبو حفص المصري"، وفتحي أبو العينين، المكنى بـ"أبو البراء المصري"، وأحمد إسماعيل المكنى بـ"بنافع المصري"، ومحمد سليمان، المكنى بـ" أبي سهل"، بعضهم من ابناء الدعوة السلفية بالاسكندرية، وقتلوا جميعا داخل الأراضي السورية.
إضافة لعدد كبير من المصريين أمثال شريف هزاع، وأبو الفتح الفرغلي، ورفاعي طه، و أحمد سلامة مبروك، المكنى بـ"أبو فرج المصري"، و"محمد المصري" نجل مدحت مرسي المكنى بـ"أبو خباب المصري" (كيميائي القاعدة)، والأخير كان المسؤول عن برنامج الاسلحة الكيماوية السامة في تنظيم القاعدة، وقتل في قصف أمريكي عام 2008، في منطقة القبائل على الحدود بين باكستان وأفغانستان.
وهاني هيكل المكنى بـ"أبو هاني المصري"، أحد قيادات تنظيم القاعدة، الذي تم القبض عليه في ماليزيا عام 2003، ومنها إلى مصر عبر طائرة خاصة تابعة للمخابرات المصرية، وتم إيداعه سجن "طرة"، وأطلق سراح هاني هيكل عام 2009، لمشاكل واضطرابات في عضلة القلب، ثم شارك في ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وفي بداية عام 2012، ذهب إلى سوريا وشارك في القتال ضد الجيش السوري.
فضلا عن همام عبد الفتاح، المكنى "أبو معاذ المصري"، نجل عبد الفتاح توفيق شيخ الدعوة السلفية بالمنوفية، وقد درس في كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر الشريف وحصل منها على ليسانس دراسات إسلامية وعربية عام 2005، ثم سافر إلى سوريا وقتل عام 2014 .
فيقول "أبو شعيب المصري": "في الشهر الأول من عام 2013، مر على أخي العزيز الشيخ أبو معاذ المصري همام عبد الفتاح، ليأخذني إلى حلب، حيث كان ينوي زيارة حلب، وكذلك كان الشيخ أبو خالد السوري، أمير أحرار الشام بحلب، طلب مني الذهاب إلى حلب حيث أخبرني أن هناك ثلاث معارك كبرى تنتظر المجاهدين في حلب وريفها ويحتاجون إلى دعاة بين المجاهدين وهي معارك مطار النيرب ومستودعات خان طومان ومطار كويرس، وانطلقنا من عقربات إلى الدانا ثم دارة عزة، وهناك من جوار قلعة سمعان كان طريقنا من قرى ريف عفرين إلى ريف حلب الشمالي ثم مدرسة المشاة ثم حي هنانو وحي الصاخور بحلب".
وحول موقفه من الأوضاع في مصر، يقول "أبو شعيب المصري"، "انقلاب السيسي انقلاب علماني كافر يحارب الإسلام، والمعركة مع الانقلاب جزء من معركة عالمية، وأي نصر في ثغر ما تتردد أصداؤه في بقية الثغور؛ في تونس وليبيا ومصر وفلسطين واليمن وسوريا والعراق وأفغانستان، وكل هزيمة في ثغر تؤثر على بقية الثغور، المعارك العالمية تكاليفها باهضة، لكن الدخول فيها حتمي لا خيار فيه ولا مفر منه، ونتائجها حاسمة ومصيرية وممتددة لعقود طويلة، لا بد أن يزيد التصعيد ويرتفع، عبر مراحل منتظمة تراعي المرحلة؛ فتفتيت الأعداء، وتحييد بعضهم، والتركيز على أئمة الكفر وأكابر المجرمين".
كما دعى "أبو شعيب المصري" للإنشقاق عن قوات الجيش والشرطة، فيقول: "الجيش والشرطة مؤسستان تحاربان الإسلام، وهما خنجر في ظهر الأمة وسهم في كنانة اليهود والنصارى، ويجب الانشقاق الفوري عنهما لجميع الضباط والعساكر والمجندين، إلا لمن يعمل على إفشال مخططاتهم من الداخل وتفكيك بنيانهم وقلب نظام الحكم العلماني".
انضم "أبو شعيب المصري"، في بادئ الأمر إلى حركة "أحرار الشام"، ثم انشق عنها في سبتمبر 2016، وانضم إلى "هيئة تحرير الشام"(جبهة النصرة سابقا) التي يتزعمها "أبو محمد الجولاني"، وعمل شرعيا بها، لكن سرعا ن ما أعلنت فصله مع عدد من المرجعيات الشرعية المصرية، في يوليو 2019، لعدم التزامه بتوجهاته الفكرية والسياسية.
وللحديث بقية !