أكثر عضو يستعمله الإنسان في جسده هو "لسانه"، فهو دائم الكلام عن الآخرين، سواء بمدحهم، أو ذمهم، أو نقدهم، أو تحليلهم، ولكن هل هو يتحدث عن أي شخص؟ في الغالب الأعم هو يتحدث عن الذي يملك ما لا يملكه هو، فهنا يبدأ في الحديث عنه إما بحسد ورفض؛ لأنه يراه يملك أشياء عجز هو عن امتلاكها، ويبدأ في إرجاع ذلك الحظ أو التشكيك في مصادر وسلوكيات هذا الشخص؛ من أجل النيل منه، وتشويه صورته أمام الآخرين.
وقد يتحدث عن شخص بسبب عجزه أن يكون مثله، إما أنه يجده قويًا وصلبًا، ولديه إرادة حديدية، فيتحدث عن قوته وكأنها قسوة وبلادة في الإحساس، أو ربما يكون هذا الشخص عالمًا ومُفكرًا وفيلسوفًا، في حين أن من يتحدث عنه شخص سطحي، لا يهتم سوى بسفاسف الأمور، فهنا يُرجع فلسفة هذا الشخص إلى أنه فاضي، وأحاديثه فارغة، ويعيش في عالم خيالي، لا يمت للواقع بصلة، ولو كان الشخص المُتحدث عنه يتسم بالجمال والأناقة والجاذبية، فتجد من يتحدث عنه يشكل غير لائق، يُشكك في جماله وأناقته، أو يقول أنه لا يملك غيرهما، وأنه بدونهما لا شيء.وإن كان المتحدث عنه محبوبًا؛ بسبب أخلاقه وشجاعته وسُلوكياته النبيلة، تجد من يتحدث عنه يُرْجِع ذلك إلى أنه مُجرد قناع، يضعه على وجهه، لا يمت لحقيقته بصلة، وإذا كان المتحدث عنه شخص يُؤْثر السلامة والهدوء والاستقرار، ولا يرغب في الدخول في صراعات، اتهمه الآخرون بالضعف، وعدم القُدرة على المُواجهة.وأخيرًا، فكل شخص يبغي أن يتحدث عن الآخرين بشكل يُسيء إليهم، لن يعجز عن تحويل المُميزات إلى عُيوب، فهذه المسألة لا تحتاج إلى مجهود، كل ما في الأمر سيُوجد مُبررات لتنفيذ تلك المُميزات؛ حتى يُشوه الصورة الجميلة، ولكن المُشكلة الحقيقية تكمن في السبب الذي يُجبر شخصًا على أن يفعل ذلك، وهذا السبب يرجع لأمرين اثنين، وكليهما أسوأ من الآخر، فالأول أنه ربما يكره من يتحدث عنه، والكُره في حد ذاته كارثة، خاصة لو خرج من دائرة الشعور، وتحول إلى مُحاولة للانتقاص من الآخر، والثاني أن يكون عاشقًا للكلام عن الآخرين؛ بهدف التسلية، وهذا أشد وطأة من الكُره، فما أصعب أن تُدمر الآخرين؛ من أجل التسلية، فلو كان فم الإنسان ولسانه يحتاجان إلى شيء، يُشْغلهما طيلة الوقت، فالأحرى أن يُشْغلهما بالطعام، بدلاً من الكلام.