القس بولا فؤاد رياض يكتب: صوم اللسان
القس بولا فؤاد رياض يكتب: صوم اللسان
بمناسبة صوم رمضان ، كل عام وأخوتي المسلمين شركائي في الوطن الغالي مصر بكل خير وسلام .
فالصوم أقدم وصية عرفها الإنسان عندما أمر الله أبونا آدم وأمنا حواء بعدم الأكل من شجرة معينة .
فالصوم كوسيلة وأداة روحية لتهذيب النفس البشرية في جميع الأديان .
الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب لفترة من الزمن بغرض الاقتراب إلى الله في توبة وإيمان . ولكن ليس القصد من الصوم هو عدم تناول الطعام والشراب ولكن حكمة الصوم أن الانسان بالامتناع عن الأكل والشراب يرفع نفسه فوق الجسد، فيرتفع فوق متطلبات المادة .
" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله " . فالصوم هبة من الله وليست فقط وصية بل نعمة وبركة من أجل نمونا الروحي . به نرجع إلى الله بكل قلوبنا.
لذلك فالصوم الذي ليس لأجل الله باطل . والصوم البعيد عن حياة التوبة هو صوم غير مقبول ، والصوم البعيد عن الرحمة والصدقة ليس صوماً لله ، والصوم الذي لكسب مديح الناس مرفوض .
فالصوم ليس عن الطعام والشراب بل :
-تخصيص القلب والفكر لله .
-الحرص أن أخرج من الصوم بتغيير ملحوظ في سلوكياتي ونمط حياتي للأفضل ؛ لذلك لا نأخذ من الصوم شكلياته بل عمقه الروحي .
-الصوم فترة غذاء روحي فكما يحتاج الجسد للغذاء كذلك الروح .
صوم اللسان والفكر والقلب هو الصوم الحقيقي ..
" إن صوم اللسان خير من صوم الفم وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الأثنين أي خير من صوم اللسان والفم معا ً ، فالقلب الصائم يستطيع أن يصوم اللسان معه ، لأنه من فيض القلب يتكلم الفم "
و"الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح ، والرجل الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر "
فإن كان القلب صائماً عن الخطية فسيكون اللسان صائماً عن كل كلمة بطالة ، والذي يصوم قلبه يمكنه أن يصوم جسده كله . الصوم يصحبه ضبط النفس . فصوم الجسد هو أقل شئ ، فالمهم هو صوم القلب والفكر عن كل رغبة وخطية .
فالمطلوب إذن في الصوم هو ضبط اللسان ( صوم اللسان ) عن :
جرح مشاعر الآخرين ( ويشمل كلام السخرية بهم والتهكم والإستهزاء والشماتة والإهانة ) ، والكذب بكل أنواعه الكثيرة ومنها المبالغة ( فهي ليست صدقاً خالصاً وكذلك أنصاف الحقائق ) .
فالشاهد في المحكمة يطلب منه أن يقول الحق ، كل الحق ولا شئ غير الحق ، ومن أخطاء اللسان شهادة الزور واللف والدوران وعدم الوضوح وعدم الصراحة ، وكذلك الخداع والتضليل والنفاق ، وكثرة الجدال وكذلك الكلام الخارج عن حدود اللياقة و الأدب ، وأيضاً إضاعة الوقت في حديث غير مثمر ونافع .
أخيراً إن كل كلمة بطالة وليست للبنيان أو للمنفعة يتكلم بها اللسان سنعطى عنها حساباً أمام الله يوم الدينونة .
يا ليتنا نصوم لساننا عن الأباطيل ونتدرب على ذلك خلال فترة الصوم . لكي يكون الصوم مقبولاً ولا يكون صوماً نتفاخر ونتباهى به أمام الناس نظير المدح والثناء والتقدير من الناس وليس من الله .
أتمنى للجميع صوماً مقبولاً ، وكل عام ومصر بخير وسلام وتحيا مصر .
القس بولا فؤاد رياض
كاهن كنيسة مارجرجس المطرية - القاهرة