كاميليا عبد الفتاح: أرواحٌ على الهامش لخيري حسن «سردُ أحداث استلاب مُعلن»
كاميليا عبد الفتاح: أرواحٌ على الهامش لخيري حسن «سردُ أحداث استلاب مُعلن»
كتب: حسام أبو العلا
قالت الناقدة الأدبية د. كاميليا عبد الفتاح إن "أرواحٌ على الهامش" للكاتب الصحفي خيري حسن ، كتابٌ يجمعُ بين سمتي الكتابة الأدبية والكتابة الصحفية ؛ فقد التقط مؤلفُه ظاهرة تعتمدُ على الحسّ الصّحفي الأمين الذي يتفقّد نبضَ المجتمع، وتتطلّبُ – في الوقت ذاته – الانتصار للحرف المُبدع ، والتقدير العميق للموهبة الإبداعية والفنية والفكرية .
وذكرت أن الظاهرةُ التي رصدها المؤلّفُ هي الهُوة العميقة بين ما تقتضيه الموهبة من احتفاءٍ وحفاوةٍ مُجتمعية وبين ما تلقاهُ هذه الموهبة من : إعراضٍ ، وزرايةٍ ، ومُعوّقاتٍ ، وإزاحةٍ ، تصلُ إلى حدّ القهر الذي يتمثلُ - في أدنى حدوده - في التجاهل ، ويصلُ في ذروته حدّ الاعتقال السياسي والفصل من العمل ، والحرمان من كافة الحقوق الإنسانية ومقومات العيش.
وأضافت : هنا أُشيرُ إلى التوفيق والبراعة في عنوان الكتاب :"أرواحٌ على الهامش"، الذي جسَّد المفارقة بين نفاسة الروح الإنسانية وبين الوضعية الهامشية التي لا تليق بها .
وترى أن مادة هذه الكتاب اعتمدت على المقومات الأساسية في شخصية الصحفي والتي تتشابه – في جزءٍ كبيرٍ منها – مع مقومات الناقد . وأضافت: أقصدُ : التقاط الظاهرة والتنبّه إليها ، الشغف بكشف حقيقتها ، جمع الأخبار من مظانّها الأساسية ، وعلى رأسها : سيرة الشخصية ، والبحث في مُنجزها الأدبي – أو الفكري – عن إرهاصات مأساتها ، والاستدلال بنصوصها – أو مذكراتها ووصاياها- هذا فضلا عن الاستضاءة بشهادات المُجايلين والمُعاصرين – و غيرهم من شهود الحدث - والمقارنة بين المعلومات المُتحصّلة من كل هذه السُّبل . الكتاب كله يسيرُ وفق هذا النسق ، من ذلك حكاية " رجاء عليش " التي استند فيها الكاتبُ إلى شهادة نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ، ومصطفى محمود ، ومصطفى عبد الله ، وحسن شاه ، وموسى صبري - وغيرهم - وهي شهادات مُهمة تُثمّنُ في ذاتها ؛ لدلالتها على موضوع الكتاب ، ولإضاءتها جوانب مهمة من شخصية الشاهد ذاته .
وتابعت الناقدة الكبيرة : لفتَ انتباهي وجود ما يُمكن أن نسميه باللُّحمة العضوية بين الشخصيات – أو الأرواح – التي وصف خيري حسن مأساة وجودها الهامشي ، هذه اللُّحمة تتمثلُ في عدّة مُشتركات بينها ، على رأسها : الموهبة الحقيقية – في مجالها – عنفوان الحس الوطني ، الإيمان بالذات والاعتداد بها ، الشجاعة في مواجهة التجاهل المجتمعي والقهر السلطوي . هذا على الرغم من تنوع الشخصيات بين شعراء العامية مثل زكي عمر وبدوي عطية وغيرهما وبين رجال القلم السياسي في الصحافة القومية مثل إسماعيل المهداوي وكتاب الرواية ، ولاعبي الكرة .
وترى د. د. كاميليا عبد الفتاح أن الطرحُ في كتاب "أرواح على الهامش" اتّسم بكثيرٍ من سمات الطرح الأدبي ؛ ممّا أحدث توازنا مع موضوعية الكاتب وارتكازه على الحقائق والمعلومات ، من أبرز هذه السمات : طرح الأحداث طرحا تراجيديا مُشوقا مُتدفقًا ، يتوفر فيه الانسجام بين الحدث وملامح الزمان والمكان – كما في السرد الفني - نُطالع هذا الطرح الأدبي في كثيرٍ من فصول هذا الكتاب ، فضلا عن المزج السلس بين لغة الطرح الصحفي ورهافة المفردة الأدبية ، كما نطالعُ وعي الكاتب بوحدة موضوعه : تهميش الكيانات المُبدعة ، وقهرها - وصولًا إلى الإقصاء أو الموت - نحن أمام كتلتين لا ثالث لهما : الموهبة وعوامل اختناقها ممثلةً في شخصيات استلابية وظرف تاريخي وغيرذلك .
واشارت إلى أن هناك صعيدٌ آخر لا يقلّ أهمية عن الهدف المُعلن لهذه الكتاب ، وهو اضطلاعُ الكتاب بتقديم لمحاتٍ مهمة من تاريخ مصر السياسي - منذ عهد الملكية - وذلك عبر كثيرٍ من التفاصيل المُخبّأة في كواليس قصور الحكم وأحاديث رجاله غير المعلنة في الطرح التقليدي .كما يتضمنُ الكتابُ لمحات من التاريخ المجتمعي والمناخ الفكري .
وأوضحت أن الكتاب يصف - ويحكي - تاريخ مصر الإبداعي أو لنقل إنه يسرد وقائع خنق الإبداع والموهبة في مصر ، وهو جديدٌ في هذا الدرب . نحنُ أمام كتابٍ يطرح سيرة اعتقال القلم والفكر .. احتجاز الموهبة والحلم والعمر .. وهو طرحٌ يتسمُ بالجرأة في الرؤى والتناول ، والمثالية والنبل في اختيار هذا المسار ، وفي أهدافه المرجوة .