رأى الكاتب الأمريكي ستيف كول، أن العديد من أدوات المساءلة للإدارات الحاكمة في الولايات المتحدة على قراراتها أو خطواتها أو مزاعمها، قد اختفت في زمن الرئيس الحالي دونالد ترامب في ظل ما تنفثه الآلة الرئاسية من ضباب يُشتت الانتباه ويثير الأزمات.
وأوضح كول - في مقاله بمجلة (الـنيويوركر) - أنه في أزمنة السياسة الطبيعية، عندما يٌقْدم الرئيس على مهاجمة دولة أخرى ويُدْلي بتصريحات قوية عما ستُنجزه حربُه، عندئذ تتولى الصحافة الأمر وتغطي مستجدات الأحداث على مدار أسابيع لاحقة - هذا ما لم يعد معمولا به في زمن ترامب.
ورصد الكاتب في هذا الصدد، لجوء ترامب، عشية تعرّض العاصمة البريطانية لندن للهجمات الإرهابية الأخيرة، إلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بادئًا حمْلته السبت بكتابة عدد 11 تغريدة هاجم فيها عمدة المدينة ووسائل الإعلام وحتى وزارة عدله هاجمها ترامب على عدم الدفاع أمام المحكمة العليا عن خطته المقترحة بحظر السفر على القادمين من عدد من الدول.
ورأى كول، أن سياسة ترامب الخارجية حتى الآن تشبه إلى حد بعيد ساحة تغريداته على تويتر؛ فهي سياسة مقوّضة للاستقرار ومثيرة للخجل وجالبة للضرر بكل المصالح التي يسعى لتحقيقها، بما في ذلك أمْن الشعب الأمريكي.
وضرب صاحب المقال مثالا على ذلك بالهجمات الصاروخية على سوريا والتبعات الجيوسياسية لتلك السياسة المشوشة؛ فبعد إرسال عدد من الرسائل المختلطة بشأن الحرب السورية، قرر ترامب دخول المعترك لدى موت العشرات في الرابع من أبريل الماضي إثر هجوم بأسلحة كيماوية على بلدة "خان شيخون"، والذي نسبته استخبارات أمريكية إلى قوات موالية للرئيس السوري بشار الأسد؛ حينها تواترت أنباء عن قصف روسي لمستشفى محلي للمساعدة فيما يبدو في التغطية على وحشية الهجمة الكيماوية؛ وفي مساء السادس من أبريل ذاته أصدر ترامب أوامر بتوجيه 59 قذيفة كروز ضد قاعدة جوية في سوريا.
وتابع كول، "في تلك الليلة ظهر ترامب على التليفزيون المحلي للتوضيح أنه أقدم على ذلك لما فيه من مصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة ولمنع وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية، كما دعا كافة الأمم المتحضرة للانضمام إلى جانب أمريكا لوقف عمليات إراقة الدماء في سوريا - لكن ذلك لم يحدث؛ فنظام الأسد لم يعمد فيما يبدو لاستخدام أسلحة كيماوية منذ السادس من أبريل، وعليه فربما يكون ترامب قد نجح في شيء من الردع؛ إلا أن حكومة دمشق استمرت في منع المفتشين الدوليين المعنيين بضمان نزع السلاح الكيماوي في سوريا؛ ومنذ ذلك الحين لم يستطع أحدٌ زيارة موقع هجمة الرابع من أبريل".
وبشكلٍ أعمّ، يرى صاحب المقال، أن سياسة إدارة ترامب في المنطقة باتت بمثابة تشويش مُقوِّض للاستقرار من أفغانستان وحتى سوريا فالإدارة تقدّم التصعيد العسكري على الاستراتيجية السياسية.... إن ما تشهده المنطقة في الوقت الراهن ليس إلا مثالا على تبعات لـسياسة غير مدروسة في الشرق الأوسط يُنفذها البيت الأبيض حيث صهر الرئيس يضطلع بأدوار منها: "مبعوث خاص" ومسئول بوزارة الدفاع و مسئول بوزارة الخارجية.
وعلى صعيد التعامل مع تنظيم داعش الإرهابي، رأى الكاتب أن التغير التكتيكي بين حرب الرئيس السابق باراك أوباما "لاستنزاف" التنظيم من موقعة لأخرى، وحرب الرئيس الحالي ترامب "لإبادة" التنظيم والإحاطة به للإجهاز عليه - هذا التغير التكتيكي ،الذي يبدو تعبيرًا عن "حالة ذهنية" أكثر منه "خطة حربية"، قد تمخض عن وقوع المزيد من الضحايا المدنيين، لا سيما في مدينة الموصل العراقية.
وعلى الصعيد السوري، اعتبر صاحب المقال سوريا بمثابة مستنقع لكافة القوى الخارجية المنخرطة في الحرب الدائرة هنالك، غير أن روسيا متقدمة صوب تحقيق أهدافها أكثر مما تفعل الولايات المتحدة - ومن تلك الأهداف: تدعيم نظام الأسد، واستعراض القوة في الشرق الأوسط، وإعاقة أو تعقيد الأهداف الأمريكية والأوروبية في المنطقة.
وأكد الكاتب في هذا الصدد، أنه رغم أن بشار الأسد لا يزال بعيدا عن احراز نصر عسكري صريح، إلا أنه كلما بات (الأسد) أكثر ثقة، باتت احتمالية مشاركته في تسوية سلمية أكثر ضعفًا.
وفيما يتعلق بالتعهدات والتحذيرات التي أطلقها ترامب بعد هجوم أبريل بقذائف الكروز على قاعدة جوية سورية، فليس من الواضح ما إذا كان أيٌّ من القوى المعنية المتواجدة لا تزال تعطي لذلك أهمية؛ وفي حوار جرى مؤخرا لشبكة 'إن بي سي'، قال الرئيس الروسي: "إن مزاعم ترامب بشأن الهجوم على خان شيخون كانت مجرد تلفيقات... نحن الآن مقتنعون تماما أن ذلك لم يكن سوى مجرد استفزاز.... الأسد لم يستخدم تلك الأسلحة".