فى وضع «السيلفى» مع مجتمع «التيك توك» ومنة ومازن وكلاشنكوف

فى وضع «السيلفى» مع مجتمع «التيك توك» ومنة ومازن وكلاشنكوففى وضع «السيلفى» مع مجتمع «التيك توك» ومنة ومازن وكلاشنكوف

*سلايد رئيسى28-5-2020 | 16:44

كتب: عاطف عبد الغنى القصة معروفة وشغلت رواد السوشيال ميديا، موضوعا "للهرى" لعدة أيام خلت. بدأت ببث كليب على موقع "تيك توك" طلت فيه فتاة تدعى منة عبد العزيز وتبلغ من العمر 17 عاما، على مشاهديها، وآثار ضرب مبرح على وجهها، وادعت أن فتيات ثلاث من صويحباتها، (ذكرتهم بالأسم) أحضرن شابا يدعى مازن إبراهيم، فاعتدى عليها بالضرب، واغتصبها بالأكراه، وسرق تليفونها إلى آخره.. وطالبت ببجاحة من (الحكومة) أن تأتى لها بحقها. المشهد الثانى، فى هذه القصة أبطاله "اليوتيوبر" المنتشرون على موقع الفيديوهات الشهير "يوتيوب" وقد تحركت فيهم غدة البحث لعلهم يحصلون على صيد يقومون ببثه على قنواتهم، ويحصدون من خلاله على مشاهدات وعلامات التفاعل، ومن ثم الدولارات التى يدفعها "يوتيوب" مقابل وضع إعلاناته، على محتوى فيديوهاتهم الرائجة. نشط محترفو "يوتيوب" وراحوا يفتشون، عما عساه أن يكون وراء منة، ووجدوا حكايات كثيرة وصفوها بـ"الزبالة" منشورة لمنة فى فيديوهات سابقة على موقعى "تيك توك"، و "يوتيوب"، واكتشفوا مثلا أنها اقترنت بصبى يصغرها فى العمر (نذّكر أن عمرها هى 17 عاما)، يدعى محمود كلاشنكوف، (لاحظ دلالة الاسم) واكتشفوا أيضا أن مازن الذى ادعت منة أنه اغتصبها هو صديقها، وأحد أصدقاء "الشلة"، وله فيديوهات تجمعه بمنة وزوجها الصبى كلاشنكوف الذى له – هو أيضا – فيديوهات فاضحة تظهر فيها فتيات أخريات غير منة التى اتضح أيضا أن لها فيديوهات مخلة سابقة مع مازن الذى ادعت لاحقا أنه اغتصبها ( حد فاهم حاجة؟!.) وتتالى بث فيديوهات من صويحبات منة، ومن أصحابها من "الصبيان" السابقين، تحمل العديد من الحكايات التى تزيد فيها حجم الكذب كثيرا عن الحقيقة. وانتهت الحكاية كما عرف المتابعون، بالصلح بين منة ومازن، وعاد أفراد "الشلة" لحياتهم الطبيعية المفضوحة على "تيك توك" أحدث وسائل بث الفيديوهات وآليات نشر ثقافة المجون فى المجتمع المصرى، و "تيك توك" للأسف أصاب نسبة ليست بالقليلة من شباب وفتيات المجتمع بما يشبه الهوس. منذ يومين قبل كتابة هذا الكلام، توقفت السيارة التى استقلها فى أشارة مرور، وحانت لى التفاتة عارضة للسيارة المجاورة، وهى سيارة حديثة لا يقل ثمنها عن ربع مليون جنيه، فلفت نظرى امرأة شابة "عشرينية" ترتدى العباءة السوداء، التى باتت رمزا للشعبيات من النساء على الرغم من غلاء ثمنها، وقد مدت المرأة ذراعها ممسكة بالتليفون فى وضع "السيلفى" وتحرك شفتيها على أغنية من أغانى المهرجانات تصدح فى السيارة، ولاحظت أن المرأة تتفاعل بملامح وجهها وفى صمت مع الأغنية، ففهمت أنها تصور فيديو على طريقة "تيك توك"، ونقلت بصرى ألتفت لقائد السيارة، الأربعينى، لأرصد رد فعله، فوجدته سارحا ببصره إلى الأمام غير مبال، أما ملامح وجهه فقد أحالت ذهنى على الفور إلى ملامح منة عبد العزيز وصبيانها، وهى ليست مجرد ملامح أفراد ولكن ملامح مجتمع يمثل شريحة كبيرة جدا من المجتمع المصرى الآن، يقال أنها تمثل 70% من إجمالى السكان، وعنوانها "التوكتوك" قبل "التيك توك"، وأغانى المهرجانات "الإليكتروشعبي"، المعادل الموازى لأغانى الراب، التى تستسيغها شريحة وطبقة أعلى فى المستوى الاقتصادى. ومن الظلم أن نسم المجتمع الشعبى المصرى على إطلاقه بسمات الفئة التى تنتمى إليها منة عبد العزيز، وكلاشينكوف، الطبعة الجديدة، والإصدار الأخير لأطفال الشوارع، أو نحكم كله بأنه مجتمع عشوئيات، فالمجتمع الشعبى المصرى مازال فيه بقية من الثقافة الحيوية العميقة النابعة من جذوره القريبة التى عكستها وعبّرت عنها روائع نجيب محفوظ فى "الثلاثية، وخان الخليلى"، ويحيى حقى فى "قنديل أم هاشم"، وإبراهيم أصلان فى "مالك الحزين وبحيرة المساء" وغيرهم. كان لهذا المجتمع قوام متماسك، وقواعد صارمة للتعامل، يحكمها الكبار، كبار المقام والسن، وكانت الأخلاق هى عنوان الرجولة، التى يشب عليها الصبيان، وترضعها الأمهات أطفالهن، ثم حدث ما حدث فى السبعنيات من القرن العشرين وما تلاها من سنوات، من غلبة المادة وطغيانها، وشق المجتمع لطبقة تمتلك بفجاجة، وطبقة تفتقر إلى درجة الإملاق. واتسعت العشوائيات السكنية لتخلق مستوطنات بشرية أبرز ملامحها القبح الشديد، وفقر سكانها المادى والأخلاقى، انتشرت على أطراف المدن، وفى الجبال مثل المقطم، والغلبة فيها والسيادة لمن يملك القوة الجسمانية، ويفتقر للمعايير الأخلاقية، وزاد زحف الجراد العشوائى وأنضربت معها مؤسسة الأسرة فى الصميم، وغرق أطفال هذا المجتمع وشبابه فى المخدر من شم الطلاء اللاصق "الكلة" إلى "البانجو والبرشام"، وانحدرت القوى الناعمة تجارى وتعبر عن الفئات الجديدة فى المجتمع، التى صار لها من يعبر عنها من نجوم الفن والفنانين، (من قبل السبكى) وانحدرت قيم الجمال التى تهذب النفوس وتسمو بها، وضاقت المساكن على ساكنيها فـ "طفش" الأطفال من ذويهم وساحوا فى الشوارع. لقد شرعت الحكومة خلال السنوات القليلة الماضية تحاول بكل ما أوتيت من قدرة وقوة، ورغبة صادقة، على القضاء على العشوائيات السكنية، وظاهرة أطفال الشوارع، لكن للأسف تقوض هذه الجهود بشدة الآن وسائل إعلام "ليست عشوائية" ولكنها منظمة ومخططة بدقة، تجنى أرباحا هائلة من ثروات المصريين، وتحتل مساحة هائلة من عقولهم واهتماماتهم، وتساعد بشدة على نشر كل ما هو مشين، وسيىء، وضد الأخلاق القويمة، والمثل العليا والرفيعة، وتعاليم الأديان. .. وأخيرا فأن هذه الوسائل مستوردة لكن للأسف يحملّها شبابنا وفتايتنا الآن بمحتوى محلي يتصف بالعهر، ويتجاوزه إلى الفجور، كثرت حكاياته من مودة الأدهم، إلى شيرى هانم، ومنة عبد العزيز وكلاشينكوف، وغيرهم.. فتعالوا نبحث معا عن حل لهذه الكارثة.
    أضف تعليق