عاطف عبد الغنى يكتب: رجل الأعمال «الطَّيَّبة»

عاطف عبد الغنى يكتب: رجل الأعمال «الطَّيَّبة»عاطف عبد الغنى يكتب: رجل الأعمال «الطَّيَّبة»

* عاجل29-5-2020 | 17:13

تمنيت لو قابلته، لكنه غادر إلى جوار ربه قبل أن أحقق إحدى أمنياتى الصحفية، هو رجل أعمال رحل عن دنيانا، وترك مشاريعه المجتمعية خلفه تتحدث عنه حين يجنى الناس ثمراتها، ويدعون له فى الدنيا، ويجنى هو حسناتها الجارية فى الآخرة.
(1)
مات الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو العيش فى 15 يونيو 2017 وترك ميراثه رصيداً كبيراً من العلم، والعمل، والتأثير، فيمن حوله، لا لسبب إلا لأنه أدرك عن عمق حقيقة وجوده، وخلقه فى الأرض.
ولد أبو العيش لأسرة ميسورة الحال، ونشأ فى قرية مشتول بمحافظة الشرقية، وهاجر فى شبابه إلى النمسا ودرس فى جامعاتها الكيمياء الصناعية، ودرس أيضا الطب وتخصص فى علم الأدوية (فارماكولوجي)، وحاز على درجتى دكتوراه مرة عن طريقة جديدة لاستخدام السليلوز فى صناعة الورق، ومرة عن بحث له فى الغدة الدرقية.. وتزوج من نمساوية، وكان يمكنه العيش والاستثمار فى أوروبا، ويتمتع برغد العيش هناك، لكنه قرر أن يعود إلى مصر عام 1977، وشرع فور عودته فى إقامة مشروعه الذى حلم به.
 (2)
فى صحراء قريبة من مسقط رأسه، اشترى أرضا واستصلحها للزراعة، لم يكن مشروعه مجرد مزرعة، لكنه خطط له ليكون مستوطنة بشرية، ومجتمعا متكاملا فى قلب الصحراء، معتمدا على العلم والحلم، زرع آلاف الأفدنة وسقاها بأقل الماء، واعتمد على السماد العضوى الطبيعى، حتى لا تتلوث زراعاتها بما يضر الناس، وأنشأ حول المزرعة بعض الصناعات التكاملية، ووفر الخدمات الأساسية للعاملين وأبنائهم على مستوى عال، حتى لا يضطروا لمغادرة المكان، فأنشأ مدرسة أولية لا تزيد كثافة الفصول فيها على العشرين تلميذا، ومركزا طبيا للعلاج، ودفع العاملين لتطوير ذواتهم، فهذا مدرس ينتهى يومه الدراسى فلا يغادر زمام المزرعة، ويتحول فى المساء إلى طالب يتدرب ويدرس علما آخر، كما أنشأ مركزاً لتعليم التنمية المستدامة، تطور ليصبح جامعة.
نشاطات أبو العيش كانت أحد أسباب حصوله على جائزة نوبل البديلة فى التنمية عام 2003، وهو نفس العام الذى تم تعيينه فيه أستاذا فى جامعة آلانوس للفنون والعلوم الاجتماعية، فى بون بألمانيا، وحصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير نظرا لنشاطه المجتمعى والتنموى، مثل جائزة أفضل رجل أعمال للتنمية الاجتماعية، لكن كانت هناك جائزة أخرى، أسس لها فى عام 2004.
(3)
فى 2004، بدأ أبو العيش مشروعًا لتطوير عدد 13 قرية من القرى الفقيرة فى منطقة جلفينا المحيطة بمزرعته، وبدأ العمل ببناء غرف الصرف الصحى لبعض بيوت القرى، وترميم وصيانة المبانى وفصول محو الأمية ومنح دراسية للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة ومنحهم فرص عمل بعد ذلك ودعم المشاريع الصغيرة، وتسيير قوافل طبية، وإقامة دورات تدريبية فى الزراعة الحيوية والسماد.
ومع رحيل رجل الأعمال «الطيبة» عن دنيانا، تعثر قليلا مشروع تطوير الـ 13 قرية، لكن مع تولى الابن حلمى أبو العيش، مسئوليات الأب، تم استئنافه بقوة وإعادة تأسيسه بناء على تجربة المشروع الأول والخبرة مع المنطقة.
محافظ الشرقية، يتابع المشروع، وتشرف عليه وتشارك فيه – الآن - كليات الجامعة الخمس التى أنشأها أبو العيش، بانخراط كامل من طلاب ومعلمى وأساتذة وموظفى الجامعة.
ويقول القائمون على المشروع، إنه على مدار فصل دراسى كامل (2019-2020) كانت مشاركتنا فى أحد هذه المشاريع متمثلة فى إطلاق المرحلة الأولى من برنامج تنمية القرى الـ 13 المحيطة بالمزرعة، وتلخصت أهداف هذه المرحلة فى رصد الواقع التنموى الحالى لهذه القرى وتنفيذ الاستبيانات والمسوح الميدانية، من أجل توفير أفضل الفرص لأهالى القرى، وبعض الخدمات بدأت لديها بالفعل مثل التدريب على صناعة السماد على سبيل المثال.
(4)
هناك حكايات كثيرة تحكى عن المشروع والمشاركين فيه، لكن أهم حكاية هى حكاية المؤسس، الإنسان إبراهيم أبو العيش، أحد نماذج العمل الأهلى التى نحتاج محاكاته، والإنسان الذى وعى الحكمة التى خلقه الله لأجلها، وهى عمار الأرض، وزرعها بالمحبة أعظم بذور لأجمل طرح.
    أضف تعليق