د. ناجح إبراهيم يكتب متذوقا وناقدا: مسلسل الاختيار.. رؤية متخصصة

د. ناجح إبراهيم يكتب متذوقا وناقدا: مسلسل الاختيار.. رؤية متخصصةد. ناجح إبراهيم يكتب متذوقا وناقدا: مسلسل الاختيار.. رؤية متخصصة

*سلايد رئيسى30-5-2020 | 15:38

دار المعارف "الشهادة اصطفاء واختيار من الله سبحانه وتعالى، لا تأتى صدفة، إنها الدرجة الثالثة بعد النبيين والصديقين، والله لا يهبها إلا لمن اختارهم لنفسه وصنعهم على عينه إنها اختيار من الله، وهى اختيار أيضا من العبدفللشهادة طريق طويل سلكه من قبل ملايين الشهداء من بداية حياتهم حتى لحظة لقائهم لربهم". هذا بعض مما كتبه المفكر الإسلامى، الدكتور ناجح إبراهيم، مقالا فى جريدة " الشروق"، معقبا على مسلسل " الاختيار" وما تضمنه من معان، عكستها أحداث المسلسل، الذى حظى بنسبة مشاهدات هائلة، وتعاطف لا مثيل له مع الشخصية التى جسدها بطل المسلسل، وهى شخصية الشهيد البطل أحمد المنسى. وكتب د. ناجح إبراهيم عاكسا هذه المعانى المقال التالى: مسلسل الاختيار هو أول مسلسل تاريخى علمى وعسكرى جاد يحظى بأعلى نسبة مشاهدة عبر القنوات وعبر اليوتيوب، وقد كانت حلقة الهجوم على كمين البرث واستشهاد المقدم أحمد المنسى غاية فى التأثير فى قلوب الناس عامة والأمهات خاصة، وانهمرت الدعوات المخلصة فى ليالى الوتر تدعو للشهيد منسى ورفاقه الشهداء طوال الليل، وتدعو على التكفيريين بقلوب حارة وصادقة، وكأن المنسى هو ابنهم. لقد حظى الرجل فى هذه الليالى الدينية الرائعة من العشر الأواخر من رمضان بدعوات لم ينلها يوم استشهاده الحقيقى، وكأن الله ادخر له هذا الرصيد العظيم من الحب والإقبال عليه والدعاء له ليتدفق فى مثل هذه الأيام المباركة. الشهادة اصطفاء واختيار من الله سبحانه وتعالى، لا تأتى صدفة، إنها الدرجة الثالثة بعد النبيين والصديقين، والله لا يهبها إلا لمن اختارهم لنفسه وصنعهم على عينه إنها اختيار من الله، وهى اختيار أيضا من العبدفللشهادة طريق طويل سلكه من قبل ملايين الشهداء من بداية حياتهم حتى لحظة لقائهم لربهم، والذى يريد أن يكون شهيدا فى الآخرة فلابد أن يعيش شهيدا فى الدنيا، كما قال المنسى، فيختار دوما الاختيارات الصحيحة والرحيمة، ويختار الدفاع عن قضايا الحق فى الدين والوطن والحياة. وأول علامات الشهيد الحق هو الإخلاص وهو السر الأعظم والأسمى فى هذا الدين وهو سر بين العبدوربه، وهو الذى يجعله يضحى بكل ما يملك، ولعل الإخلاص هو الذى رفع ذكر كل الشهداء مثل عبدالمنعم رياض، إبراهيم الرفاعى، أحمد حمدى والمنسى، رامى حسانين فجعلهم أحياءً بسيرتهم العطرة فى الدنيا فى حياتهم وبعد موتهم، وأحياء عند ربهم يرزقون، فى الآخرة وجعل القلوب تهفو إليهم. اسم الاختيار دقيق لأن المنسى ورجاله اختاروا طريق وسطية الإسلام واعتداله والدفاع عن استقرار الدولة والحفاظ على جيشها أما هشام عشماوى وعماد عبدالحميد ورجالهم فقد اختاروا فكر التكفير للدولة والجيش والشرطة بل ولكثير من الحركات الإسلامية، وسلكوا طريق وفكر الخوارج فقتلوا المسلمين وفجروهم واعتدوا على مؤسسات الدولة، كلاهما اختار وحصد نتيجة اختياره، فلا نفع التكفيريين الإسلام ولا الأوطان ولا أنفسهم، فلا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا، ودخلوا معركة خاسرة دينيا وعسكريا فقاتلوا فى المكان الخطأ والزمان الخطأ وبالطريقة الخطأ ولم يفهموا مراد الله حق الفهم ولم يفهموا عن العلماء الأوائل حقيقة مرادهم فى أقوالهم ولم يدركوا أن نقل الفتاوى من زمن إلى زمن ومن بلد إلى بلد له شروط كثيرة غابت عن أفهامهم. لقد كان مسلسل الاختيار جديدا على الدراما المصرية وأحدث حالة عقلية ووجدانية جيدة للأسباب الآتية: كان أفضل من ألف خطبة ودرس وموعظة تدحض فكر التكفير وتعريه. أول مرة يظهر صورة التكفيرى وفكره بطريقة حقيقية ففى الدراما المصرية السابقة كانت تقدمه بصورة هزلية مضحكة أو كاريكاتيرية ساذجة «يحرم الخيار» أو فقير سيحمل الحزام الناسف من أجل مائة جنيه، أو فاقد للحنان أو فشل فى الحب فوقع فى هذا الطريق، كل ذلك غير صحيح المتطرف أو الإرهابى قد يكون من أسر راقية مثل عشماوى وعماد ووليد وكلهم كانوا ضباط جيش أو «حنفى جمال» ومجموعته وكلهم من ضباط الشرطة. وغيرهم من أجيال كثيرة ماتت وعاشت دون أن تتكسب مليما واحدا من طريق التطرف أو الإرهاب أو تذهب إلى هذا الطريق من أجل امرأة، فطريق النساء والمال متاح لكل أحد، وهل تكسب بن لادن والظواهرى وغيرهما شيئا، المشكلة أن خللا فكريا أصابهم فى لحظات حاسمة تجعل الإنسان يسلك طريق التكفير والتفجير ويقتنع به وقد كتبت فى ذلك كثيرا، هذه أول معالجة درامية حقيقية تشرح أفكار التكفير ومنابعها الأساسية وطروحاتها ونقاشاتها. أفاد المسلسل كثيرا القبض على عشماوى حيا حيث استطاعت أجهزة المخابرات اقتناص كل قصة حياته من بداياتها لنهاياتها وقصص الفريق التكفيرى معه وطبعا نقل هذا إلى المسلسل بدقة فعرف الناس بداية تنظيم أنصار بيت المقدس وعملياته وتنظيم «المرابطون» وقصته فى ليبيا ومناطق الفرافرة وغيرهما، واستفاد المسلسل من كل من عايش المنسى ورفاقه حيث كانت كل هذه القصص طازجة وذلك أعطى المسلسل دقة تاريخية. باعتبارى واحدا ممن تابع هذه الأحداث يوما بيوم بدءً من تفجير أنابيب الغاز ومذابح رفح الأولى والثانية وغيرهما يمكن أن أقرر أن هذا المسلسل لم يخطئ فى الأحداث العسكرية التاريخية للفريقين خطأ واحدا وأنه لم يختلق واقعة لم تحدث، أو يؤلف شخصية غير موجودة ووثق كل الأحداث بصورتها أو صوتها الحقيقى وقت وقوعها بدقة وأمانة. فقد صور المسلسل كل الهجمات الإرهابية ومذابحها وتفجيراتها بدءً من مذبحة رفح الأولى والثانية وتفجيرات مديرية أمن القاهرة والدقهلية ومبنى المخابرات الحربية فى الاسماعيلية، ومبنى الصاعقة القديم فى أنشاص، والهجمات على الكتيبة 103 وعملية الفرافرة (1),(2)، وهجوم الواحات، وتفجير موكب اللواء الوزيز محمد إبراهيم والهجوم على أتوبيس الدير وغيرها، فهو إذا مسلسل تاريخى حول الدراما إلى تاريخ، والتاريخ إلى دراما بدقة متناهية والأحداث طازجة قبل أن يغمرها النسيان. عرف المسلسل كل البسطاء نبذة وافية عن تنظيم أنصار بيت المقدس، الفرقان، داعش سيناء، المرابطون، ولم يكن يعرف ذلك سوى المتخصصين والمتبحرين فى هذه الشئون، وأدار حوارات بينهم أكثرها جيد وقليل منها لم يكن على المستوى، طرح أفكارها وقراءاتها بدقة غير مسبوقة. كل الشخصيات التى طرحها المسلسل لفريق التكفيريين أشخاص حقيقية معروفة للمتخصصين بدءًا من وليد بدر ظابط الجيش السابق الذى فجّر نفسه فى موكب اللواء محمد إبراهيم، أو عشماوى، أو عماد عبدالحميد، أو مجموعة ضباط الداخلية التى اعتنقت التكفير وعلى رأسها الضابط حنفى جمال «أبو عمر الصعيدى»، الذى قنص واغتال الشهيد المنسى ومجموعته التى كونت قيادة الجناح العسكرى فى التنظيم وتم قتلهم فى عملية الجيش الشاملة فى سيناء فضلا عن توفيق فريح زيادة، أبو أسامة المصرى، ومنصور الطوخى، وأشرف الغرابلى، وغيرهم من القادة الحقيقيين، فضلا عن عمر رفاعى سرور، وكل هؤلاء قتلوا، فى مداهمات للجيش أو الشرطة. أما الشخصيات الحقيقية فى فريق ومعسكر الجيش فهم كثيرون، الشهداء بدءً من العقيد رامى حسانين، العقيد المنسى، النقيب شبراوى، ملازم سباعى، الملازم حسانين، النقيب مغربى، النقيب أحمد نصر، النقيب محمد صلاح، الشهيد ملازم أحمد إمام، الشهيد نقيب محمد درويش الحمزاوى وآخرون، وكلهم أبطال حقيقيون وثق المسلسل صورهم الحقيقية بعد كل واقعة كما ذكر كل شهداء عملية الواحات والفرافرة. أخطأ المسلسل بجعل لحى للفريق التكفيرى فكلهم كانوا بغير لحية فى حقيقة الأمر بدءًا من عشماوى وعماد وانتهاءً بحنفى ورفاعة وفريح وأتباعه. قصر المسلسل فى بيان تكفير توفيق فريح وداعش لبعض التيارات الدينية واغتياله للدكتور مصطفى عبدالرحمن الأمين العام للحزب فى العريش. أحسن المسلسل بذكر تضحيات أبناء قبائل سيناء وتعاونهم مع الجيش ضد أقاربهم وبنى جلدتهم التكفيريين السيناويين وذكر منهم مثالا واحدا وهو الشيخ سالم لافى، فضلا عن قتل 300 مصلٍ منهم فى مسجد الروضة والمئات قتلتهم داعش بدم بارد وأحسن بذكره لبعض بيانات القبائل وخاصة الترابين ضد داعش، وكان موقف القبائل صعبا، فإما تشك فيهم الأجهزة الأمنية أو تقتلهم داعش بعد كل مواجهة بين الفريقين. أحسن المسلسل عرض كل المعارك وتصويرها بدقة وأمانة واحترافية ومهارة ومنها الهجوم على نقطة حرس الحدود بالفرافرة، وكمين الواحات الذى استشهد فيه عدد من ضباط الأمن الوطنى، ومعركة البرث التى كانت دقيقة جدا، وهذا سيعيد للدراما المصرية أمانتها ودقتها واحترافيتها، ولعله ينهى نظام أفلام المقاولات التى تصور فى فيلا لجمع العيدية من الشباب بمجموعة مناظر خليعة وأفيهات خارجة وقصة بلا مضمون. أعتقد جازما أن مسلسل الاختيار جعل ملايين الأمهات المصريات وخاصة من لهم أبناء جنود وضباط فى الجيش أو الشرطة يصيحون مع كل هجوم على الجيش والشرطة «لماذا، الله يخرب بيوتكم، ماذا فعل لكم هؤلاء، اللهم عليك بالتكفيريين» وزاد جرعة الوطنية ومحبة الجيش والشرطة ومعرفة تضحياتهما فى الفترة السابقة. أظهر المسلسل بجلاء أن التكفيريين هم الذين بدأوا الدولة المصرية بالغدر والخيانة وقاموا بعشرات المذابح قبل أن تتحرك الدولة ضدهم بداية من اغتيال محمد مبروك ومذبحة رفح الأولى والثانية، وقتل عشرات الضباط والجنود قبل مواجهة الدولة لهم.. أظهر المسلسل بجلاء غدر التكفيريين وعدم اعتدادهم بالمشاعر الدينية واللحظات الإيمانية الخاصة فقتلوا الجنود وهم يفطرون المغرب فى شهر رمضان فى لحظة إيمانية دقيقة فى مذبحة رفح الأولى، دون أدنى مبرر أو سبب سوى الجبن والغدر والتكفير. أظهر المسلسل أن الجيش والشرطة واجها عدوا شرسا منظما دقيقا كان يخطط بدقة لعملياته ولامتلاكه لكفاءات عسكرية وأمنية حقيقية ولأسلحة لم تمتلكها أى جماعات من قبل مثل الهاونات والصواريخ المضادة للطائرات، وللدبابات، وألغام حديثة، مع تكتيكات حديثة ومدربين محترفين من الداخل والخارج. أظهر المسلسل بطولات خفية إضافة للمنسى ورامى مثل بطولة النقيب أحمد نصر الذى أصاب عشماوى وأجبره على الانسحاب، وظل يقاتل مع أربعة فقط من الجنود ضد 48 تكفيريا، وأصاب سائق شاحنة متفجرة كانت ستفجر الكمين كله، وحمى جثة قائده، كل ذلك رغم أنه جاء للكمين بدلا عن زميله لأيام، وقد أصيب بمئات الشظايا، وعدة طلقات من عشماوى. لن يكون هناك عمل ليست فيه عيوب وأخطاء، ولكنى أزعم أن هذا المسلسل كان فريدا وما أعطاه المصداقية هم الشهداء العظام الذى جاء المسلسل ليحكى عنهم فمن إخلاصهم وصدقهم نجح المسلسل فى توصيل رسالتهم للناس، أما من تنكب الطريق مثل التنظيم الداعشى التكفيرى وانصرف عن الحق انصب غضب الناس عليهم دون مزايدة من المؤلف أو أفورة من المخرج، حيث لم يلجأ المسلسل لأسلوب الخطب الزاعقة والضجيج الذى شهدناه من بعض الإعلاميين الحكوميين طوال السنوات الماضية مما أفقدهم مصداقيتهم. سلام على المنسى ورفاقه، سلام على الشهداء فى كل زمان، وتحياتى لصناع المسلسل
أضف تعليق