طارق السيد متولى يكتب: فى سبيل الكوميديا والشهرة والفلوس
طارق السيد متولى يكتب: فى سبيل الكوميديا والشهرة والفلوس
يحزننى كثيراً أن أرى تاريخنا مادة للكوميديا الهابطة وأقصد هنا كل تاريخنا الحضارى والثقافى والدينى والاجتماعى.
عصور الاضمحلال الثقافى لما لم تجد شيئا تقدمه، راحت تنبش فى الماضى لا لتنتفع به وتتعلم منه ولكن لتسخر منه.
رأينا هذا فى كثير من الأفلام والمسلسلات بل وحتى الأغانى الهابطة، وقد شاهدت فى أحد المسلسلات مجموعة من الممثلين يرتدون زى فرعونى مبتذل ويغنون أغنية تقول كلماتها: "عند بيت أم أمون" ظنا منهم أن هذه كوميديا تبعث على الضحك وهى فى الحقيقة تبعث على الإشمئزاز، ناهيك عن تحريف أسماء الفراعنة بطريقة مسيئة بأن ينطق أحدهم اسم الملك بيبى الأول ويقول "بيببى" بمعنى فضلات الطعام شىء مؤسف للغاية.
البعض الآخر - وهذه ظاهرة انتشرت أيضا فى بعض الأعمال الفنية - راح يسخر من الأمثلة الشعبية والأقوال المأثورة وهى تراث شعبى له قيمته ومعناه وحتى قصائد الشعر والاغانى لعمالقة الغناء والطرب فى مصر لم تسلم من السخرية والأداء بطريقة هزلية.
كما أن حب الظهور والشهرة تحول إلى مرض لدى كثير من عامة الناس وخاصة بعد انتشار مواقع الفيديوهات وتحقيق أرباح عن طريق كثرة المشاهدات فأصبح البعض يسخر من كل شىء وخاصة الأشخاص المعروفين فى مجالات الدين والفن والثقافة مما يؤذى هؤلاء الأشخاص ومشاعرهم ومشاعر عائلاتهم، ويسىء لتاريخ بعض الأشخاص الذين رحلوا عن عالمنا ولا يوجد من يدافع عنهم.
وراح الجميع يعمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة فمن أجل الحصول على المال والشهرة لم يعد لديهم اى مانع لعمل أى شىء والسخرية من أى شىء على طريقة الصدمة والجرأة على طرح موضوعات صادمة للمجتمع وأخلاقه ،وأمور لم يجرؤ على فعلها أحد من قبل.
والمحاكم فى مصر الآن مليئة بأصحاب فيديوهات ومقاطع شبه إباحية وبعضها مسىء للأديان وبعضها مسىء للشخصيات العامة والتاريخية التى طالما علمتنا وعلمت أجيال قبلنا وكل هذا فى سبيل الكوميديا والشهرة وليكن ما يكون.
أن أخطر ما فى الموضوع هو تأثير هذا الاتجاه من السخرية وهدم الموروث الثقافى ،والفنى والقيمى للمجتمع على الأجيال القادمة التى لن تجد شىء تؤمن به، ولا شخصيات ورموز تمثل لهم قدوة يقتدوا بها فى حياتهم.