إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: اعتذار للرئيس!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: اعتذار للرئيس!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: اعتذار للرئيس!

* عاجل24-6-2020 | 15:57

ليس خافيًا أننا جميعًا غارقون – بدرجة أو بأخرى – فى بحور اليأس والإحباط.. فيروس الكورونا قاتله الله هو السبب.. فقد فرض نفسه علينا وعلى العالم كله ضيفا ثقيلا غير مرغوب فيه.. واستطاع أن يفقدنا طعم الحياة!.. لكن السياسة حاولت أن تنافس الكورونا (!!!) بالنسبة لى شخصيا.. وأظن أن كثيرون مثلى – كانت التطورات السياسية المحيطة بنا سببا فى مضاعفة ما أشعر به من إحباط.. الحكاية بدأت من ليبيا.. من مدينة ترهونة تحديدًا. كان الجيش الوطنى الليبى الذى يقوده المشير حفتر والذى يحظى بدعم مصر لدوره فى التصدى للمليشيات الإرهابية.. قد أحرز على امتداد الشهور الماضية تقدمًا ميدانيًا وبدا أنه قريب من دخول طرابلس وتحريرها من الإرهابيين.. لكن فايز السراج رئيس حكومة الوفاق باع ضميره وبلاده وفتح الباب على مصراعيه للرئيس العثمانى رجب طيب أردوغان لدخول ليبيا.. من أجل الحفاظ على كرسيه!.. تابعت بقلق – وكثيرون – ما قامت به تركيا من عمليات حشد للمرتزقة وما قامت بنقله من معدات عسكرية.. ونسمع لأول مرة عن متاعب ومصاعب تواجه الجيش الليبى.. وفجأة وقعت الواقعة.. أصابتنى صدمة كبيرة من سقوط مدينة ترهونة فى أيدى المليشيات والقوات التركية.. وانسحاب الجيش الليبى منها.. سمعت المتحدث الرسمى باسم الجيش الليبى يقول إن الجيش الليبى انسحب من ترهونة لأسباب تكتيكية.. لم أفهم هذا الكلام ولم أقتنع به.. وضايقنى ما حققته الميلشيات الإرهابية من انتصار وما يمثله ذلك من خطر على أمننا القومى.. ويزيد من قلقى أنباء المعارك التى اقتربت من مدينة سرت.. وهى المدينة التى إذا سقطت انفتح الطريق أمام الميليشيات الإرهابية والقوات التركية للوقوف على حدود مصر.. وأشعر بوجع فى القلب بعد ذلك وأنا أتابع ما تعرض له العمال المصريون فى ترهونة من إهانة وتعذيب.. رغم قيام حكومة الوفاق بتحرير العمال المصريين وإعادتهم إلى مصر.. ورغم تعهدها بمحاكمة مرتكبى واقعة التعذيب.. لم أشعر بالرضا فقد كنت أتمنى أن يأتى الرد المصرى بنفس الدرجة التى ردت بها مصر على واقعة ذبح المصريين الأقباط قبل أكثر من خمس سنوات.. زاد من شعورى بالإحباط ما قام به أردوغان من "بردعة" فى الدول العربية.. سوريا وليبيا والعراق مؤخرًا.. الرئيس التركى يتحدث وكأن مصر عليها أن تقبل الأمر الواقع وأن تضع إرادتها ومقاليد أمورها تحت أمرة العثمانيين الجدد.. تصريحات أردوغان خاصة فيما يتعلق بليبيا جعلتنى أستشيط غضبا.. الرجل يتكلم وكأنه احتل ليبيا بالفعل وفى طريقه لاحتلال مصر!.. الموقف العسكرى فى ليبيا أصبح أكثر سوءًا.. قوات الوفاق مدعومة بالميليشيات والقوة التركية أصبحت قريبة من سرت.. كان أردوغان يتحدث عن سرت وكأن سقوطها بات وشيكا.. وفجأة يحضر إلى القاهرة المشير حفتر قائد القوات الليبية وعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبى ويجتمع الإثنان بالرئيس عبدالفتاح السيسى.. ويخرج من القاهرة "إعلان القاهرة" الذى يدعو كل الأطراف الليبية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى مائدة التفاوض.. ويتضمن الإعلان كافة التفاصيل التى تضمن حل الخلاف الليبى سياسيا.. يحظى إعلان القاهرة بتأييد عالمى واسع.. كل دول العالم تقريبا أعلنت تأييدها للمبادرة المصرية، وكلها دعت إلى الإسراع بوقف إطلاق النار وعودة المفاوضات السياسية.. تركيا تعاملت مع إعلان القاهرة وكأن مصر تؤذن فى مالطة.. نفس الصلف.. ونفس الغرور ونفس العنجهية.. ونفس الإصرار على الوصول إلى سرت وتهديد الحدود المصرية.. ويزيد الطين بلة النتيجة التى وصلت إليها المفاوضات بشأن سد النهضة.. وهذا التعنت الأثيوبى الذى يستهين بمصر ومقدرات مصر وشعب مصر.. وكان من الطبيعى والمنطقى أن تؤثر كل هذه الأحداث فى نفسى وفى نفوس ملايين المصريين.. ووجدت نفسى أغرق أكثر وأكثر فى بحور اليأس والإحباط.. وبدأت نفسى تطارد نفسى وتلاحقها بالشكوك والظنون والتساؤلات!.. متى تتحرك مصر وتأخذ موقفا إيجابيا من كل ما يدور حولها؟.. إلى متى تسمح مصر لأردوغان بالعربدة على حدودها؟.. ماذا ننتظر لكى ندخل ليبيا كما دخلها الأتراك.. رئيس البرلمان الليبى دعانا فى يناير الماضى للتدخل وحماية الليبيين من الإرهابيين ومن الاحتلال التركى.. أى أنه قدم لمصر المبرر الشرعى لدخول ليبيا.. فماذا ننتظر؟!.. أين ذهبت الرافال والميج والغواصات وحاملات الطائرات؟!.. لماذا نقف عاجزين عن حماية مصالحنا وأمننا القومى؟!.. ولا أخجل أن أقول إن كل شىء اهتز داخلى.. ثقتى فى مصر.. ثقتى فى نظام مصر.. ثقتى فى جيش مصر.. ثقتى حتى فى الرئيس(!!!) كان حزنى عظيمًا وكانت صدمتى أعظم.. وكان ذلك نابعًا من شدة حبى لبلادى وجيش بلادى ونظام بلادى ورئيس بلادى.. وإيمانى المطلق والعميق بأن الرئيس السيسى ينطلق بمصر إلى آفاق المجد والعزة.. وبقدر هذا الحب وبقدر هذا الإيمان.. كانت صدمتى وشكوكى وهواجسى.. لكن الظلام تبدد فجأة وأشرقت الشمس وسطع نورها!.. كنت أتابع الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للمنطقة العسكرية الغريبة المحازية للحدود مع ليبيا وسمعت الرئيس يقول عبارة جعلتنى أتسمر فى مقعدى.. قال الرئيس إن جاهزية القوات المصرية للقتال صارت أمرًا ضروريًا.. وأضاف موجها كلامه للجنود والضباط.. كونوا جاهزين لحماية أمن مصر القومى.. على أرضنا وخارج أرضنا!.. تلميح واضح وصريح.. أول مرة يلمح الرئيس إلى إمكانية التدخل العسكرى فى ليبيا.. شعرت بسعادة بالغة تحولت إلى فرحة غامرة عندما مضى الرئيس السيسى فى حديثه فتحول التلميح إلى تصريح.. أقوى تصريحات سمعتها من الرئيس.. تدخل مصر العسكرى فى ليبيا بات أمرًا مشروعًا.. سرت والجفرة خط أحمر.. الهدف الأول للتدخل المصرى هو حماية وتأمين الحدود الغربية بعمقها الاستراتيجى من تهديد المليشيات الإرهابية والمرتزقة.. أما الهدف الثانى فسيكون سرعة استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءًا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومى العربى.. بهذه الكلمات الحاسمة القاطعة وضع الرئيس السيسى حدًا للعربدة التركية فى ليبيا.. غير المعادلة.. فبعد هذا الموقف المصرى.. إما أن تكون هناك مفاوضات ليبية ليبية بشرط إبعاد المليشيات الإرهابية وعدم تدخل تركيا.. وإما حرب أظن انتصارنا فيها مؤكد.. ليس فقط لأننا أعلى ترتيبا من الجيش التركى.. ولكن لأننا سنحارب ونحن قريبون من خطوط إمدادنا بعكس القوات التركية.. على أية حال نجح خطاب الرئيس فى تحريك المياه الراكدة.. ولم يكن غريبا أن تسارع الخارجية الأمريكية بإصدار بيان تتحدث فيه عن أمن مصر القومى وعن أهمية إيقاف إطلاق النار فورًا والجانبين – حكومة الوفاق المدعومة بتركيا والجيش الوطنى بقيادة حفتر – يبقيان على نفس أوضاعهما.. أى بدون أن تستولى حكومة الوفاق على سرت والجفرة.. فى كل الأحوال المعادلة تغيرت.. فى كل الأحوال مصر تحدثت عن نفسها وقالت كلمتها.. فى كل الأحوال كانت كلمات الرئيس بمثابة عودة الروح لمصر والمصريين.. بالمناسبة تحدث الرئيس أيضا عن سر النهضة وقال كلمات لها معنى.. قال إننا لجأنا لمجلس الأمن لكى نستنفذ كل فرص العمل الدبلوماسى.. الكلام له معنى ومغذى.. عبّر عنه وزير الخارجية سامح شكرى بعد 24 ساعة من خطاب الرئيس.. قال الوزير إذا فشل مجلس الأمن ستكون لنا إجراءات واضحة وصريحة.. هل فهمنا معنى الكلام؟!.. ولم يبقى إلا أن أقدم اعتذارًا مستحق وضرورى وواجب للرئيس السيسى.. اعتذار لسوء الظن واهتزاز الثقة!.. لكننى على ثقة من أن الرئيس سيقبل اعتذارى!.
أضف تعليق