كتب: على طه
لم يعد كثيرون ينخدعون فى القناع الذى يغطى به الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وجهه، عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيونى، وعلاقة بلاده بإسرائيلن وعلاقته هو شخصيا برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
وقد اتفق الطرفان على لعبة، يقبل بها نتنياهو من أردوغان ومن كثير من غيره من المسئولين فى منطقة الشرق الأوسط، وهى أن يظهر المسئول فى العلن العداء لإسرائيل، فيدغدغ حواس كارهيها من الشعوب فى المنطقة، بينما تمارس فى السر المنفعة المتبادلة بأقصى نستطيع، وعلى سبيل المثال، يخرج أردوغان فيهاجم بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، أو خطة الضم المعلن بينما تصدر تركيا إلى إسرائيل مواد البناء التى تشيد بها المستوطنات، وتحتل أراضى فلسطين التاريخية، والمغتصبة بعد حرب 67.
وفى مثال أخر أكد خبراء سياسة، وكتّاب، أن "استضافة تركيا لقيادات حماس يأتي بشروط واضحة تمنعهم من أي عمل ضد إسرائيل يصدر من الأراضي التركية."
وخلال الأسابيع القليلة الماضية كشفت تقارير صادرة عن وسائل إعلام عبرية عن اتفاق أمني إسرائيلي – تركي جديد، تم توقيعه في شهر مايو الماضي، بشأن تصاريح الشحن لطائرات شركة "العال" الإسرائيلية.
وأكدت هذه التقارير أن أول طائرة من أسطول شركة العال هبطت في مطار اسطنبول التركي، فيما أعلن القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة، روي جلعاد، أن "تلك الخطوة ستساعد على وصول التجارة بين الطرفين إلى مستويات قياسية من خلال رحلات الطيران المتبادلة"، ولم تعلن أنقرة على الاتفاق، بل تكتمت عنه تماما.
فيما كشف خبراء أن علاقات أردوغان بالإسرائيليين ليست جديدة، وإنما بدأت منذ توليه منصب رئاسة بلدية إسطنبول، وبمجرد أن تولى أردوغان رئاسة الوزراء في تركيا عام 2003 عين ملحقا تجاريا لأول مرة في السفارة التركية في تل أبيب، وكان هذا بمثابة رهان منه على أهمية تعزيز التعاون مع دولة الكيان، ووصلت العلاقات إلى أن تركيا تعتبر إسرائيل الآن واحدة من أهم 10 أسواق تصدير لمنتجاتها على مستوى العالم.
أرقام الاقتصاد
ولأن لغة الأرقام لا تكذب ولا تتجمل مثل أردوغان، ولكن تعكس بجلاء حقيقة العلاقة وحجم العلاقات بين تركيا وإسرائيل، نعرض فى التالى عدد من الإحصائيات التى تؤكد ما ذهبنا له فى المقدمة.
- تركيا الدولة الأولى عالميا في تصدير الأسمنت والحديد لإسرائيل، حيث صدرت 45 % من إجمالي ما استوردته الدولة العبرية من الحديد و59% من إجمالي ما استوردته من الأسمنت، وهما المادتان الأساسيتان في بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حسب تقرير صادر عن دائرة الإحصاء التركية العام قبل الماضي 2018.
- بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل العام الماضى (2019) أكثر من 6 مليارات دولار، بزيادة قدرها 18% عن العم الذى قبل (2018)، وبزيادة قدرها 300% عن عام (2005)، و600% عن عام (2002)، إذ كان يبلغ قرابة 1.39 مليار دولار، ومن المتوقع ارتفاع الرقم الإجمالي للتجارة التركية الإسرائيلية، إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وفق ما نادى به رئيس جمعية المصدرين الأتراك.
- تركيا الوجهة المفضلة للسياح الإسرائيليين، حيث سجلت حركة السياحة الإسرائيلية إلى تركيا رقما قياسيا في عام 2019، فهناك 12 رحلة جوية يوميا بين أنقرة وتل أبيب، وقبل تفشي كورونا، بلغ عدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا تركيا نحو 650 ألفا، مما يشكل ارتفاعا بنسبة أكثر من 25% مقارنة بعام 2018، بينما سجلت الخطوط الجوية التركية زيادة في عدد المسافرين بين مطاري تل أبيب وأتاتورك في إسطنبول بنسبة ١٧.٦٢٪ عن العام السابق.
- وخلال عامي 2006 و2007 حرص أردوغان على تمتين الشراكات الأمنية والاقتصادية مع إسرائيل وإضافة بنود جديدة إلى الاتفاقية الموقعة بين البلدين منحت معاملة تفضيلية للشريك الإسرائيلي، فيما سعى الطرفان في 2008 إلى تضمين عمليات التبادل التجاري بينهما، في مشروع ضخم أطلق عليه اسم: "ميد ستريم"، وهو خط أنابيب متعدد الأغراض يتمدد من تركيا إلى إسرائيل، يستفيد منه البلدان في إنتاج الكهرباء وتوصيل الغاز الطبيعي والنفط الخام والمياه، وبموجب هذا الاتفاق، تحولت تركيا إلى ممول للحديد والصلب والسيارات والبلاستيك، والملابس والأجهزة الكهربائية والزراعية المتنوعة لإسرائيل.
- تعمل تركيا كوسيط في عمليات بيع مشبوهة لنفط إقليم كردستان العراق إلى إسرائيل وتحصل على عمولة، في حين تعتبر الحكومة المركزية في بغداد هذه العمليات غير قانونية وتندرج تحت إطار ممارسات التهريب، خاصة وأن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى في استيراد النفط الخام من أراضي إقليم كردستان العراق.
- تؤمن تركيا للجيش الإسرائيلي حصصه الغذائية من مختلف المؤن والأطعمة المعلبة التي يتزود بها الجنود والضباط الإسرائيليون، خلال عمليات القتال في غزة، وهذا ما فضحته وزارة الدفاع الإسرائيلية، بعد أن أزعجتها تصريحات أردوغان العنترية، إذ أكدت في بيان أن المنتجات الغذائية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي مستوردة من تركيا، وأشارت إلى وجود صفقات مماثلة عقدها أردوغان مع حكومة آرييل شارون الإسرائيلية عام ٢٠٠٢ وتستمر حتى عام ٢٠٢٢.
وعلى المستوى العسكرى
- وقعّت تركيا مع إسرائيل عقدا عسكريا بقيمة 999 مليون دولار، بهدف تطوير دبابات تركية ليصل عددها إلى 270 دبابة من طراز إم 90، وفى عام 2005، اشترت تركيا نظم محطات أرضية من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية بتكلفة 294 مليون دولار، وبموجب هذا الاتفاق، حصلت تركيا على 20 محطات أرضية تضم كل واحدة منها 4 أو3 طائرات بدون طيار.
- فى عام 2005، وبمجرد تولى حزب العدالة والتنمية الحكم، زار أردوغان إسرائيل وعقد مع مسؤوليها صفقة عسكرية وصلت قيمتها إلى نصف مليار دولار، تنص على تحديث 4 طائرات حربية من طراز إف 4 فانتوم.
- فى عام 2009 (شهر مارس) أبرمت السلطات العسكرية التركية صفقتين دفاعيتين مع إسرائيل، الصفقة الأولى لبرامج استطلاعية عالية التقنية، والثانية لأغراض التشويش على الرادارات.
- فى عام 2008، تواصل التعاون العسكري بين البلدين، فقد تعددت زيارات المسئولين العسكريين المتبادلة سواء على مستوى وزير الدفاع، أو على مستوى القوات الجوية والبحرية، بالتوازي، جرت مناورات عسكرية جوية وبحرية مشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، واستمر التعاون الاستخباراتي بين تركيا وإسرائيل.
- تحتضن تركيا أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي.
- وصل التعاون العسكري بين البلدين إلى درجة السماح للطيران العسكري الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء التركية، حيث ينص الاتفاق على تبادل الطيارين 8 مرات في السنة؛ ويسمح للطيارين الإسرائيليين بالتحليق فوق الأراضي التركية لتدريب وصقل قدرات الطيارين الإسرائيليين.
- امتد التعاون بين البلدين إلى استعانة أردوغان بالطائرات المسيرة الإسرائيلية خلال تدعيمه ميليشيات فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، إذ أسقطت قوات الجيش الوطني الليبي طائرتين مسيرتين من صناعة إسرائيلية، طراز "أوربيتر- ٣."
- كشفت المتحدث الإعلامي باسم اتحاد حاملي الجنسية التركية في إسرائيل، رفائيل سعدي، أن هناك عددًا كبيرًا من المواطنين الأتراك يخدمون داخل الجيش الإسرائيلي، وذلك بسبب توريط أردوغان جيش بلاده في حروب ونزاعات لا طائل من وراءها، وحملات القمع والتنكيل لكل منتقديه.
من العسكرى للسياسى
وما خفى كان أعظم، لكن لعل ماسبق يكشف لماذا لم تعارض إسرائيل التدخل التركي شمال سوريا، ولم تدعم قبرص في إدانة ما تمارسه من أنشطة غير مشروعة للتنقيب عن الغاز قبالة سواحلها، ولم تدن التدخل التركي في ليبيا، بل إنّ رئيس البحرية التركية ومهندس سياسة أنقرة تجاه ليبيا، اقترح على أردوغان أن تقوم تركيا بتوسيع الصفقة ذاتها التي أبرمتها مع سلطة السراج في ليبيا لتضم إسرائيل فى مثلث اقتصادي يسيطر على حقول الغاز وخطوط الملاحة في البحر الأبيض المتوسط، أو هكذا يحلم الصهاينة والعثمانلية.
https://www.youtube.com/watch?v=xfmjN0_Rk08