عبدالناصر وسيد قطب «9» سيد قطب بين الاستخبارات الأمريكية والموساد.. حلقات يكتبها توحيد مجدي
عبدالناصر وسيد قطب «9» سيد قطب بين الاستخبارات الأمريكية والموساد.. حلقات يكتبها توحيد مجدي
الأسرار والأفكار التي سكبها سيد قطب علي صفحات الدراسات التي أعدها دون علمه لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA متعددة أهم ما ورد بها أن الصف الرابع في جماعة الإخوان المسلمين المصرية يتشكل من مجموعة سرية منتخبة لنساء قائدات فوق سن الخمسين وأن الرجال والشباب بالجماعة حتي الجيل الثالث أما الجيل الرابع فما فوق فقد تُرك لقيادة نساء الجماعة في حالة التعرض للإبادة الجماعية.
في الحقيقة نجح سيد قطب في كسب عدو قوي حرص علي الحذر من أفكاره ورؤيته منذ البداية تمثل في الإمبراطورية الأمريكية في أوج قوتها وانتصاراتها عقب معارك الحرب العالمية الثانية التي انتهت في 2 سبتمبر 1945 .
الملفات الأمريكية
ومع ذلك كشفت الملفات الأمريكية التي وثقت لفترة تواجد سيد قطب في جامعات الولايات المتحدة وتعامله مع وكالة CIA)) عن أحد الأسرار الهامة وأكدت أن سيد قطب كان أول من نجح في الحصول علي التمويل المالي الأمريكي كدعم سياسي - سري خاص خُصم بشكل دوري من الميزانية السنوية لمشروعات وزارة الخارجية الأمريكية بداية من ديسمبر عام 1953 وكان ذلك بصورة شيك باسم قطب أودع لدى أحد البنوك البريطانية بشكل دوري الأمر الذي يؤكد أن علاقة سرية للغاية من نوع خاص نشأت بين قطب ووكالة CIA)) لكن بشكل مباشر وواضح وصريح، لا لبس فيه ربما تتكشف تفاصيلها في المستقبل.
لكن لم تكشف المعلومات الاستخباراتية عن بيانات ذلك البنك وفرعه لكنها أشارت لتحصيل الشيك مع قدوم كل شهر ديسمبر لحساب خزانة جماعة الإخوان المسلمين المصرية حيث هدفت واشنطن من إرساله في البداية باسم قطب لتقوية وضعه في داخل الجماعة الإسلامية المصرية بينما استمرت عملية تحصيل ذات الدعم كما هو حتي عقب إعدام سيد قطب في مصر.
الثورة
في 23 يوليو عام 1952 قام الضباط الأحرار بحركتهم التاريخية في القاهرة ثم عاد سيد قطب بعدها مباشرة إلي مصر التي وصلها بتاريخ 23 أغسطس 1952 وفي حلمه تطبيق رسالته العلمية، مع كل ما درسه في أمريكا غير أن وزارة المعارف ألحقته بوظيفة ثانوية وصفها بالغبية ولم يقتنع بأهميتها بل ازدراها حتي فكر في ترك الخدمة الحكومية.
في هذه الأجواء السياسية الملتهبة شعر سيد قطب بالغُبن الشديد خاصة بعدما تجاهله "سعد اللبان" أول وزير للمعارف العمومية المصرية عقب ثورة 23 يوليو 1952 ولم يعينه في وظيفة تناسب درجته العلمية حتي نقم قطب علي اللبان الذي خرج من منصبه بعد أقل من شهرين من تعيينه الرسمي بسبب المشاكل السياسية الداخلية العنيفة التي شهدتها مصر وقتها.
حل محل اللبان الوزير "إسماعيل محمود القباني" الذي شغل منصبه بوزارة المعارف التي تحولت إلي وزارة التربية والتعليم خلال الفترة من 3 سبتمبر 1952 حتي 14 يناير 1954
ولم تتحسن الظروف الوظيفة، وقد أصابت سيد قطب حالة من النرجسية العلمية والتضخم في الذات جعلته لا يطيق البقاء بوظيفته فقدم استقالته من الحكومة صباح السبت الموافق 18 أكتوبر 1952
في هذه الأثناء تسلم النظام العسكري الحاكم في العاصمة المصرية القاهرة (في إطار تبادل رسمي للمعلومات مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية) ملفاً شمل بيانات عن شخصية المفكر الإسلامي سيد قطب تضمن التحذير من أفكاره خاصة عقب انضمامه إلي جماعة الإخوان المسلمين المصرية عام 1950 وما شكله من تهديدات محتملة ودعوته لمواجهة المصالح الغربية والأمريكية بالوسائل المسلحة في مصر ومنطقة الشرق الأوسط.
وهو ما يستدعي التوقف أمام ازدواجية التصرف الأمريكي حيال سيد قطب فمن ناحية تبدأ وزارة الخارجية الأمريكية بشكل سري للغاية بل دوري في تمويل جماعته السياسية الدينية باسمه في القاهرة، بينما تشرع في تسريب معلومات كان من شأنها وضع قطب بنهاية الأمر تحت مقصلة العدالة المصرية؟!
تقرير إلى عبدالناصر
ورفعت الجهات المعنية في القاهرة التقرير الأمريكي إلي البكباشي - رتبة المقدم مكونة من عقاب ذهبي ونجمة واحدة - "جمال عبد الناصر" المسؤول بمجلس قيادة الثورة المصرية فقرر التعرف علي ملف المواطن المصري المذكور بالتقرير السري الأمريكي.
بل وجدها جمال عبد ناصر فرصة لبحث أفكاره المثيرة للجدل خاصة أن ناصر كان لديه تاريخاً معروفاً مع جماعة الإخوان المسلمين وخبرة عريضة مكنته من الاطلاع علي حقيقة أفكارها وأهدافها الخفية التي حاول فيما بعد القضاء عليها إلي درجة سعيه إلي إبادتها لكنه فشل في تحقيق وإنجاز ذلك المشروع السياسي الطموح في النهاية.
خصص البكباشي جمال عبد الناصر ساعات من وقته للتحاور مع سيد قطب حتي امتدت بعض الجلسات بينهما لأكثر من 12 ساعة متصلة في كل مرة وبتلك الأثناء تحاور الاثنان حول أفكار قطب المستقبلية ومشروعه الإسلامي ورؤيته لإقامة الدولة الفاضلة في مصر.
وفكر جمال عبد الناصر وقتها بجدية في استغلال نظرية سيد قطب التي قرأ عنها في تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بشأن محاربة "الفكر الإرهابي" بالفكر وليس بالقوة وحاول ناصر بصدق ضم قطب لمجموعة شكلها بهدف مقاومة فكر جماعة الإخوان المسلمين المصرية.
وكان هدفه تحاشي الحاجة لاستدعاء العنف من قبل السلطة الحاكمة ضد جماعة الإخوان المسلمين المصرية ومع ذلك رفض قطب التعاون معه بل استفزه بشكل فكري علني إلي أقصى الحدود الممكن احتمالها بالنسبة لشخصية مثل شخصية عبد الناصر القائدة.
ونكاية في جمال عبد الناصر انحاز سيد قطب إلي جماعة الإخوان المسلمين المصرية وخلال أشهر معدودة أصبح من قادتها ومنظريها وانتشرت أفكاره بين شباب الجماعة وهددت النظام المصري الجديد بدرجة لم تتوقعها حتي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ((CIA وأجهزة التقديرات والبحوث الخاصة العاملة لحسابها.
حتي ساءت العلاقات إلي أبعد الحدود بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس جمال عبد الناصر الذي أمسك بزمام مقاليد السلطات في مصر بشكل رسمي ضمني عقب عزل اللواء "محمد نجيب" - أول رئيس مصري - بتاريخ 14 نوفمبر عام 1954 .
تعاون معلوماتى
وفي إطار التعاون المعلوماتي المتصاعد بين الأجهزة المصرية الناشئة وقتها مع الأجهزة الأمريكية أرسل ناصر إلي واشنطن يستعلم عن كيفية التعامل مع أفكار سيد قطب وشذوذ أفكار جماعة الإخوان في مصر.
وكان الهدف الرئيسي من تلك الخطوة الغريبة من قبل جمال عبد الناصر بسبب حرصه علي عدم استدراج الجيش المصري إلي معركة سياسية - مصرية - داخلية غير متكافئة القوة ربما أجبرته مع أعوانه من الضباط الأحرار في النهاية للقضاء علي الجماعة بقوة السلاح والرصاص.
فما كان من المعنيين بالأمر في الإدارة الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA)) إلا أن أرسلوا للرئيس المصري برقية قصيرة ومختصرة للغاية بنُيت علي كتيب التعامل مع جماعات التشدد الديني الإسلامي الذي وضعه سيد قطب بنفسه حيث كتبوا داخلها الحل الأمريكي مثلما وضعه قطب لهم بخط يده فأمضى عبد الناصر بعدها حوالي أسبوعين في دراسة محتواها وتقدير تداعياتها واستيعاب ما سُجل فيها وكان من أبرز النقاط الواردة:
"إن أفضل السبل العلمية لوقف عدوى انتشار أفكار جماعة الإخوان المسلمين المصرية المتشددة تُلزم مُتخذ القرار في أي زمان ومكان اجتثاث مصدر تلك العدوى من جذوره".
بعدها مباشرة ألقت السلطات المصرية في 9 أغسطس عام 1965 القبض علي سيد قطب رأس أفكار جماعة الإخوان المسلمين ورائد مُنَظري السلفية الجهادية بتهمة محاولة إحياء التنظيم الخاص - المسلح - للجماعة في القضية رقم 12 لسنة 1965 جنايات أمن الدولة العليا وكان قد سبق القبض علي قطب قبلها عدة مرات بسبب أفكاره.