يبادل «الأقصى» بـ «آيا صوفيا».. لعبة الفاتح أردوغان الشعبوية
يبادل «الأقصى» بـ «آيا صوفيا».. لعبة الفاتح أردوغان الشعبوية
تقرير يكتبه: عاطف عبد الغنى
رجب طيب أردوغان يخاطب دراويشه المغرر بهم، وإخوانه الإرهابيين الملتحف بهم، ومن لديه استعداد لتصديقه من الأغبياء فيقول عن قراره تحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد:
"إحياء آيا صوفيا من جديد هو بشارة نحو عودة الحرية للمسجد الأقصى."
لديه الجرأة أن يقول هذا فى الوقت الذى يشترى فيه من إسرائيل أسلحة متطورة ليساعد فصيل من الليبيين على قتل ليبيين آخرين، ويفوز هو بالنفط، والثروة الليبية، ويرقى كل يوم علاقاته الاقتصادية بالكيان الصهيونى، حتى أنه يصدّر له الأسمنت والحديد ليبنى مستعمراته على الأراضة العربية المنهوبة، ويبلغا معا حد الشراكة الاستيراتيجية.. ثم يعود أردوغان فيحاور ويناور لكن هذه المرة ليخطف النظر فى اتجاه آخر شعبوى يخاطب به العرب والمسلمين واصفا قرار "تحويل متحف آيا صوفيا" بأنه: " أفضل ردّ على الهجمات الشنيعة التي تستهدف قيمنا الرمزية في كافة أنحاء المناطق الإسلامية".
وعندما يتم ترجمة بيان "آيا صوفيا" إلى اللغة الإنجليزية موجها إلى الغرب تختلف لغة الخطاب تماما فيقول أردوغان الطامح فى رضا الاتحاد الأوربى والحلف الأطلسى: "ستكون أبواب آيا صوفيا، كما هو الحال في جميع مساجدنا، مفتوحة للجميع، سواء كانوا أجانب أو محليين، التراث المشترك للبشرية، احتضان الجميع بطريقة أكثر صدقاً وأصالة."
لماذا خلع الحلة السلطانية، وارتدى البدلة الليبرالية ؟!.. لأن المٌخاطب اختلف، فهو لا يستطيع أن يخاطب الغرب فيقول إنه سيحرر الأقصى عن طريق تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
لكن مع العرب يغلبه العرق التركى، وتنضح ديكتاتوريته التى تجرى فى عروقه مجرى الدم، ويزلف لسانه: " اتخذنا هذا القرار ليس استنادا إلى ما سيقوله الآخرون بل في ضوء حقوقنا كما فعلنا في سوريا وليبيا وأي بلد آخر".
أى حقوق لتركيا فى سوريا، وليبيا ؟! أو أى دول أخرى حلم أردوغان ذات ليلة عندما تعرى غطائه عنه وهو نائم، أنه أعاد مجد أجداده الغابرون وسلطانهم عليها، فصار يجنى فيئها، وتصله جزيتها منصاعة، وأنه يستطيع أن يرسل تجريدة من رجاله فيستحضروا أنجب أبنائها، وأمهر صانعيها، مثلما فعل أجداده، عنوة إلى اسطنبول ليشيدوا له قصور المجد والأبهة والحضارة.
وفى محاولاته للتأثير فى العالم الإسلامى، وتقديم نفسه زعيما له وخاصة فيما يخص القضية الفلسطنية، وفى القلب منها المقدسات الإسلامية "القدس، والمسجد الأقصى" تعمل تركيا على تقديم نفسها زعيم العالم الإسلامى الذى يقف ضد المخططات الإسرائيلية فيما تنويه من إصدار قرارات بضم مزيد من الأراضى العربية فى الضفة الغربية، والأردن، وخطط "نتنياهو" المعلنة فى هذا الشأن.
وتحاول تركيا أن تكتسب نفوذ على الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة، بأى شكل وأى وسيلة، وعلى حساب المملكة الأردنية، ودول عربية أخرى منها دول خليجية، بينما تلعب قطر دورا أخر فى غزة، لكنه أيضا يصب فى نفس الملف لصالح إسرائيل.
وجزء كبير من المخطط التركى فى جانبه العملى يعتمد على أنشطة وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، التي تعمل كأداة لتعزيز التأثير التركي في جميع أنحاء العالم.
وفى جانب آخر فقد سمح نظام أردوغان لآلاف الأتراك بزيارة القدس كحجاج، حيث أدرجت المديرية العامة للشؤون الدينية في تركيا المسجد الأقصى كموقع للحج فى عام 2015.
ويرى جناح تابع للسلطة الفلسطنية فى رام الله أن النشاط التركى نحو القدس قد يأتى بنتائج إيجابية لصالحهم فى هذا الوقت الدقيق، الذى لا يملك فيه الفلسطينيون سوى خيارات قليلة لتعطيل وفرملة مخطط إسرائيل فى الضم.
أما إسرائيل نفسها التى تلاعب كل الأطراف الأصيلة فى القضية أو المعنية بها بمنطق "تعالوا نعقد صفقة رابحة للجميع" ، وهى تترك عن قصد ووعى مساحة لتركيا تلعب فيها فتغازل العالم الإسلامى وتدغدغ مشاعره، تماما مثلما تفعل مع قطر، لكنها تضع خطوطا حمراء للأتراك، والقطريين، لا يستطيعان تجاوزها، ولا تغيب نشاطات الدولتين عن عينى إسرائيل.
وفى هذا الصدد أفاد مراسل الشؤون العسكرية والاستخباراتية في صحيفة "هآرتس" المدعو "يوسي ميلمان" الشهر الماضي، فى تقرير له، أن إسرائيل كانت تراقب نشاط "تيكا" المتزايد في القدس مؤخرًا، والذي شمل التبرعات المالية والغذائية، بالإضافة إلى تمويل مقهى وبيت شباب ودار سينما.
فى حين أوضحت باحثة إسرائيلية فى العلاقات التركية - الإسرائيلية، تدعى "جاليا ليندن شتراوس" أن النشاط التركي في القدس الشرقية يخلق بالتأكيد توترات، سواء مع المملكة العربية السعودية أو الأردن، لكنها لا تتوقع أن يستمر هذا النشاط، مؤكدة أن القدس من المرجح أن تظل في طليعة الانقسامات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وأخير يحق لنا أن نطرح السؤال التالى: هل يقدم أردوغان متحف "آيا صوفيا" للمسلمين، بديلا عن الأقصى، أم هو مجرد كارد سياسى يلقيه المقامر فى هذا التوقيت فى وجه الغرب، وهو يراهن أنه سوف يحدث تأثيرا كبيرا فى مشاعر المسلمين المنسحقين على رقعة العالم ؟!.