د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: مُتعة النقد
د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: مُتعة النقد
فن النقد من الفُنون الراقية، والتي لها أُصول ودراسة وثوابت، وليس معنى ذلك أنها مُقتصرة على الدارسين فقط، بالعكس، فمن حق أي إنسان أن ينقد، وأن يُبدي رأيه، طالما أنه مبني على أسس وحجج مُقنعة، وطالما أنه نقد بناء وموضوعي في المقام الأول.
ولكن أحيانًا الأشخاص المُتخصصين في مجال الفن والأدب والنقد، يتحول النقد لديهم إلى مُتعة، فهم يستمتعون بفكرة نقد أي عمل، ويظلون يبحثونه من أي نواقص فيها؛ لكي ينالوا منه، ومما لاشك فيه، أنه ليس هناك عمل كامل مُتكامل، فالمُؤكد أن العمل البشري لابد أن تشوبه النواقص.
والعِبْرة هي بكل عناصر العمل، فلو حقق الهدف منه، واستطاع توصيل الرسالة ونجح في جذب الجمهور، بناءً على أسانيد فنية، وموضوعية، فلا معنى من الإصرار على البحث عن نواقصه؛ حتى يتم نقده، أو بمعنى أدق مُهاجمته.
فالمُشكلة تكمن عند بعض المُبدعين، فأحيانًا إعجابهم بأعمالهم يجعلهم لا يرتأون أي ميزة في أي عمل آخر، وتظل دائمًا المُقارنة بداخلهم، وبالتأكيد سيُرجحون كفة أعمالهم لاإراديًا، وفقًا لطبيعة النفس البشرية.
وهذه هي الأزمة التي يقع فيها المُبدع رغمًا عنه، فهو ينساق وراء إحساس إعجابه وزهوه بنفسه، وتبدأ كل الأعمال الأخرى في التضاؤُل في نظره، فيتحول من مُبدع إلى ناقد لاذع.
والنقد ليس مُتعة، بقدر ما هو رسالة، فإذا تحول إلى مُتعة، سنُسفه من كل الأعمال، وسنُقلل من كُل المُبْدعين، وسنُصاب بحالة من الهوس بالنفس، وهنا سيكون النقد وسيلة لتدمير الآخر، وليس مادة للتصحيح والارتقاء.
وعلينا أن نُلاحظ أن بين فن النقد ومُتعة النقد شعرة رفيعة، تُغير الأمر برُمته، وتُحول المعنى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فلا تُحولوا النقد إلى مُتعة.