أحمد جمال البنا يكتب: هل هم شيوخ السلطان ؟

أحمد جمال البنا يكتب: هل هم شيوخ السلطان ؟أحمد جمال البنا يكتب: هل هم شيوخ السلطان ؟

*سلايد رئيسى13-8-2020 | 14:46

وجود المصالح وانتشار الجماعات المتطرفة أدى بشكل واضح لخلط المفاهيم وأثر على نقاء الدين الخالص الذى أنزله الله على رسوله وفهمه الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين على مر الأجيال . دأب اصحاب الأفكار المتطرفة والتى تجهل طبيعة الدين وطبيعة الحياة على هز الثقة بين الحاكم والمؤسسات الدينية من جهة وبين الشعوب من جهة أخرى ، حتى تهتز الثقة أخيرا بعلماء الدين الذين يحملون رايته ويدافعون عنه ولكن عن علم وفهم ودراية وليس عن حماس مغلف بالجهل . ومن الأمور التي رددها هؤلاء كثيرا وتعودنا على سماعها على منابر المساجد بغير علم ما يسموه بـ ( شيوخ السلطان ) والمقصود به أن دور العلماء فى هذا الزمان هو تنفيذ أوامر الحاكم والانصياع لحكمه وأوامره ، ويضربون الأمثلة بما كان يقوم به علماء الإسلام قديما مع الحكام ووقوفهم أمام الباطل وإظهار الظلم ومجابهته، والقيام بما يلزم لرفع الظلم عن عموم الناس ، وكثيرا ما كنا نسمع الحكايات والروايات التى تظهر قوة العالم وجرأته وصدعه بالحق أمام السلطان ولو كلفه ذلك عزله أو حبسه أو قتله . ويضرب لذلك أمثلة عديدة حفظناها جميعا من كثرة ما كانت تروى ، كمواقف سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام قاضى القضاة وما كان يفعله أمام الصالح نجم الدين أيوب وما تلاه من أمراء المماليك ، وما قام به من بين الأمراء المماليك أمام الناس ودوره فى جهاده  العظيم أمام الصليبيين والتتار إلى آخره . وما كان يروى عن الإمام الدردير الإمام المبارك حينما اشتكى له عموم الناس من ظلم الولاة فقام رحمه الله بالوقوف أما الوالى وإعادة الحقوق لأصحابها ورفع الظلم عن الناس . هذه الأمثلة التى تطرح قديما وحديثا على منابر المساجد وفى شاشات التلفزيون وفى المنتديات العامه والخاصة بين الناس يشوبها خلل فكرى فادح، وينقصها الفهم الصحيح لما كانت عليه المجتمعات قديما وما عليه الدول الآن. فى بلاد المسلمين قديماً كان العالم او رجل الدين يقوم بهذه الأعمال بصفته الوظيفية وليست بصفته رجل الدين ، فالإسلام ليس به رجل دين ينصب على الناس كما كان فى أوروبا في العصور الوسطى إنما به علماء يشرحون للناس دينهم ويعلمونهم ويرشدونهم لما فيه رضى الله سبحانه وتعالى ، لكنهم قديماً كانوا يشغلون من المناصب الوظيفية ما يمكنهم من القيام بهذه الأعمال التى نرويها نحن اليوم ، فليس من مهمة العالم أن يحكم على الوالى أو أن يقبض عليه و ينفذ فيه حكم الله ، وإنما من مهمة القاضى أن يحكم ومهمة الشرطى ان ينفذ الحكم إلى آخره ، ولأن العلماء فى هذا الزمان كانوا يجمعون بين القضاء والفتوى ومراقبة تنفيذ الأحكام فكان يحق لهم في هذا الوقت القيام بكل هذه المهام ولم تقتصر مهمتهم على الوعظ والإرشاد والفتوى فحسب .. وظل هذا النظام المجتمعى قائما متوافقا عليه الى ان قامت الثورة الفرنسية فى منتصف عام ١٧٨٩ وظلت تداعياتها قرابة العشر سنوات وما حدث من تأثير كبير للثورة الفرنسية وكتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو على معظم دول العالم ، وأصبح هناك نظام للحكم مختلف عما كان سائدا فى العصور القديمة ، ما يسمى بدولة المؤسسات .. فأصبح الاختصام ليس من وظيفة العالم وإنما وظيفة ما يسمى الآن بالنيابة العامة التى تنوب عن المواطن فى رفع الظلم وإعطاء الحقوق ، وهناك ما يسمى بمؤسسة القضاء والتى منوط بها الحكم بين الناس وخرجت ذلك من اختصاص العلماء وأصبح فى يد القضاء الذى اصبح معداً لذلك من دراسة القانون والشريعة الإسلامية معا حتى يستطيع الحكم بين الناس بما يوافق الشريعة ، وأن تطرق الأمر الى بعض المسائل الفقهية التى تحتاج إلى عالم متخصص يتم إسناد الأمر إلى مؤسسة أخرى تسمى بدار الإفتاء ، كما لو تم اصدار تشريع جديد أو قانون مقترح فى السلطة التشريعية والتى يمثلها مجلس الشعب و الشورى يتم إرجاء الأمر أى المحكمة الدستورية العليا والتى تطابق هذا القانون على دستور البلاد  .. كما أن هناك بمؤسسة الشرطة والتى منوط بها تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة من السلطة التشريعية والقضائية ، وهناك مؤسسة الأزهر الشريف والتى منوط بها حماية العلم الشرعى وتدريسه وهناك مؤسسة عسكرية عريقة وهى الجيش القائم بحماية الدولة ، وغير ذلك من مؤسسات الدولة المختلفة التى تقوم بدورها وواجبها فاقتصر دور العلماء على النصح لهذه المؤسسات وارشادهم والأخذ برأيهم فى المسائل المختلفة التى تعرض لتلك المؤسسات . وهكذا يجب أن نفرق بين وضع العلماء قديما وحديثا ، ووضع المجتمع والدولة قديما وما عليه دول العالم الآن حتى لا يستخف بنا أحد بدعوى ما كان يحدث من أهل العلم فى عصور مختلفة تماماً عن عصرنا الحاضر .
أضف تعليق