نادية صبره تكتب: الإمارات وشجاعة المبادرة

نادية صبره تكتب: الإمارات وشجاعة المبادرةنادية صبره تكتب: الإمارات وشجاعة المبادرة

* عاجل19-8-2020 | 14:59

يوم الخميس الماضي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه إتفق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي في إتصال هاتفي على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إسرائيل والإمارات كما جاء في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الإماراتية فإنه ونتيجة لهذا الإنفراج الدبلوماسي وبناء على طلب ترامب وبدعم من دولة الإمارات ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراضي فلسطينية وفقاً لخطة ترامب للسلام.. وقد وصف الرئيس ترامب الإتفاق بأنه تاريخي والمعاهدة عظيمة رحب بها العالم كله وأضاف أن الإدارة الأمريكية تعمل على بلورة إتفاق بين الفلسطينين والإسرائيلين سيكون مرضي جداً كما وصف مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الإتفاق بأنه خطوة مهمة من أجل تحقيق السلام. وقد رحب بالإتفاق الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو جوتيريس) واعتبره مبادرة لتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط ووصفه المرشح الديمقراطي (جوبايدن) بأنه سيؤدي إلى شرق أوسط أكثر سلام وأشادت الخارجية الروسية بتعليق خطط الضم الاسرائيلية بموجب الاتفاق مع الإمارات ووصفته بالخطوة المهمة وأشاد به الرئيس الفرنسي ماكرون ووصفه بالقرار الشجاع وكذلك إيطاليا التي اعتبرت تعليق ضم أجزاء من الضفة الغربية يشكل تطور إيجابي ووزير الخارجية الألماني (هايكو ماس) إعتبر الإتفاق خطوة تاريخية كذلك أيدت الإتفاق كلاً من بلجيكا والهند واليابان والأردن والبحرين التي أشادت بالجهود الدبلوماسية المخلصة التي بذلتها الإمارات وسلطنة عمان التي أعلنت على لسان الناطق باسم الخارجية تأييد السلطنة للسلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط كما رحبت به مصر حيث ثمن الرئيس السيسي الإتفاق وكتب تغريدة على تويتر قال فيها: أنه تابع بإهتمام وتقدير بالغ البيان المشترك الثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية الشقيقة وإسرائيل حول الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية وإتخاذ خطوات من شأنها إحلال السلام في الشرق الأوسط وأضاف أنه يثمن جهود القائمين على الاتفاق من أجل تحقيق الإزدهار والاستقرار في المنطقة. بداية الإتفاق يأتي في فترة زمنية دقيقة جداً فمنذ المبادرة العربية في بيروت عام 2002 ونحن أمام حالة من الجمود تتطلب رهان جديد على السلام وهو ما قدمته الإمارات بكل شجاعة وتتحمل تبعاته السياسية والإقتصادية رغبة منها في إقرار سلام شامل وتغيير الواقع الفلسطيني والدفاع عن الحقوق المشروعة.. الآن وبعد ربع قرن من الفشل الإمارات رأت أسلوب جديد وواضح وهو تطور إيجابي لكافة الأطراف المعنية ولا يعني حل كل القضايا العالقة إنما يمكن إعتباره منصة لمناقشة القضايا التي تهم كل طرف.. فمجرد تجميد ضم المستوطنات حتى ولو كان مؤقت هو ورقة تفاوضية جديدة يجب الإستفادة منها وإلا ما هو البديل عن العلاقات الدبلوماسية والتفاوض؟ وبكل اسف القيادة الفلسطينية الحالية خسرت كثيراً حينما اعتبرت أن ما فعلته الإمارات خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية كما جاء على لسان نبيل أبو ردينة المتحدث بإسم الرئاسة وأضاف أن خطوة الإمارات تنسف مبادرة السلام العربية، فليست هذه الطريقة المناسبة للتعامل مع دولة بحجم الإمارات كما تسرعت السلطة بحسب السفير من أبو ظبي دون أن يتم إستغلال الفرصة ولا أعلم ماذا يفيد الرفض ثم الرفض دون وجود بدائل مثلما رفض عرض بالحكم الذاتي منذ العام 1979 وكان عدد المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية لا يتعدى أصابع اليد الواحدة. كما صرح صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين قائلاً: (التطبيع الإماراتي الإسرائيلي طعنة كبرى في ظهر الشعب الفلسطيني) لماذا؟ أليست الإمارات وبالرغم من أنها ليست من ضمن دول المواجهة مع إسرائيل لكنها كانت ظهير عربي قوي وداعم للقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني إقتصادياً وسياسياً على مدار سنوات طويلة.. وكلامي ليس دفاعاً عن الإمارات وأنا لست من مؤيدي الإتفاق بنسبة 100% بل فقط أنا أتفهم دوافع الإمارات في حلحلة عملية السلام وأدرك أنها إستطاعت إبرام إتفاق ثلاثي برعاية أمريكية بعد عام ونصف من المفاوضات ونجحت في إقتاع الجانب الأمريكي بالضغط على إسرائيل لوقف خطة الضم ومن ثم فإن الإتفاق يمثل أفق جديد لجلب إسرائيل لطاولة المفاوضات.. ولا أقول إن معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية هي حلاً للقضية الفلسطينية ولكن أقول إنها تحريك لمسار التسوية. والعديد من النقاط العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مثل قضايا الحدود واللاجئين والمياه.. لذلك فالإتفاق به جوانب إيجابية كثيرة يمكن البناء عليها ولكن ما يثير حفيظتي هي نفس لغة التخوين وإتهامات العمالة وبيع القضية.. نفس لغة التشنج والشحن  وإستدعاء أجواء كامب ديفيد حين أقدم الشهيد الرئيس أنور السادات على مبادرته التاريخية ووقع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي استشرف بها المستقبل ودشن السلام في الشرق الأوسط.. وكأن أربعون عام لم تمضي وكأن الرئيس عرفات لم يوقع إتفاق أوسلو عام 1993 مع إسرائيل برعاية أمريكية ولا الأردن وقع إتفاق وادي عربة ولا المنطقة حدث بها العديد من التغيرات الجيوسياسية التي جعلت قضية العرب المركزية (القضية الفلسطينية) تتوارى عن بؤرة الإهتمام رغم أنها في القلب والوجدان العربي إلا أن إنكفاء الكثير من الدول العربية على مشاكلها الداخلية وما حل بها من حروب وصراعات أصبح شاغلها الأول. وقد وصف المبعوث الأمريكي السابق للسلام (جيسون جرينبلات): الإتفاق الإسرائيلي الإماراتي بأنه مذهل وتاريخي ولا يحق للقيادة الفلسطينية رفضه لأنه يمكن به مساعدة الفلسطينيين إذا نجحوا في أن يرتبوا بيتهم من الداخل.. والواقع أن الإمارات بذلت جهد جبار لتقدم خدمة للقضية الفلسطينية وليس لصالح ترامب وإسرائيل إنما هي قدمت فرصة لجميع الفصائل الفلسطينية ولكل من يلعب دور للإستثمار في الإتجاه الصحيح وهو عودة المفاوضات. كما أن الإمارات قد أبرمت إتفاق سلام جديد في العلن قد يغير شكل الشرق الأوسط إذا تم استغلاله بشكل جيد ولذا كان له صدى إيجابي على الساحة الدولية بعد أن أدراك غالبية قادة دول العالم أهميته.. عكس قطر التي استغلت ملف فلسطين لخدمة قضيتها الخاصة بعيداً عن المصالح العربية وقد كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية جزء كبير من العلاقات القطرية الإسرائيلية والتواصل الدائم بين أسرة تميم بن حمد واللوبي الصهيوني واليهودي في الولايات المتحدة ومساعدة اللوبي اليهودي لقطر في تحسين صورتها الإرهابية أمام العالم وإعترفت بأن العلاقات قريبة جداً منذ 13 عام وأن إسرائيل لعبت دور كبير في إرساء الاستقرار داخل قطر بعد المقاطعة العربية وأن إسرائيل منحت قطر شريان حياة بالتعاون في غزة وهذا ما عزز موقف الدوحة في واشنطن كما رفضت أي محاولات  للعداء مع قطر فيما تقدر قطر مواقف إسرائيل الإيجابية تجاهها وأوضحت أن (الشيخ حمد بن خليفة) آل ثاني والد الأمير الحالي (تميم بن حمد) فخور جداً بعلاقته مع إسرائيل.! وبغض النظر عن دويلة قطر فإن محاولات المتاجرة بالقضية الفلسطينية أصبحت مفضوحة من دول تسعى لمصالحها فقط ولا يهمها أن يتمتع الفلسطينيون بحرية حقيقية أو أن يستعيدوا حقوقهم فمثلاً ما صرح به الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) الذي قال نصاً: (نبحث سحب السفير التركي وتعليق العلاقات فهذه خطوات لا يمكن القبول بها تجاه فلسطين وتركيا لن تسمح بالتعدي على فلسطين!!). والحقيقة أنا لا أعرف بالضبط أين تقع فلسطين في أجندة أردوغان وأولوياته السياسية فأنا أراه يستدعيها فقط للتنديد وأخذ اللقطة والمتاجرة وكسب تعاطف العالم العربي والإسلامي ولا أعرف أيضاً كيف سيسحب سفيره من الإمارات ويتجاهل سفيره في إسرائيل؟ وأيضاً إيران حيث سارع وزير الخارجية جواد ظريف (بوصف الإتفاق بأنه مسرحية مفبركة وأضاف أن واشنطن عاجزة عن فهم الوقائع السياسية في منطقتنا وحقيقة الوضع في لبنان وفلسطين المحتلة ويعتقدون أن بإمكانهم تحديد مصير فلسطين..) والواقع يا سيد ظريف أنه لا أنت ولا الأمريكان ولا أي أحد يستطيع تحديد مصير فلسطين سوى الشعب الفلسطيني نفسه. كما صرح مستشار رئيس البرلمان الإيراني (بأن الإتفاق لن يضمن السلام في المنطقة..) وكلها تصريحات تهدف لإظهار إيران وكأنها صاحبة المقاومة الوحيدة في المنطقة وبالطبع بعد التصريح التركي والإيراني كان متوقعاً تصريح حركة حماس فالجميع بات يدرك العلاقة الأيدلوجية التي تربط حماس بإيران وتركيا والتي جعلتها تنقلب على كل محاولات الصلح مع حركة فتح بضغوط قطرية تركية إيرانية. ولذلك صرحت (حماس) بأن الإتفاق لا يخدم القضية ويشجع الإحتلال ووصفته بأنه طعنة غادرة في ظهر الفلسطينيين ونهاية مسار من السقوط القومي.. بالرغم من أن خالد مشعل كتب تغريدة في العام 2016 قال فيها إن علاقات تركيا مع إسرائيل تخدمنا!! ولا عجب في ذلك فحماس حركة إيدلوجية راديكالية متناقضة تتلاعب بالدين والسياسة وتتخذ من التخوين سياسة لها سواء التخوين بينها وبين الجهاد الإسلامي أو بينها وبين حركة فتح. إن السلام أمر ممكن إذا توافرت الإرادة والإمارات حاولت وضع حجر أساس للسلام وتكمن أهمية هذه المعاهدة في التطورات على الأرض وأهمها إيقاف إسرائيل خطط ضم الأراضي ولو مؤقتاً مما سيعطي فرصة لجميع الفرقاء من أجل الحوار والسلام والإستقرار في المنطقة وكما صرح أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية (فإن الإمارات ستواصل الدفاع بثبات عن القضية الفلسطينية). خلاصة القول الإمارات إمتلكت شجاعة المبادرة وقدمت حل فعلي وعملي لإحياء عملية السلام ووضعت النقاط على الحروف مع الحفاظ على حقوق الفلسطينيين كاملة وعلى الجانب الآخر من يدعون قوة الرفض ماذا فعلوا؟ من يرفضون بحجة الحفاظ على الدولة الفلسطينية هم في واقع الأمر يتآمرون على كل الدول العربية ويريدون تمزيقها إلى دويلات صغيرة ويقيمون العلاقات سراً مع إسرائيل في شتى المجالات وهم لا يدركون أنه لم يعد هناك شيء خفي.. وسأختم بكلمة للرئيس السادات قال فيها:- حاصروا إسرائيل بالسلام لا بالحرب فهزيمة إسرائيل تتحقق بالسلام لا بالحرب فهي بالحرب تكسب تعاطف العالم كله وبالسلام تفقد قوتها.
    أضف تعليق

    إعلان آراك 2