من المؤكد أن أي دارس للفلسفة، أو مهتم بها، وفي نفس الوقت مؤيد لأنظمة الحكم الاستبدادية، لهو متأثر بالفيلسوف الألماني الشهير جورج فيلهلم فريدريش هيجل الذي عاش في القرن التاسع عشر.
يعد هذا الرجل من أعظم العقول التي أنجبتها ألمانيا، وأثر في كل المدارس الفلسفية الكبري التي أتت بعده مثل اشتراكية ماركس، ووجودية سارتر، وأول من قدم نظرية فلسفية تجمع بين كل خبرات الإنسان، وتجاربه، وتدمج مختلف فروع المعرفة الإنسانية.
تتجلي بدايات تكوين العقل الهيجلي حين قام نابليون بغزو بروسيا أكبر الأقاليم الألمانيه في العام 1806، وحين رآه صاحبنا ممتطيا جواده منتشيا بنصره - وكان حينها شابا ثلاثينيا - انبهر بعظمته وأطلق عليه لقب ( روح العالم )، وظل معجبا به رغم احتلاله لوطنه، وحتي بعد أن نهبت القوات الفرنسيه مدينته، وسلبت ممتلكاته هو شخصيا، وأجبرته علي الفرار من المدينة وترك عمله بالجامعة !
وتتلخص فلسفة هيجل في أن الله موجود، ويحرك العالم، لكنه ليس الإله الذي يعبده أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاثة، بل هو (عقل مطلق) يجمع كل حقائق الكون.
ويتجلي هذا العقل المطلق من وقت لأخر في مجري التاريخ ليصيره نحو الخير المطلق، فالتاريخ عند هيجل عقلاني وله غايه قصوي هي التحرك المستدام نحو الخير المطلق الذي هو الحرية !
وحين يريد العقل المطلق فرض إرادته علي العالم، وتحريك التاريخ فانه يستعين بشخصيات كبري مثل نابلوين والأسكندر الأكبر لتحقيق هدفه.
وكل الفظائع والمذابح التي يرتكبها هؤلاء القادة مبررة عند هيجل بأنها الشر الضروري الذي لابد منه للوصول إلي الخير المطلق !
يعني لو أنك مصريا تعيش أثناء الاحتلال الفرنسي لبلدك في نهاية القرن السابع عشر ،كان يجب عليك أن تنظر بإكبار إلي روح العالم وهو يأخذ بيد الشعب المصري المقهور إلي الحرية عن طريق ارتكاب المذابح وتدنيس الأزهر بالخيل ، وكان يجب عليك أيضا علي سبيل المثال أن تنضم إلي فرقة المعلم يعقوب أشهر الخونة في التاريخ المصري عندما أسس فرقه من أمثاله تعاون الفرنسيين !
ومن المثير للتأمل أن تجد أوجه تشابه بين فلسفة هيجل السياسية وبين مواقف بعض فرق المتصوفة المصريين في القرن الماضي حين استنكروا علي الفدائيين محاربة الانجليز بحجة أنهم قدر الله، وقدر الله لا يجب أبدا مواجهته !
ولو افترضنا تخيلا أن هيجل قد تنبأ بوجود أكثر من 35 مليون عبد بالمعني الحرفي للكلمة يعيشون الآن في القرن الواحد والعشرين، ومعظمهم في أفريقيا، وآسيا، ماذا كان يكتب لهم ؟!.. ماذا كان يكتب لهتلر وستالين وبشار الأسد وكل السفاحين الذي ولدوا بعد مماته ؟!.. هل كان سينظر لهم علي أنهم روح العالم والآخذين بأيدي الشعوب إلي جنة الحرية ؟!
وهيجل علي عكس مايظن البعض يتعاطف جدا مع الإنسان الفرد، ويعترف بظلم التاريخ له في مسيرته إلي الحرية ويرى التاريخ مذبحة كبيره سحقت أحلام الأفراد وفضائلهم .
والفرد الواعي عند هيجل ليس إلا ترس صغير في ماكينة الدولة العملاقة، تنبع حريته من انسجامه وتناسقه مع مؤسسات الدولة التي هي روح الله في الأرض ووسيلته لتصيير التاريخ في مجراه المنشود.
الدولة عند هيجل كيان مقدس والحرية عنده ليست في استقلالية الفرد وإبداعه، وإحساسه بتميزه، وإنما هي بانتماءه الطوعي لدولته (وهو يعتبر أن الثوره الفرنسية قد فشلت لأن الفرد لم يضع نفسه في خدمة الدولة لتتحقق مصلحة الفرد والجماعة في مجتمع واحد ) حتي وإن كانت دولة محتلة لإرضه، فمن الواجب عليه أن يترك نفسه لتيار القوة والعظمة حتي يصل لغايته النهائية !!!!