أحمد الغرباوى يكتب: د. منى بكر نابغة الجنوب يقدّرها العالم ولانعرفها..!
أحمد الغرباوى يكتب: د. منى بكر نابغة الجنوب يقدّرها العالم ولانعرفها..!
مَنْ مِنّا يعْرِفُ د. مُنى بكر..؟
كم عددهم.. مقارنة بجمهور نجوم الفنّ والرياضة ورجال الأعمال ومشاهير الفساد.. وغيرهم
عالمة مصريّة.. من أقصى جنوب مصر.. من أسيوط إلى إمرأة كونيّة.. يفتخر بها العالم؛ مهما تجاهلها قيادات أكثر من 93 مليون بنى آدم..!
تبدأ مشوارها العلمى مع (جُسَيْمات الذّهب النّانونيّة)؛ التى يستخدمها العلّامة المصرى الفذّ د. مصطفى السيد فى علاج السرطان.. بعد تخصّصها فى ( الكيمياء الطبيعية - ليزر)..
وتسافر إلى أمريكا لنيل الدكتوراة.. وتحظى بمتابعة استاذها د. مصطفى السيد.. وتشاركه فى أبحاثه؛ عن استخدام الفيمتو ثانية؛ فى تفسير ظواهر التفاعلات الضوئيّة مثل الرؤية فى العين..
وكانت من الاجتهاد والتفوّق والنبوغ إلى الحَدّ ؛الذى يدفع العالم المصرى الكبير د. مصطفى يقول عنها:
ـ أن د. منى بكر ستكون أوّل من يدخل علم النانو تكنولوجى فى مصر والشرق الأوسط.. إنّها فتاة ذهبيّة حقّاً..
ويتحوّل الأمر إلى واقع تطبيقى بمعمل النانوتك فى مدينة دريم؛ بدعم رَجُل الأعمال أحمد بهجت؛ المؤمن بأهميّة البحث العلمى فى تطبيقات الحياة، ويقينه بوجود عقلية خلّاقة؛ ذات مثابرة واجتهاد مطّرد.. وعِشْق علمى لايخبو ولايكلّ.. ويتخطّى كُلّ الحواجز الحيْاتيّة؛ حتى الحاجات الشخصيّة.. وتفضّل العلم على الزواج.. عند تخييرها بعد عقد قرانها!
فهناك ملائكة تلتحف جَسد بشر.. تهبط من علِ.. وتتجوّل غصب عنها بين دِنو ودونيّات بشر الأرض لفترة مُحدّدة؛ لتُتمّ رسالة معينة.. وتخلُف آثاراً ليتبعها سِموّ طموحات وحُفّار نقش الحضارات..!
وقد كانت د. منى بكر واحدة من جُند الملائكة.. وليس ذنبها؛ إننا لَمْ نكن نعرف؛ غير مانرى وليس مانبصر.!
والفتاة السمراء؛ بنت الصعيد الجوّانى؛ لماذ يلقّبها استاذها مصطفى السيد بالفتاة الذهبيّة..؟
فهى أوّل من اكتشف جُسَيْمات الذهب النانويّة على مستوى العالم.. وغيرها من أنواع متعدّدة؛ مثل المستطيلة والدائرية.. فأذهلت المساحة لتى لسنا فيها من الدنيا..!
وغدت كشفاً فى الأوساط العلميّة.. وأدهشت كبار العلماء بنتيجتها العلمية ( أنّ خواص الذهب تتغيّر تماماً عندما تتكسّر؛ وتقطع إلى جزيئات متناهيّة فى الصغر)..
ويتوالى التطبيق العلمى لذاكَ الكَشْفِ؛كما هو فى اكتشاف الخلايا السرطانيّة فى أجساد الحيوانات والإنسان.. وهو الأمر الذى يعمل عليه د. مصطفى السيد فيما بعد فى علاج السرطان..
وترفض درّة الجنوب كُلّ إغراءات المؤسّسات العلميّة الأمريكيّة.. وتعود لجامعتها بأسيوط.. وترغم على التدريس المناهج العقيمة لمقرّرات الكيمياء والفيزياء لطلبة كُليّات التربية.. فلامكان لها بهيئة تدريس كلية العلوم..!
أعادت للذاكرة القصّة الشهيرة للدكتور فاروق الباز.. بعدما أنهى تفوّقه العلمى المشهود له من كبرى الهيئات العالمية.. يريدون تعيينه مديراً على مدافع إفطار رمضان..!
وترحل العالمة الراحلة إلى القاهرة.. ويدعوها مدير المعهد الفيدرالى بلوزان فى سويسرا للعمل معه.. وتؤسّس لهم وحدة النانوتكنولوجى لمدة عامين..
وتعود لمصر.. التى طالبتها بردّ الأموال التى صرفتها عليها فى البعثة العلمية لدراسة الكتوراة.. لأنها رفضت أن تكون (خوجة) لعلوم طلاب تربية.. وأبوا أن يجدوا لها مكاناً خالياً؛ بعضوية هيئة تدريس كلية العلوم التى تعشقها.. والموفدة منها لبعثة الدكتوراة..
وتدفع الجنوبيّة الشريفة.. تعيد لمصر وأبنائها.. ليس لفقراء الفِكر؛ وعديمى الثقافة؛ وجهلة الإدارة؛ ومُفسدى المنظومة التعليميّة.. عماء البصر والبصيرة..!
وتعود نابغة الجنوب عضواً بهيئة التدريس فى معهد الليزر بجامعة القاهرة.. وتشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة وهى تكمل مسيرتها البحثيّة والعلميّة.. وتتعاون مع العديد من الجهات؛ لاستغلال التكنولوجية الحديثة فى انتاج وتطبيقات عمليّة.. كما هو فى الكيماويات والأدوية وتحليّة المِيْاه والخلايا الشمسيّة.. وغيرها من مجالات البيئة والصحّة..
فما جدوى العلم إنْ لَمْ يتحوّل إلى منتج..؟
هكذا كان إيمان عالمة مصر؛ التى لم يعرف أحد قدرها.. والعالم كله يعرف قيمتها..!
ونابغة الجنوب.. التى كان يلقبها زملاؤها واساتذتها بذات الطلعة البهيّة.. لها أكثر من 58 بحثاً منشوراً دولياً.. يتابعه أكثر من 1800 عالم ودارس ومهتم.. وذوى شأن علمى.. ووحدها كان لها الفضل فى رفع تقدير جامعة القاهرة فى التصنيف الدولى..
وكما كانت إمرأة نادرة فى حياتها وعمر البشريّة.. يهاجمها مرض نادر ( نقص المناعة الذاتى).. وعن عمر يناهز 46 سنة ( 1971- 2017)؛ يختارها الموت ضمن نسبته لعالمية 1 كل 50 مليون.. أنها المستهدفة للرحيل؛ من بين أكثر نصف سكان مصر.. حكمة لايعرفها إلا خالقها..
ولم تكمل أكثر من 48 ساعة فقط؛ من اصابتها بنزلة برد والتهاب رئوى حاد.. حيث فارقت الحياة.. لأن العدوى فى هذا المرض تعنى الموت..!
ويعود ملاك العلم للسماء.. وهو يترك لنا رسالة لمن يفهم فى ثلاجة حجرته بالمستشفى.. عبارة عن عَيّنات شغل؛ وأنابيب اختبار؛ خاصّة بطلابها..!
ولم نقرأ أن أحد من الأوساط العلمية ـ على المستوى الرسمى أو الخاص ـ قام بتكريم العالمة المصرية؛ التى يقدّرها العالم.. ولم نزل لانعرف الكثير عن انجازاتها العلمية العالمية..
ألايجدر بسيدات مصر والوطن العربى.. من مشاهير وقيادات الوسط الفنى أو السياسى أو الثقافى.. وغيره؛ وكلهن كثيرات.. بالدعوة والعزم والشروع فى تكريم وتقدير نابغة مصر العلمية؛ بما يليق بها عالميا وعربيّا ومصرياً..
أم أنّى نسيت( أنّ كل نبى فى وطنه مُهان..!)
فإن لم تكن د. منى بكر رحمها الله؛ نموذجاً مشرفاً للمرأة لمصرية.. وجديرة بأكثر من تقدير.. وهى الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم التكنولوجية المتقدّمة عام 2009..
وكرّمتها مؤسسة مصر الخير؛ لكونها واحدة من أهم 5 علماء مصريين؛ والمرأة الوحيدة؛ من بين المكرّمين؛ الذين تم الاستعانة بدراستهم كمرجعيّة دوليّة؛ والاستشهاد بها في الأوراق البحثيّة..
كما صنفت في (رقم 20 ) وفقاً للمؤشّر الدولي؛ الذي يصنف كافة العلماء؛ طبقًا لتخصّصاتهم،وهو ماوضعها ضمن قائمة العلماء المرجعيين في مجال النانوتكنولوجي..
ورغم لك..
لم نحتفى بما هو جدير بانجازاتها العالمية..؟
وينبغى على أقل تقدير التعريف بها لدى شبابنا.. وطلابنا.. وجمهورنا العريض من المصريين بجميع فئاته..
لم فى مصر وَحْدها..
فى مصر وَحْدها؛ يكثر فيها؛ كُلّ ما يجب أن يُقدّر يُهان..!
وبمن يغيّرون واقعنا الآن.. هل يجود علينا الزمان ؟
يارب.. مصر
مصر الآن..!
.......
مصادر المقال:
ـ ويكيبيديا الموسوعة الحرة (د.منى بكر محمد)
ـ د. مصطفى السيد عن العالمة الراحلة منى بكر" ، موقع الوطن، 7مارس2017.
ـ سيرة الدكتورة منى بكر" ، موقع مصر فايف، 8 مارس 2017.
ـ وفاة الدكتورة منى بكر أستاذة النانو تكنولوجي و"البحث العلمي"، موقع الحدث، 5 مارس 2017.
ـ مجلة روز اليوسف 14 مارس 2017 ( مقال أ. جيهان أبو العلا)