القس بولا فؤاد رياض يكتب: القلب في الفكر المسيحي
القس بولا فؤاد رياض يكتب: القلب في الفكر المسيحي
يقول الحكمة المقدسة في امثال "يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي." (أم 23: 26)
ما هو القلب في الفكر المسيحي؟ و لماذا القلب بالذات مطلوب منا أن نسلمه للرب ؟
أولا : كلمة "القلب" هي أحد أكثر الكلمات المستخدمة في الكتاب المقدس، فذكرت فيه هذه الكلمة 876 مرة، القلب بحسب النظرة المسيحية هو محور الكيان البشري، ومركز وحدة القدرات، وإذا جاز التعبير، هو كرسي الأنا.
القلب إذا بحسب هذا المعنى لا يوجد في أي من أعضاء الإنسان، هو ليس ذلك العضو النابض في الصدر بين الرئتين الذي يضخ الدم لباقي الاعضاء ، بل هو ذلك الواقع الذي يشكل محور كامل الوجود الشخصي. إنه محور الوحدة حيث تتلاقى كل افكار ومشاعر و بنية كيان الإنسان.
ثانيا: في الكتاب المقدس استعملت هذه الكلمة للدلالة على ما هو داخلي أو مركزي أو عميق أو خفي. ومن ذلك "قلب البحر" (خر 15: 8) و"قلب الأرض" (مت 12: 40) وقلب الشجرة (2 صم 18: 14) أما "قلب السماء" في تث 4: 11 فقد ترجمت بكلمة "كبد السماء" لأن الكبد عند العرب ينسب إلى القلب من المعاني العاطفية وغير العاطفية. والقلب كعضو في الجسم كانت له أهمية أكثر من الدماغ والرأس. وكان القلب يعتبر مركز العواطف جسدية كانت أم روحية (اس 1: 10 ومز 62: 8 و10 ويو 14: 1 واع 16: 14). ومركزًا للعقل (خر 35: 35) والرغبة (نح 4: 6) والنية (مز 12: 2). وبحسبه تكون طبيعة الإنسان الروحية معوجة أو مستقية (مز 101: 4 واش 1: 5 ومز 119: 7) وكذا رأيه (ار 32: 39).ولعل نسبة هذه الأمور كلها إلى القلب مبنية على اعتقادهم بأن الحياة في الدم أو هي الدم نفسه (لا 17: 11 و14).
ويوصف القلب البشري بأنه ملآن من الشر والحماقة (جا 9: 3)، وأنه أخدع من كل شيء، وهو نجس (ار 17: 9) وأنه منبع الخطيئة (مت 15: 8 و19) ومقر الإيمان (رو 10: 10).
وجاء أن الرب ينظر إلى القلب (1 صم 16: 7) وأن منه مخارج الحياة (ام 4: 23) وأنه يجب مراعاة حالته (يؤ 2: 13) ويراد بالتكلم بالقلب التفكر (1صم 1: 12). وإذا قصد تأكيد وقوة العاطفة نسبت إلى كل القلب كما في الوصية: تحب الرب إلهك من كل قلبك (مت 22: 37). ووحدة القلب عبّر بها عن المحبة والاتحاد (أع 4: 32). أما قول التلميذين من عمواس: "الم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق" (لو 24: 32) فإن التهاب القلب هنا يقصد به الابتهاج.
لنأخذ هذه الآية من انجيل معلمنا متى لتوضيح المبدأ :
" مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً."
(انجيل معلمنا متى)
الحقيقة الثابتة انه دائما ما تكون الثمار نتيجة للشجرة التي تصنعها، ولا يمكن للثمار أن تختلف الشجرة التي عليها. هذا التشبيه في الكتاب المقدس يخبرنا بما ينتجه الإنسان كنتيجة وفي تجانس مباشر مع كنز قلبه. فالقلب الصالح ينتج الثمار الصالحة، والقلب الشرير ينتج الثمار الشريرة.
إذا، كيف أخرج ثمار جيدة من شجرتي ؟
ما هو نوع الشجر الصالح الملائم لإخراج هذه الثمار، لمعرفة ذلك نذهب إلى سفر أمثال مجددا و نسمع ما يقوله الحكمة المقدسة:
" يَا ابْنِي، أَصْغِ إِلَى كَلاَمِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى أَقْوَالِي. لاَ تَبْرَحْ عَنْ عَيْنَيْكَ. اِحْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ."
مجددا يدعونا الحكمة المقدسة أن نصغي إلى كلامه؛ أن نمل أذنينا إلى أقواله وأن نحفظها في وسط قلوبنا. وكما رأينا فيما سبق، أن الكنز الذي يوجد في قلوبنا يحدد الثمار التي ننتجها في حياتنا، وهذا صحيح أيضاً بالنسبة لكلمة الله، فهي أيضاً تُخرج الثمار عندما تحفظ في القلب.
في الحقيقة ان الله الآب ينظر إلى القلب ويريد القلب " يا ابني اعطني قلبك"
اهتمام الله بالقلب يتضح في رسالة المغبوط بولس، الله يعرف قلوبنا وكما تقول كورنثوس الأولى أنه " يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ."
في الحقيقة الكثيرون مستعدون لفعل العديد من الأشياء باسم الله، ومع ذلك، فكل ما يريده الله منا هو ببساطة أن نعطيه قلوبنا. فهو لا يريد الثمار أو أفعالنا أولاً بل يريد الشجرة التي تصنع الثمار، فإن كانت الشجرة - قلوبنا - له، إذا فستنتج الثمار وستكون صالحة إذ أنها ستكون صادرة من القلب المعطى له وستكون موجهة إليه.
.......................
القس بولا فؤاد رياض، كاهن كنيسة مارجرجس المطرية القاهرة