أحمد جمال البنا يكتب: الخوارج ورؤية الجمال فى الإسلام
أحمد جمال البنا يكتب: الخوارج ورؤية الجمال فى الإسلام
لم يشك عبد الله بن عباس رضى الله عنه فى أنه يستطيع بعون الله أن يرجع بالخوارج إلى حظيرة الإيمان .. هؤلاء الذين خرجوا على سيدنا على بن أبى طالب وألصقوا به تهمة الكفر على الرغم من أنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج الزهراء فاطمة رضى الله عنها ووالد سيدا شباب أهل الجنة ، وهو نفسه قد شهد له النبى عليه السلام بالجنة ، ولكن الكبر والغشاوة على أعين هؤلاء صورت لهم بأدلة من القرآن أنه كافر! .. وهكذا الخوارج فى كل زمان ومكان يعتقدون أنهم أعلم الناس وأفهمهم حتى مع الأكابر فهم أعلم من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم أتقى وأعلم من رسول الله نفسه فهذا كبيرهم ذو الخويصرة التميمى يقف أمام النبى وهو يقسم الغنائم فى إحدى الغزوات ويقول له : يا محمد اعدل فإن هذه قسمة لا ترضى الله ... فغضب رسول الله لقوله وقال :" ويحك .. إن لم أعدل أنا فمن يعدل ؟ ! "، فقد رأى نفسه أعدل من النبى نفسه .. وهكذا هم فى كل زمان ومكان ..
هم فقط من يفهمون الشرع ويحافظون عليه ، هم فقط من يقررون الحلال والحرام ، والرأى الخارج عن رأيهم سفه أو شطط أو تسيب وتمييع لدين الله ..
فلا تعجب إن رأيت الخوارج اليوم يكفرون ويقتلون ويحرقون ويدعون أنهم حماة الدين والشريعة وأن الدين لن تقوم له قائمة بدونهم .. وإن خالفتهم ألصقوا به تهمة الكفر والفسق ..
لكن ابن عباس الذى دعا له النبى عليه السلام بالفقه والفهم فى الدين كان قادراً على نقاشهم ومحاججتهم والإتيان بأربعة الآف منهم من أصل ستة الآف شخص منهم تائبين إلى الله .
ولكن شاهدى هنا فى هذا المقال ما فعله ابن عباس وهو ذاهب إليهم فى جدالهم ..
فقد ارتدى أفخم ثيابه ووضع أجمل العطور وكان حريصاً على أن يظهر سمة الجمال فى شخصه ، لأنه ببساطة أدرك أن مشكلة الخوارج هى عدم رؤية الجانب الجمالى فى دين الله ، فهم لا يرون فى الدين إلا العنف والشدة والغلظة والبطش ، وأن المؤمن إنسان جاد لا يضحك ولا يجوز له أن يتباسط مع الناس ، ولا يهتمون إلا بقضايا الجهاد والأسر والقتل مع أنها تأتى لظروف معينة كباقى الأمم وليست الأصل فى هذا الدين ، ولكن الأصل هو الجمال .. هو دين الجمال .. الإحساس .. الذوق .. الحب ..
كثير من يسخر من هذا الكلام .. ولكن الساخر وضعه كوضع الخوارج لا يرى الجمال ، فالجمال والحب والذوق كلها معانى لا يدركها الإنسان إلا بالذوق .. و حينما سئل أحد العارفين عن ما يفعله بعض السالكين فى الطريق هل وردت فى الشرع ؟ قال هذه أمور لا يدركها إلا من ذاقها وعرفها ، وكما قالوا : من ذاق عرف ، ومن عرف اغترف .. أى من سلك طريق الحب والجمال يعرف أن السالكين لم يكونوا ضلالاً أو مبتدعة وإنما ذاقوا ، فلما ذاقوا عرفوا طعم الجمال فلما عرفوا اغترفوا أكثر وأكثر حتى أصبح ديدنهم وحياتهم .