أحمد جمال البنا يكتب: السهولة قصة البقرة فى زماننا

قال ابن عطاء إجابة كل سائل جهل وضرر إذ قد يكون متعنتا لا يستحق جوابا وقد تكون المسألة لا يطيق معرفتها وقد توقعه في الحيرة والإنكار. سورة البقرة وأثرها فى فهم طبيعة الدين دائما ما كنت أسأل فى اهتمام بالغ .. لماذا سميت أطول سورة فى القرآن بهذا الاسم ؟ ولماذا جاءت فى بداية المصحف الشريف ؟ ولماذا سميت بالبقرة نسبةً الى قصة البقرة غلى الرغم من كثرة القصص فى تلك السورة ؟ هل لكل ذك دلالة أم لا ؟ وحينما تدبرت وسألت تبين ان كل ذلك مقصود فليس فى القرآن شيئا جزافاً ، وكل حرف له حكمة وكل ترتيب له معنى . وسورة البقرة سورة نزلت بالمدينة المنورة أى أنها نزلت بعد استقرار المسلمين آمنين ليوضح الله لهم بعض الأحكام الشرعية والمبادئ الأساسية التي هى أساس هذا الدين .. وحينما تتأمل قصة البقرة تجد انها تستحق فعلا أن تكون فى صدر المصحف بعد الفاتحة ، لأن فيها من المعانى والمفاهيم الأساسية التى تعتبر أساس هذا الشرع الحنيف. والقصة باختصار أن رجلاً قد قُتل من بنى إسرائيل فاحتار الناس فيمن قتله ، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة ثم يأخذوا بعضها فيضربوا به المقتول وحينها سوف يقول من قاتله . وهذا أمر سهل هين ليس فيه مناورات ولا مناقشات ، إلا أن بنى إسرائيل شددوا على أنفسهم كمحاولة للهروب من هذا الأمر ، فاتهموا نبى الله بالاستهزاء بهم ، وهذا مجرم فى حق الأنبياء ، إلا أنهم فعلوه في البداية ، ثم تكاثرت الأسئلة ... ما هى وما لونها و ماهو سنها .. إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا جدوى لها والدخول فيها يجعل الأمر أكثر صعوبة . فلما أجابهم عن ذلك كله لم يجدوا إلا بقرة اشتر ها بوزنها ذهباً أى أنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، ولو أنهم اخذوا اى بقرة لأجزات عنهم . هذا هو المبدأ الأساسي للإسلام .. البساطة .. السهولة .. كن سهلاً يفتح الله لك الابواب ، هذا الدين لم يأت إلا ببساطة شديدة فى أحكامه و أوامره لم يشدد على الناس فى تفاصيل الأحكام كما يفعل المتطرفون اليوم ، فتجدهم يسألون عن أدق أدق التفاصيل التى سكت عنها الشرع الشريف والتى نهى الله عن الحديث فيها ، فيشددوا بها على الناس ، فتجد أن الحياة أصبحت صعبة لا نستطيع التعايش معها بهذا الشكل ، فإما ترك الدين بالكلية وإما التطرف . ولهذا فإن سورة البقرة تصدرت المصحف وسميت بهذا الاسم ليوضح لمن يقرأ القرآن أن هذا الدين مع بداية صفحات القرآن دين البساطة والسهولة ، وكأنه يعطى لمن يفتتح المصحف مفتاح هذا الدين ألا وهو السهولة .